مستقبل القوى السياسية والحركات المسلحة في السودان بعد الحرب

22
مستقبل القوى السياسية والحركات المسلحة في السودان بعد الحرب
مستقبل القوى السياسية والحركات المسلحة في السودان بعد الحرب

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. مع اقتراب نهاية الحرب في السودان، عقب الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة، تسعى “أفريقيا برس” إلى استكشاف مستقبل القوى السياسية والحركات المسلحة. وفي هذا السياق، أجرت حوارًا مع الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي عبد الحميد محمد.

الحرب السودانية في خواتيمها، والجيش السوداني أوشك على حسم المعركة.. فما الذي سيحدث بعد نهايتها؟ هل سيكون هناك توافق وطني شامل؟

أدت الحرب الكارثية إلى تطورات عديدة، ومع ذلك، لم تقم الأطراف السياسية والمدنية بمراجعة مواقفها بشكل صحيح أو إعادة تموضعها وفق متطلبات المرحلة، مما يعوق قدرتها على مواجهة المخاطر والتحديات القادمة. ومن الضروري التعامل مع تداعيات الأزمة بجدية، بهدف الخروج منها والانطلاق نحو عملية سياسية جديدة تستوعب المستجدات.

إن الأزمة الحالية تتطلب من جميع الأطراف، مدنيين وعسكريين، مراجعة مواقفهم والاعتراف بالأخطاء السابقة، باعتبار ذلك مدخلًا للتصحيح، ومن ثم العمل على بناء مشروع وطني جديد يشمل جميع الفاعلين السياسيين. كما يجب أن يقوم هذا المشروع على أسس واضحة، مع هيكلة جديدة، وقيادة مسؤولة متفق عليها، لتأسيس جبهة وطنية سودانية موحدة وفق برامج متفق عليها.

أما اللقاءات المتنقلة بين عواصم الدول، التي تُنظَّم بدعوات خارجية، بهدف جمع مجموعات ذات مبادئ وأهداف متقاطعة، فهي لا تمثل حوارًا سودانيًا حقيقيًا، خاصة أنها تُعقد بمشاركة دول تتضارب مصالحها وأجنداتها في السودان. لذلك، لا أرى أن هناك فرصة حقيقية لنجاح هذه المبادرات أو تحقيق التوافق المطلوب، خصوصًا من خلال الاجتماع الرابع للقوى المذكورة في جنيف.

برأيك، ما الرؤية المثلى لتوافق القوى السياسية بعد نهاية الحرب؟

لا شك أن إيقاف الحرب يمثل المدخل الأساسي للخروج من الأزمة، يليه تحديد كيفية حكم السودان. وتبدأ هذه العملية من تجاوز جميع الأطراف لمحاولات الإقصاء والاستقواء بالأجنبي، وصولًا إلى تصالح داخلي يضع مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية والشخصية، والتوافق على جبهة وطنية سودانية واسعة تعمل على إيقاف نزيف الحرب واستعادة الديمقراطية.

يتطلب الوضع أيضًا التأكيد على أن الأحزاب السياسية هي الركيزة الأساسية لبناء الديمقراطية والحكم المدني الراشد، مع ضرورة قيام النقابات ومؤسسات المجتمع المدني بدورها في الرقابة، والتوعية، والتدريب، وتطوير الخدمات الإنسانية، لدعم عملية البناء الديمقراطي وضمان استدامته.

كذلك، يجب على الجميع تقديم التنازلات المطلوبة لتحقيق التوافق الوطني، والاعتراف بأن جميع الاتفاقيات والتحالفات السابقة للحرب لم تعد صالحة من حيث مواضيعها وأطرافها. لذا، من الضروري الاتفاق على مشروع سياسي جديد يستوعب المستجدات ويعالج القضايا بشكل علمي ومنهجي.

من المهم أيضًا أن تعكس مكونات الجبهة الوطنية الجديدة التمثيل الحقيقي لأصحاب المصلحة الوطنية، الذين لا تحكمهم الرغبات أو المصالح الشخصية، وأن تتوافق هذه المكونات، إن لم يكن جميعها، على برنامج سياسي واضح، وأشخاص مؤهلين وذوي خبرة سياسية، لقيادة التحالف وتجاوز سلبيات المراحل السابقة. ويكون ذلك من خلال حوار وطني شامل حول مائدة مستديرة، للتوافق على أسس وقف الحرب ومتطلبات وكيفية حكم السودان في المرحلة المقبلة.

بعد نهاية الحرب، ما هو مستقبل القوى السياسية التي ناصرت قوات الدعم السريع؟

رفعت بعض القوى السياسية شعار “لا للحرب” وأعلنت موقفها بالوقوف على مسافة واحدة من الطرفين، لكنها لم تترجم أقوالها إلى أفعال. وقد ظهرت مؤشرات واضحة على تنسيق وتعاون بين المجلس المركزي للحرية والتغيير وقيادة الدعم السريع قبل اندلاع الحرب وبعدها. وازداد الأمر وضوحًا مع تطور العلاقة بين الدعم السريع وتحالف تقدم، حيث تُوجت العلاقة بتوقيع اتفاق سياسي في أديس أبابا.

ورغم محاولات “تقدم” تبرير هذا الاتفاق بأنه جاء نتيجة لاستجابة الدعم السريع لدعوتها، وعدم رد القوات المسلحة، إلا أنه من الواضح أنه لا يمكن الجمع بين طرفين متحاربين بهذه الطريقة. كان من المفترض أن تعتمد “تقدم” منهجية التفاوض المتبعة في مثل هذه الحالات، والتي تبدأ بجمع الطرفين حول طاولة التفاوض المباشرة، أو على الأقل من خلال لقاءات غير مباشرة في غرفتين منفصلتين، ثم تتطور إلى مفاوضات مباشرة. تحقيق هذا الأمر كان يتطلب الصبر والاستمرار في التواصل لإقناع الطرفين بالجلوس للتفاوض، وهو ما لم يحدث.

ومن أبرز المؤشرات على انحياز “تقدم” للدعم السريع، أنها أدانت انتهاكات القوات المسلحة بوضوح، لكنها تجاهلت العديد من انتهاكات الدعم السريع. وعندما تصاعدت هذه الانتهاكات بشكل غير مسبوق، بدأت في إصدار بيانات خجولة، غالبًا مع ربط الإدانة بين الطرفين بشكل غير متوازن.

هذه القوى لن يكون لها مستقبل سياسي، إلا إذا قدمت نقدًا ذاتيًا، وراجعت تجربتها، واعتذرت للشعب السوداني، الذي اكتوى بنيران المليشيات.

مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، دعا إلى نزع السلاح من قوات درع السودان، لكنه تعرض لانتقادات واسعة باعتباره يمثل حركة مسلحة تمتلك السلاح. كيف ترى مستقبل الحركات المسلحة بعد وقف الحرب؟

إن وجود الحركات المسلحة يشكل مخاطر إضافية، قد تؤثر على الجيش قبل أي جهة أخرى، خاصة أن هذه الحركات بدأت تتشكل على أسس جهوية وقبلية وإثنية، وهو أمر يجب رفضه ومحاربته، وليس تشجيعه أو دعمه بالسلاح.

استمرار هذه الظاهرة سيفاقم الأزمة الحالية، وربما يمتد تأثيرها حتى بعد انتهاء الحرب، مما يجعل جمع السلاح والسيطرة على هذه المجموعات أحد أكبر العقبات التي تهدد استقرار الدولة وأمن المواطنين، الذين عانوا كثيرًا من ويلات هذه الحركات.

تقدم انشقت، وبعض أعضائها تخلوا عن دعم قوات الدعم السريع.. هل يمكن أن نشهد تحالفًا سياسيًا بين الإسلاميين وتقدم بعد نهاية الحرب؟

هذا السؤال يجب توجيهه إلى قادة “تقدم”، لكن من وجهة نظري الشخصية، فإن “تقدم” ومناصريها اعتادوا على وصف الجيش بأنه مليشيا تابعة للمؤتمر الوطني أو أنه تحت سيطرة الإسلاميين. هذا الخطاب يصب في مصلحة المؤتمر الوطني بشكل كبير، حيث يمنحه فرصة لاستعادة الشرعية التي يسعى إليها بشتى السبل، خاصة في حال التفاوض مع الجيش وتحقيق تقدم سياسي.

والصحيح أن الجيش مؤسسة وطنية، بل هو الركيزة الأساسية للدولة السودانية، ويجب دعمه في هذه الحرب وفق رؤية واضحة تحدد دوره في حماية الوطن والدفاع عن حدوده، مع التأكيد على عدم تدخله في الحكم أو ممارسة السلطة بأي شكل من الأشكال.

المطلوب هو جلوس جميع الأطراف حول مائدة مستديرة للوصول إلى حل شامل للأزمة، يتطلب تقديم تنازلات متبادلة، وتطبيق العدالة الانتقالية، وإجراء المصالحات والتسويات اللازمة.

أما بالنسبة للمؤتمر الوطني، فإذا أراد أن يكون جزءًا من العملية السياسية في المستقبل، فعليه تقديم تنازلات كبيرة، من بينها عدم المشاركة في الفترة الانتقالية، وربما لفترة تمتد لمدة أطول يتم الاتفاق عليها. كما يجب أن يقبل المحاسبة على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها، شأنه شأن أي قوى سياسية أخرى خاضعة للمساءلة.

فقد أدت ثلاثة عقود من حكم المؤتمر الوطني إلى مظالم كبيرة، وأسهمت في اندلاع هذه الحرب المدمرة التي دفع الشعب السوداني ثمنها الباهظ، نتيجة تضارب تطلعات الأطراف المتنازعة على السلطة. كما أن نظام المؤتمر الوطني البائد تسبب في تعقيدات سياسية واقتصادية، أدت في النهاية إلى رفض الشعب لاستمراره عبر ثورة شعبية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here