مستشار رئيس الوزراء الأسبق أمجد فريد في حوار مع “أفريقيا برس” (2/2)

10
مستشار رئيس الوزراء الأسبق أمجد فريد في حوار مع
مستشار رئيس الوزراء الأسبق أمجد فريد في حوار مع "أفريقيا برس"

أفريقيا برس – السودان. بعد عرض الجزء الأول من الحوار مع مستشار رئيس الوزراء الأسبق أمجد فريد يتابع ضيفنا حواره مع “أفريقيا برس” في الحديث عن واقع السودان اليوم والأزمات والتحديات التي تواجهه ورؤيته للحل والخروج من هذا المأزق.

حوار أحمد جبارة

الكثير من المبادرات كانت قد طرحت للخروج من الأزمة السياسية.. كيف تنظرون لهذه المبادرات؟ وإلى أي مدى ممكن أن تنجح في حل الأزمة السياسية؟ وأذكر هنا مبادرة الطيب الجد ومبادرة مجموعة التوافق ومبادرة حركة عقار.. كيف تنظرون إلى كل هذه المبادرات؟

قبل أن أجيب على سؤالك فقط أعلق على الأمثلة التي ذكرتها.. مبادرة الطيب الجد هي “حقت” المؤتمر الوطني، ما بقي ليها إلا أن يكتبوا عليها “تحت رعاية علي كرتي” فهذه ليست مبادرة باتجاه حل، وهي مبادرة من الإسلاميين لإيجاد موطىء قدم في الحياة السياسية، وأي شخص يتعامل معها يجب أن يفهم تماماً أنه يتعامل مع النظام القديم، يتعامل مع علي كرتي وغندور وكل الرموز للنظام القديم، هم الي يبحثون عن وأجهة جديدة واستغل الطيب الجد، الذي هو ذاته مؤتمر وطني، وهذه هي لافته ويافطته السياسية. ما مجموعه التوافق الوطني جزء من الانقلاب، وإن إراد أن يقدم مبادرة فليجلسوا مع بعض الانقلابيين ويتفقوا على أمور، ويأتون يقابلون الناس، لكن حكاية توزيع الأدوار أن هذا الرجل جيد وذلك غير جيد.. هم جالسون في معسكر واحد، هذا لا ينفع.. فالتوافق الوطني جزء من الانقلاب، وإن أرادوا مبادرة يجب ألا يعملوها مع الآخر. تعدد المبادرات هذا هو جزء من الأزمة، لأنه سمح للعسكر المسيطرين على مقاليد الأمور في السودان بالتلاعب بالعملية السياسية وإطالة أمد الانقلاب عبر التسوق بين المبادرات المختلفة هذه، وهذا لا ينطبق فقد على المبادرات الوطنية بل على المبادرات الأممية أيضاً، سواء كانت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيغاد، أو الآلية الرباعية بين أميركا والسعودية والإمارات وبريطانيا. كل تعدد المبادرات هذا سمح للعسكر أن يتقدموا خطوة ويتقوفوا.. يتقدموا خطوة ويتقوفوا.. هذا كله سبب ما يسمى “سوق المبادرات”، بدل من أن تكون هناك آلية واضحة لإنهاء الانقلاب، وللأسف وقعت الكثير من القوى السياسية في ذلك، أي مبادرة ليس بها توصيف واضح للأزمة ولما هي المشكلة سوف لن تستطيع أن تصل إلى الحل، نحن يجب أن نرجع إلى الأساسيات، ما هي المشكلة الآن في السودان، ما هو الخلل في كثر المبادرات.. الخلل أن انقلاباً قد حدث، عملته في 25 أكتوبر أطراف انقلابية أسقطت حكومة ذات شرعية توافقية، الأطراف الضالعين بالأزمة لا يستطيعون حل الأزمة، أي محاولة للتشويش على هذه الحقيقة سيسقطك مرة أخرى في أن تكون لديك الكثير من المبادرات وأن يأتي كل رجل بمبادرة، لأنك لست متفقاً أصلاً على أن المرض ماذا، أنت لو لم تحدد المرض ولم تصل إلى التشخيص لكي تستطيع أن تحدد مسبباته لا تستطيع أن تعالجه بأي شكل من الأشكال.

هناك اتهامات تطال قوى الحرية والتغيير بأن تجربتها كانت فاشلة في الحكم.. أنت كنت جزءاً من هذه الحكومة باعتبارك مستشاراً لرئيس الوزراء.. ألا تتفق أن تجربة قحت في الحكم كانت فاشلة؟

الفترة الانتقالية هذه شهدت إنجازات وشهدت إخفاقات، وينبغي تقييمها، وأعتقد أن هناك نجاحات حدثت كما حدثت إخفاقات كثيرة، وبالنهاية أنها انتهت بقيام الانقلاب عليها، لابد من تقييمها، وكل تجربة بشرية لا تخلو على الإطلاق من القصور والإخفاقات، ممكن أن نتكلم عن أن الإخفاقات كان لها جانب سياسي متعلق بالحرية والتغيير أو متعلق بجانب تنفيذي أو بكادر الخدمة المدنية أو كادر الجهاز التنفيذي.. وممكن أن نتكلم أن وضع السياسة العامة للشراكة كان عاملاً في الفشل، لأنه أنت كانت لديك مئة رأي يتحكم أو يتدخل في حكومة الفترة الانتقالية والقرارات السياسية في هذه الفترة، لذلك وكما قلت هذه تجربة يجب تقييمها والتعلم منها والاستفادة من الدروس فيها، وأن تنتهج الناس هذه الدروس المستفادة في الحركة إلى الأمام، من أجل عدم تكرارها، لكن أيضاً لا يمكن أن تغمض عينك، أنه كانت هناك الكثير من الإنجازات التي حصلت، والكثير من البرامج التي كانت مستمرة وأوقفها الانقلاب، لكن مهما كانت الإخفاقات ومهما كان الذي حصل هو لا يبرر الوضع الانقلابي، لا يبرر أن يقوم العسكري في 25 أكتوبر ويعمل انقلاب.. وكل المبررات التي ذكروها كانت مبررات غير حقيقية وغير واقعية، وأياديهم في صناعتها واضحة، مثلا عندما نناظر إلى دخل الميناء والمجلس الأعلى حقيقة لفترة طويلة جداً جداً كانت تتحرك من القصر، لكن أنه فعليا مشكلته لم تحل، لم يدخل الميناء ثانية، لأن قفلة الميناء تلك لم تكن بالأصالة عن نفسه بل بالنيابة عن الانقلابيين، وحينما تنظر إلى التوافق الوطني والاعتصام بشأن الموز الذي عملوه أمام القصر وقالوا لن نرجع الليلة حتى يطلع البيان.. كان من الواضح تماماً أنهم فقط بحاجة إلى تلك الحاجة وما كانوا بحاجة إلى حكومات..

ما دام هم محافظين على مواقعهم السياسية، إضطلعت بالمواقع السياسية وإخلاء السجون هي قوى الحرية والتغيير، فبالتالي هم كانوا يطالبون بهذا الإقصاء، يشعرون بأنهم مرتاحين، وهذا جيد، ونحن سائرون عليه، هم متكئون على مواقعهم الحكومية، المستقر في وزراة المالية هو مستقر، والمستقر في القصر هو مستقر. فالكلام يستخدمونه كمبرر تجاه قصور الفترة الانتقالية في أداء بعض واجباتها، والفترة الانتقالية هي أصلاً ما انتهت، ولكانت سائرة لحد الآن، وكان لديها فترة لكي تصلح، وكما قلت لك أي تجربة بشرية بها قصور، يجب أن نقعد ونقيم كل القصور الذي حصل ونرى الدروس المستفادة منه، لكن ذلك لا يبرر الانقلاب ولا يبرر استخدامه.

من خلال حديثك إن الأزمة تتمثل في وجود الانقلاب.. والحرية والتغيير في أكثر من مناسبة قالت إن الخروج من الأزمة يتطلب إسقاط الانقلاب .. السؤال كيف يتم إنهاء الانقلاب؟ و ماذا بعد سقوط الانقلاب؟

مبدئياً ، وأولاً أنا لا أتصور أن الأزمة هي الانقلاب فقط، الانقلاب يمكن أن يكون وحده من تمثلات الأزمة، أتصور أن الأزمة هي أن الطبقة السياسية السودانية التي ظلت مسيطرة على مقاليد الأمور من 1956 إلى اليوم بالتدريج بدأت تفقد شرعيتها وارتباطها بالواقع السوداني والقواعد السودانية، وهذا أدى أن كل طرف من أطرافها سواء كان من يتمثلوا في مثلث الجيش وتدخله غير الطبيعي وغير الصحي في السياسة من 1956 إلى اليوم، والأحزاب السياسية مجتمعة، ومن ثم القوى تحت السوق ومجتمع رجال الأعمال.. هؤلاء الثلاثة هم الذين تحكموا بشكل كبير في السياسة السودانية من 1956.. والتي قد تكون مشابهة لكثير من دول العالم، لكن في كل دول العالم الثلاثة يخضعوا لقيادة سياسية واحدة تكون منتخبة وآتية بشكل طبيعي ولديها ارتباط بالواقع والقواعد، في السودان فقدوا هذه الحكاية، لكن ثورة ديسمبر نجحت في فتح الباب لمشاركة الكثير من القواعد السياسية غير المنظمة داخل هذه المنظومات أو الاضلع الثلاثة، وسمحت لهم بالمشاركة السياسية المباشرة، الطبقة السياسية فشلت بعد 2019 في أن تنظم هذه القوى الجديدة داخل آليات صناعة القرار السياسي، وبالتالي لجأت إلى المعركة السياسية الفوقية فيما بينها لاحتكار أكبر قدر من السلطة الذاتية، الآتية من الإنتاج الذاتي لهم أكثر من الارتباط بتمثيل القواعد، لكن هذا موضوع ثاني أطول من أن نناقشه، الوضع الذي يمر به الانقلاب حالياً ليس وضعاً طبيعياً، وهو شأنه شأن المرض والورم، ينبغي قطعه، وينبغي الرجوع لفترة الانتقال، فالفترة الانتقالية لها مهام واضحة وفترة زمنية كافية لإنجاز هذه المهام، وينبغي في البداية تثبيت أن فترة الانتقال ليست فترة حكم بل هي فترة إصلاح، لديها مهام بالإصلاح، في جهاز الدولة وبالخدمة المدنية والمؤسسة العسكرية والاقتصاد والتعليم.. واللافت في الإصلاح هذا أنك يجب أن تسلم الديموقراطية حين تأتي إلى دولة مستقرة.. دولة ليست بها مشكلة حروب أهلية.. أنت مثلاً لديك الآن حركتين كبار جداً جداً من حركات الكفاح المسلح لا يجوزوا من القيام بكل شيء في العملية السياسية.. سواء عبدالواحد محمد نور.. أو عبدالعزيز الحلو.. فأنت إن أتيت بدولة ديموقراطية وسلمتها إلى بلد فيه حرب أهلية.. لا يستوي ذلك، حين تأتي بهذه الحكومة من الطبيعي أنها سوف تكون متنوعة وغير متناسقة و غير متجانسة على الأقل في الدورة أو الدورتين الأولى.. سوف تسلمها منظومات عسكرية مثل الدعم السريع والجيش كل واحدة فيها عشرات آلاف المقاتلين وهم غير متفقين بينهم.. أعتقد بأن هذا لا يستقيم ولا يستوي، سوف تسلمها نظام قانوني وتعليمي واقتصادي كلها غير فاعلة ولا تعمل بشكل صحيح أعتقد أن هذا أيضاً لا يستوي، خلال الفترة الانتقالية أنت لديك مهام في إصلاح ينبغي انك تتفق على أولوياتها، لأنك وحدك سوف لن تقدر أن تطبقه كله، يعني أن تتفق على أن لديك أولوية في إصلاح فلان وفلان، وهذا اتفاق سياسي، لكن ما هو أساسي في هذا الأمر، أنه لا بد من الاتفاق على أن جهاز الدولة هو جهاز واحد وليس هناك رجل وصي عليه.. وليس هناك جيش أو عسكر يجلس في الأعلى، وهذا فيه طريقين، إما الوصول إلى اتفاق سياسي حقيقي يضمن تحقيق المطالب هذه وفيه ضمانات كافية لإجبار جميع الأطراف على الالتزام بها، وأن لا يعملوا انقلاب ثاني، أو أن لا يعاكسوا الدولة وهم شاغلون فيها وغيرها وغيرها، وألا يكرروا نفس تجارب الماضي، وهذا يتطلب ضمانات محلية وإقليمية وقانونية وغيرها.. أو الاستمرار بحالة النضال الجماهيري الذي حصل، والذي هو أسقط البشير، هو البشير أما كان قائماً ومتحكماً واستمر 30 كل هذه لم تصحل أصلاً، لكنه لم يحل الموضوع في الآخر..

ولم ينجه ذلك من غضبة شعبه، غضبة الشعب الجسور النشط وأسقط البشير واستمر بالنضال من 1989 لكن بشكل مستمر ضد نظام الجبهة القومية الإسلامية، واستمر بالنضال المتصاعد من 2010 لحد ما أسقطته في 2016، من 2010 لم تتوقف المظاهرات ضد نظام البشير بشكل مرتب سنوي وشهري، فالشاهد في الأمر أن الوصول إلى حل سياسي قد يكون المخرج.. أو أن الشعب السوداني إن لم يعثر على حلول مرضية لرغباته وطموحاته وتحوله المدني الديموقراطي سيستمر بالنضال ضد السلطة السياسية، وليس هناك رجل لديه تحكم بالشعب، يعني لا الحرية والتغيير تستطيع أن توقفه ولا الحزب الشيوعي يقدر أن يوقفه.. الشعب السوداني إن لم يعثر فمثلما ابتدع لجان المقاومة لكي تعبر عن طموحاته سوف يبتدع أشكالاً أخرى.. كما ابتدع الحرية والتغيير وكما ابتدع الحزب الشيوعي ذاته، هذه المنظومات كلها مع السودانيين بمختلف مشاربهم لكي تعبر مطالبهم وما يريدون، فدون الوصول لذلك سيستمر الشعب السوداني في النضال من أجل تحقيق أهدافه وسيسقط الانقلاب، وذلك بكلفة أعلى، ومرة تكون كلفة الحل السياسي أقل، لكن الحل السياسي يتطلب رغبة وإرادة سياسية حقيقية في الوصول إلى حل، وذلك ما لا أراه متوفراً الآن من قبل المكون العسكري بالتحديد، وأرجع وأعيد تكرار ما قلت لك في الأول أن كل التصريحات للأطراف المختلفة داخل الانقلاب باتجاه العملية السياسية هي مجرد أدوات ضغط في معارك أخرى تدور بينهم، لأن بأسهم بينهم شديد، على أساس الضغط من أجل أهداف ثانية، أهداف عسكرية متعلقة باستقلالية المؤسسة، لتأتي بسلاح ولتجند وأمثال ذلك، لا علاقة له بموقفهم الموحد من الثورة ومن تطلعات الشعب والتحول المدني الديمقراطي، وأي سياسي مدني يسقط في الفخ بأنه يمكن استغلال الخلافات هذه لصالح الثورة تكون رؤيته قاصرة وغير واضحة وغير سليمة، لأن الوضع في السودان فيه تناقض أساسي وجذري ورئيسي مع كل المعسكر الانقلابي هذا كمعسكر واحد، تناقضاتهم الداخلية فيما بينهم لا تخدمك ولا تفيدك ولا هي متعلقة بك.

نعود إلى نقطة قد تكون ذكرت جزءا منها فيما يتعلق بزرع الفتنة بين الجيش والحركات المسلحة والدعم السريع في السلطة.. وشهدت الفترة الماضية بعض تصريحات من جهات هي أقرب إلى العسكر.. حديث أن ساعة صفر قادمة.. هنا توقع بعض المراقبين حدوث انقلاب بقيادة الإسلاميين.. برأيك هل يمكن أن يحدث هذا؟ سيما بعد بيان الحرية والتغيير الذي حذر من فتنة ووقيعة بين الشعب والجيش يقودها الاسلاميين؟

أنت تشير إلى تصريحات لـ”الحوري رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة؟”

نعم بالضبط

طبعا هذه ظاهرة تحتاج إلى تناول، أن صحيفة القوات المسلحة منذ انقلاب 25 أكتوبر وتسلط الحوري وأمثاله عليها باتت أشبه بصحيفة سياسية، فيها مواقف سياسية وتتناول الشؤون السياسية، وكذلك تهدد السودانيين بساعة صفر والحسم، لا أعرف لماذا الوضع الى سوء … الثورة قامت ضد المؤتمر الوطني، فمنذ البداية المؤتمر الوطني حاول الرجوع إلى السلطة، وانقلاب 25 أكتوبر جعلهم أقرب خطوة للرجوع إلى السلطة، أي تقدموا خطوة أكثر من السلطة، من الوارد جدا أن يقوم الإسلاميين بإجراء مؤامرة أخرى، وتحريك مراكز القوى التي هم مسيطرين عليها، سواء كان داخل الجيش أو داخل الدعم السريع لإجراء تحرك عسكري لعودتهم للسلطة بشكل كامل، وهي طبعاً حالة خطيرة جداً جداً.

ممكن أن يكون عبر انقلاب؟

ممكن أن يكون بانقلاب، في انقلاب 25 أكتوبر كما قلت لك أصابع الإسلاميين متواجدة جداً جداً، هم ليسوا بريئين منه، من التصميم له والإيحاء به والدفع تجاهه، والآن قد يكونون بحاجة إلى خطوة لكي يعملوا انقلابهم الكامل، خصوصاً أن انقلاب 25 أكتوبر عادوا من مواقع التأثير في السلطة المدنية وإدارة البلد والأجهزة العسكرية والأمنية وغيرها، وهم أصلا كان عندهم دولة عميقة موجودة، لم تنجح خلال السنين الثلاث من فترة الانتقال هذه في تفكيكها بشكل كامل.. ولا حتى بالبدء بتفكيكها، هناك محاولات حصلت ممكن تكون أثرت على أطرافها أو جمدتها إلى فترة ما، لكن من الواضح أنهم الآن أكثر سيطرة على مقاليد الأمور، وأكثر تأثيراً على جهاز الدولة والأجهزة العسكرية والأمنية، وممكن أن يقوموا بانقلاب خصوصاً في ظل التنازع بين أطراف الانقلاب الحاليين، سواء كان الدعم السريع أو الجيش أو الحركات المسلحة.. الواضح أن الخلافات بينهم على مدى استيلاء كل طرف من غنيمة انقلاب 25 أكتوبر متزادية، فبالتالي هذا يؤدي إلى حدوث انقلاب بقيادة الاسلامين يستقلون هذا الخلاف.

هل يمكن أن تتوحد قوى للثورة؟ وهل هي قادرة على إنهاء الانقلاب؟

القادر على إنهاء الانقلاب هو الشعب السوداني، لا قوى الثورة ولا منظومات سياسية، لكن هو الشعب السوداني القادر على إنهاء الانقلاب مثلما أنهى حكم البشير سابقاً، الشاهد أن جملة “توحيد قوى الثورة” هي جملة غير صحيحة، أنت لست بحاجة إلى أن تبقى هذه الأحزاب أو المنظومات السياسية واحدة، ولا هو ممكن أن تبقى واحدة، فهي

