أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. في السودان، لا صوت يعلو فوق صوت كتائب وجنود فيلق البراء – المحسوبة على الإسلاميين – والتي تقاتل مع الجيش السوداني. فقد تصدت هذه القوات بجسارة لكل هجمات الدعم السريع على مقرات الجيش، ولم تكتف بذلك بل ساهمت مساهمة كبيرة في تحرير الخرطوم والجزيرة وسنار.
يأتي هذا كله في وقت تتعرض فيه هذه القوات لهجوم عنيف من سياسيين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يقولون إنها تنتمي إلى “داعش” وإن وراءها أحزابًا سياسية إسلامية تريد العودة للسلطة عبر هذه الحرب.
وقدّم فيلق البراء مئات الضحايا من قواته في حرب الجيش السوداني ضد الدعم السريع، الأمر الذي قوبل بنقد حاد من قبل تيارات يسارية، مؤكدين أنها ترفع شعارات دينية مزيفة وغير صادقة لخداع الشعب السوداني والعودة للسلطة.
وقد أكد القيادي الإسلامي محمد فقيري في حواره مع “أفريقيا برس” أن فيلق البراء لعب دورًا حاسمًا في معارك الخرطوم والجزيرة وسنار، مضيفًا أن الهجوم عليه سببه نجاحه في الميدان لا انتماؤه السياسي.
وقال إن الفيلق تشكل بصفة ظرفية وأفراده شباب جامعيون يخضعون لإمرة الجيش وليس لتنظيمات سياسية. وشدد على أن اتهامهم بالداعشية محاولة لتشويه جهادهم، مبينًا أن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية السبيل لتجاوز آثار الحرب.
كما اعتبر أن إحالات الضباط الأخيرة ذات طابع سياسي مرتبطة بتوجس البرهان من الإسلاميين، مؤكدا أن الجيش يواصل تقدمه وأن المعركة لن تتأثر بهذه الإحالات.
هجوم عنيف على فيلق البراء من قبل نشطاء وسياسيين لكونهم إسلاميين ويقاتلون مع الجيش.. لماذا؟
الهجوم على كتائب البراء يأتي من الخصم السياسي والخصم المحارب، وذلك لأنهم أثبتوا فاعلية وقدرة على القتال، وكان لدورهم أثر كبير في مجريات المعارك في الخرطوم ومدني وسنار. وهي محاولات يائسة – في ظني – لمجموعات انتبذت مكانًا قصيًّا من المجتمع وباتت تعيش حالة من الهذيان المانوي، وقد تقطعت أسبابها بالسياسة التي تتوسل الجماهير طريقًا إلى السلطة.
لقد أصبح الشباب المجاهد مثالًا في الوطنية الحقة والتضحية الناكرة للذات لأقرانهم وناشئة المجتمع، ونسأل الله أن يتبارك جهاد القتال بجهاد السياسة حتى نصل إلى مستقر آمن.
برأيك ما هو مستقبل فيلق البراء الذي يقاتل مع الجيش؟
لا أرى في هذه الكتائب خطرًا، فهي قد أعلنت أنها ظرفية نشأت بين يدي الحرب، وأغلب منتسبيها هم شباب يدرسون في الجامعات ولديهم مجالات مختلفة في الحياة، لا أظن أن الجندية قادرة على استقطابهم. كذلك هم يخضعون لإمرة القوات المسلحة وليس للتنظيم السياسي، ومع ذلك فهم شديدو الانضباط إذ إنهم خرجوا من حركة سياسية مارست انضباطًا إداريًا جعل من الصعب الخروج على نسقها بالتطرف أو التشدد.
عناصر فيلق البراء متهمة بأنها تنتمي إلى تنظيم داعش وتمارس نفس سلوكهم؟
كان من الصواب – وفق منظوري – أن يتطوع شباب الإسلاميين ضمن جموع المستنفرين، ليس خوفًا من أحد، ولكن لا يوجد داعٍ أصلًا للتمايز عن مجموع السودانيين، إذ أصبح الوجدان واحدًا في هذه الحرب.
هذا التمييز يضر أكثر مما ينفع، فهو يجعل المجموعة هدفًا للعمل الأمني والاستخباراتي من جهات مختلفة، مع سهولة تنميطها في قالب التشدد والداعشية من مجموعات تتربح من هذا الأمر.
عقار قال بالأمس إن الحرب ستنتهي بمصالحة.. كيف ترى حديث عقار؟ وما هي رؤيتكم للمصالحة؟ وهل ستحدث مصالحة شاملة للسودانيين؟
حديث عقار لا جديد فيه، وهو من بداهات السياسة خاصة في ظل حرب بها أطراف داخلية حتى ولو استغلت من قوى خارجية. لذلك المصالحات مهمة، فقد أثرت الحرب سلبًا على كامل النسيج الاجتماعي، وعززت من الكراهية لغة بين المجموعات الإثنية المتباينة. لذلك لا يمكن الحديث عن نصر عسكري حاسم إذا أردنا البناء على الوحدة السياسية للسودان. ومثال إثيوبيا مثال قاصر، فهي قهرت مجموعات سكانية كبيرة بقوة السلاح لكنها تعاني من التوترات ولن تستقر ما لم تخاطب قضايا مجتمعاتها.