أحزاب شتى ومختلفة وعندها برامجها المختلفة، وأنا أتصور أن واحدة من مشاكل تحالف قوى الحرية والتغيير كان سعيه المستمر لأن تكون هناك وحدة كاملة حول كل الأمور، وأنهم يدافعوا عن البعض –حقيقة وفعلاً- بشكل القطيع.. أنت بحاجة إلى اتفاق موضوعي حول الخطوة والتكتيك والاستراتيجية لإنهاء الانقلاب، لكنك لن تستطيع أن توحد الأحزاب السياسية في الرؤى السياسية والاقتصادية وغيرها، فهي أحزاب مختلفة، أنت المفترض أن تتفق عليه هو أنك بحاجة إلى أي شيء لكي تنهي الانقلاب وتفعل أي شيء خلال الفترة الانتقالية، بعض القوى تحت الثورة تستحضر مفهوم توحيد قوى الثورة في سعي لتكبير جمهورها لكي تخلق لنفسها تحالف انتخابي شعبوي يفوز بالانتخابات، هذه ليست مشكلة ولكن إن لم تخطو الخطوة الأولى بأن تنهي الانقلاب وتعيد التحول الديمقراطي .. أنت محتاج إلى تنسيق بين كافة القوى الموجودة في معسكر التغيير الجذري والموجودة داخل الحرية والتغيير، والغير موجودة في كل هذه الأطراف.. ليبتعدوا عن التخوين وعن محاولة فرض الأغلبية الميكانيكية هذه، ويبتعدوا أيضاً عن كل الممارسات السيئة التي مارسها كل أطراف الطيف السياسي في السودان لتنفيذ ما هو متفق عليه، و ما هو متفق عليه الآن على الأقل واضح تجاه الانقلاب، واضح تماماً أنه عندك حكومة عسكرية تدير البلد وتبدد في موارده ومستشري فيها الفساد وتمارس سياسة خارجية غير عقلانية وغيرها، أنت هدفك تجاه ذلك واضح، الهدف هذا قد تتعدد نحوه الطرق والسبل والمشارب، ممكن أن يكون مئة طريق يوصلك إلى ذلك، ولكن أنت يجب أن تتفق على الأساسيات، أما فكرة التوحيد العضوي هذه والتي قلت يتم السعي إليها من أجل هدف.. ممكن أنت لا تصل لها ابداً، فلا أتصور أن هذا هو منهج صحيح ولا ينتهي بنا إلى نتيجة.

أنت ذكرت أن بعض القوى داخل قوى الثورة تسعى لتكبير “كومها”.. ممكن أن تسمي لنا هذه القوى السياسية؟

لن أسميها لكن طبعا انت تعلمها.. أنا أقول لك إن المنهج بتنبني الخطاب الشعبوي أو تعدد الوجوه بحسب المتلقي.. أن كل رجل ينفع معه الكلام، على أساس أنك بحاجة إلى أكبر قدر من المتابعين، هذا المنهج لا يساعد ولا يساهم في حل الأزمة السودانية حالياً، أي أن لدينا مشكلة بخصوص الانقلاب في البلد، أغلب هذه القوى السياسية هي مجتمعة على موقفها السياسي من الانقلاب، المطلوب منها أن تتفق على تكتيكات إنهاء الانقلاب وما تريده بعده، نحن بحاجة إلى فترة انتقالية شكلها هكذا وتستعمل هكذا، أي شخص في السودان الآن بما فيهم الحرية والتغيير أو معسكر اسستعادة التحول الديموقراطي والتغيير الجذري وكل هؤلاء بحاجة إلى إمّا أن يمتلك الحل ويكون صاحب الحل وصاحب اليد العليا في فرض الحل.

المشروع الدستوري الذي أعدته اللجنة التيسيرية لنقابة المحامين قد يكون عندك رأي حوله.. وهناك اتهام يطال قوى الحرية والتغيير بأن اللجنة التيسيرية هي ذاتها واجهة لهم، يستخدموها واجهة ليعودوا للشراكة أو للحكم من جديد.. هل تتفق مع هذا الحديث؟

المشروع الدستوري شأنه شأن أي مشروع.. الوثيقة الدستورية التي أعدتها اللجنة التيسيرية للجنة المحامين هو جهد بشري شأنه شأن أي جهد فيه أمور جيدة وفيه أمور غير جيدة، أنا أتصور فيه أمور كثيرة جداً جداً فيها نواقص ومشاكل.. وفيه أيضاً جوانب جيدة، فيها مقترحات وطنية جيدة، وكما قلت هو مشروع خاضع للنقاش.. ولكن السؤال: هل هو سيعالج المشكلة الحالية؟ ويخاطب جذور المشكلة الحالية في الانقلاب؟ أنا لا أعتقد ذلك، كما لا أعتقد أنه يقدم حلول للأزمة السياسية الحالية المتعلقة بالانقلاب، لأن مشكلتنا في الانقلاب ليست أنه كانت هناك وثيقة دس، إنما كانت وثيقة دستورية ولكن لم ينفذها أحد أصلاً، وأن حكم الفترة الانتقالية ظل خاضعاً لتوازنات القوى والتحالفات غير المبدئية التي تمت بين العسكر وبعض الجهات السياسية في فترات مختلفة ومتقلبة، على طموح العسكر وعلى الميول الانقلابية داخلهم، لكن الشاهد الآن أن ما نحتاجه هو اتفاق سياسي حول مبادىء إدارة الفترة الانتقالية والأهداف التي نبغيها منها، وكيفية اختيارها وتنفيذها، وكيفية تحقيقها، لا نحتاج إلى وثيقة دستورية بما أنه كان لدينا وثيقة دستورية منذ 2019 عملنا بها حتى قام الانقلاب، السؤال الأساسي هو كيفية إرجاع المؤسسة العسكرية من أنها قاعدة وصية على الدولة لأنها داخل جهاز الدولة وتنفذ السياسات المتفق عليها من القيادة السياسية للبلد.. هذا السؤال الأساسي وإذا لم تتم الإجابة عليه يصبح أي جهد نعمله هو مجرد ترف فكري ما يحاول أن يتفادى ويحاول أن يقفز على أولويات الأسئلة السياسية الموجودة في السودان، لذلك أتصور أن العملية السياسية يجب ألا تبدأ من خط النهاية.. لا تبدأ من نهاية خط الإنتاج، الوثيقة الدستورية هي نهاية خط إنتاج.. هو جهد جيد، وهو مد نظرنا.. كما ننظر إلى المشاريع الأخرى من مثلا لجان المقاومة.. والورقة للحركة الشعبية.. الحلو..

كل هذه ستكون مد نظرنا لكن لما نصل إلى هذه المرحلة، لكن نحن بالتأكيد الآن لسنا في مرحلة الحديث عن وثيقة دستورية. بالنسبة للجنة التيسيرية.. فيها أسماء كثيرة جداً جداً معروفة هم محامين وطنيين، ولا أعتقد أنهم واجهة لجهة ضد جهة أخرى، لكن الشاهد أنهم كلهم جالسين في معسكر مقاومة الانقلاب، فاللجنة التيسيرية لاتحاد المحامين هي جهة وطنية، جهة تقنية وطنية، وبالتالي أتصور أن اتهامهم بأنهم واجهة للحرية والتغيير قد يكون مبرره منطقي لكن هو غير صحيح، إذ أنهم واقفين ضد الانقلاب.

في ما يتعلق باتفاقية سلام جوبا .. الاتفاقية لم تحقق الأهداف الأساسية.. كما تعلم أن هناك حرب تدور بين الفينة والأخرى في النيل الأزرق و في دارفور .. سؤالي هناك مطالبات بإلغاء الاتفاقية… ألا تتفق مع هذه المطالبات؟

إتفاقية سلام جوبا هزمت ما هو مرجو منها، بدل من أن يتم استخدامها لتحقيق السلام، تم استخدامها لكي توفر وجود سياسي لبعض القيادات، وانخرطت في دعم الانقلاب وأن تصبح جزءاً منه، هذه القيادات اختارت الطريق السهل للحضور السياسي، بدلاً من أن تبدأ تعمل مع قواعدها في دارفور، وتسعى لخلق وجود سياسي بين قواعدها.. إستسهلت أن تتحالف مع العسكر وتستولي على السلطة للحفاظ على وجودها السياسي، لا يمكن تحقيق سلام في السودان بمعزل عن نظام ديموقراطي، الحالة هذه التي حصلت في السودان بالنسبة للتمييز والتهميش وعدم العدالة تجاه مواطني الأطراف في السودان، وتجاه الأقاليم المختلفة في السودان، نظام التنمية وغيرها يجب تمثيلهم في النظام السياسي بهذه الدولة، هذا إنما تحله بالديموقراطية، هذا هو الجزء الأساسي لانعدام الديموقراطية والمساواة بين السودانيين الذي أدى إلى الحرب، تحقيق السلام يتطلب هذا، لا يتطلب فقط أن تكون داخل السلطة، وكما قلت أنت الاتفاقية أنتجت طبقة نخبة سياسية جديدة من حركات الكفاح المسلح هي داخل السلطة السياسية دون انعكاسات حقيقية على أرض الواقع للمتضررين من الحرب، وهذا ما رأيناه أن في الاتفاقية مسارات كانت غير قابلة للتطبيق، مسار الشريك ومسار الوسط ومسار الشمال.. هي أمور كانت هزلية جداً جداً، وكان الغرض منها مكافئات سياسية ورشاوي سياسية للتنظيمات التي كانت متحالفة مع حركات الكفاح المسلح الرئيسية.. الكلام يجب ألا يكون عن إلغائها.. بل يجب أن نتكلم عن ما هو صالح للتطبيق منها وما ينبغي حقيقة مراجعته، و في هذه المراجعة ما ينبغي تغيير العقلية في تنفيذه، هذه الاتفاقية لم تأتي لتقول فلان وزير للمالية وفلان حاكم لدارفور.. هي أتت لكي تكون جزءاً من حل كلي بالتحول الديموقراطي في السودان، لا يمكن لهذه الاتفاقية أن تنفذ بمعزل عن تنفيذ الحل الكلي، كما لا يمكن أيضاً أن تصل لديموقراطيية في ظل وجود حرب أهلية، لذلك قلت لك الإثنين يتكاملوا مع البعض، أنك تصل لديموقراطية وتصل إلى سلام وأن تخاطب المشاكل التي لا تزال موجودة مع الحركات المسلحة التي لم تنظم لركب السلام حتى الآن.

الرئيس الأميركي بايدن ذكر من خلال كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة أن من المفترض أن يكون هناك مقعد دائم لإفريقيا.. ما مدى إمكانية الاستجابة لحديث بايدن؟

الحديث عن إصلاح نظام الأمم المتحدة حديث استمر لفترة طويلة جداً.. بايدن ليس أول من تحدث عنه، لكن الولايات المتحدة ألقت الآن بثقلها في إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن وإيجاد مقعد دائم للأمم المتحدة هذا تقدم كبير جداً جداً، الشاهد أن كل المنظومة الدولية سواء الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي تحول الآن لأشبه بنادي للطغاة والدكتاتوريات، هذا حديث ينبغي أن يدور بين دول حرة بها ديموقراطيات تمثل شعبها وفيها إرادة حقيقية للشعوب للتعاون الدولي من أجل تحقيق رفاه للجنس الإنساني، لكن في ظل الوضع الحالي أنه في ظل سيادة الدكتاتويات ومخاطر اندلاع حرب عالمية ثالثة بالمعسكر الروسي الصيني المتنامي.. أتصور أن الحديث عن التعاون الدولي والأممي ممكن أن يكون أشبه بالحرث في البحر، ممكن يكون بايدن ذاته عمد إلى هذا الكلام كرشوة للدول الإفريقية للانحياز لمعسكرهم أكثر ومحاربة النفوذ الروسي المتنامي في إفريقيا، لا يمكن إنتاج نظام عالمي يسعى للسلام العالمي ولحفظ السلم والأمن الدوليين بدون وجود ديموقراطيات تمثل شعوبها في دول العالم كلها، والأمم المتحدة ترجع لمبادئها الأساسية لذلك المشروع في تحقيق السلام العادل والتخلص من النزاعات الدولية بشكل حقيقي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here