نحتاج في السودان إلى عدالة انتقالية تستهدي بالموروث السوداني، تقلل من جرائم النفوس وتجبر شيئًا من الضرر الذي حاق بالمواطن جراء هذه الحرب، كما نحتاجها لنقطع يد الخارج، وهذا لن يتم إلا بتمتين اللحمة الداخلية.
ألا ترى أن خطوة إحالة بعض الضباط في الجيش.. الهدف منها إبعاد الإسلاميين من الجيش، سيما أن هناك من يرى أن الضباط الذين تمت إحالتهم للمعاش ذوو خلفية إسلامية؟
من الواضح أن البرهان متأثر بالمقولات التي ترى الجيش خاضعًا لتنظيم الحركة الإسلامية، وبالتأكيد هناك ضغوط مصوبة عليه من هذا الباب، لذلك عمد إلى إحالة الكثير من الضباط برتب مختلفة منذ سقوط الإنقاذ. كذلك البرهان لديه هاجس الخوف من انقلاب داخل الجيش بالتعاون مع الإسلاميين، سيما وأن التناقضات حينها كانت كثيرة في المشهد السياسي وداخل المؤسسة العسكرية بوجود قوات موازية (الدعم السريع) شكلت توترًا مستمرًا.
لقد صرح البرهان في كثير من خطاباته بأن الجيش مؤسسة خالية من الإيديولوجيا والانحيازات السياسية، ما يعزز فرضية أنها إحالات ذات طابع سياسي وليست روتينية الطابع.
لقاء قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والمبعوث الأمريكي مسعد بولسي في سويسرا.. هل له علاقة بالإحالات التي حدثت للجيش؟ وفي نظرك ما الذي دار بين البرهان والمبعوث الأمريكي؟
لا أعتقد أن الأمر رهين بهذا اللقاء. مطلوبات الخارج واضحة تمامًا ولا جديد فيها، وتشدد على ضرورة عزل الإسلاميين في هذه المرحلة مع واجهة مدنية تتصدر السلطة. عليه فإن اللقاء بين البرهان والمبعوث الأمريكي يدعم فرضية التفاوض بشأن الحرب.
برأيك هل إحالات ضباط في الجيش للمعاش يمكن أن تؤخر حسم المعركة في دارفور، سيما أن الضباط الذين تمت إحالتهم ضباط أكفاء؟
لا، لن تؤثر. المعركة الآن مختلفة عن أولها تمامًا، حيث يتقدم الجيش في كل المحاور وانتصر في الجزيرة والخرطوم وسنار.
د. كامل إدريس رئيس وزراء السودان ما زال لم يقدم نفسه للخارج بالشكل المطلوب.. ألا ترى أن ذلك يمثل فشلًا في تعامله مع الخارج؟
أزمة كامل إدريس هي حضوره في زمن طغيان القيادة العسكرية.
ماذا تقصد بطغيان القيادة؟
الطغيان هنا ليس بمعناه السياسي، بل بمعناه اللغوي. ففي الحرب تعلو أصوات العسكر وتكاد تغيب السياسة إذ تعسر وتتعثر. ولكن هذا لا يقدح في أهمية منصبه، فهذه الحكومة ذات طابع انتقالي تعالج ظروف الحرب وتكمل سد الثغرات، وليس مطلوبًا منها ما يُطلب من شاغل هذا الموقع حال السلم وحالة الشرعية الانتخابية. وقد تتغير هذه الحكومة وفق الظرف السياسي خاصة إذا توقفت الحرب.
الاتفاقيات التجارية بين السودان ومصر منهارة.. كيف يمكن إعادتها؟
أعتقد أن الحرب أثرت تأثيرًا بالغًا في تعقيد تنفيذ عدد من الاتفاقيات بين البلدين، فقد انخفضت الحركة التجارية في الطريق البري الرابط بين البلدين نتيجة الحرب، كما أن صادرات السودان من اللحوم والسمسم والصمغ العربي تأثرت أيضًا، الأمر الذي جعل السوق المصري يبحث عن بدائل. لكن يكاد السودان الآن يعتمد اعتمادًا كاملًا على المنتجات المصرية الاستهلاكية حتى الدواء ومواد البناء، وهذه الأخيرة ارتفع الطلب عليها في السودان بعد تحرر الخرطوم ومدني. وأعتقد أن السودان يواجه تحديًا حقيقيًا في إعادة بنائه على مستويات البنية، وهنا يمكن للسودان أن يستفيد من هذه الاتفاقيات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس