مفقودو حرب السودان… اختفاء آلاف اعتقلتهم “الدعم السريع”

7
مفقودو حرب السودان... اختفاء آلاف اعتقلتهم
مفقودو حرب السودان... اختفاء آلاف اعتقلتهم "الدعم السريع"

أفريقيا برس – السودان. فور إعلان تحرير العاصمة السودانية الخرطوم من قبضة قوات الدعم السريع في 21 مارس/آذار الماضي، حزمت عائشة عيسى أمتعتها، وغادرت مصر نحو بلدها، لمعرفة مصير ابنها عبد الرؤوف جابر (28 سنة) المعتقل لدى “الدعم السريع” منذ ثمانية عشر شهراً.

بعد عودتها، ذهبت إلى سجن سوبا، أشهر السجون التي كانت تستخدمها “الدعم السريع” في ولاية الخرطوم، ثم إلى سجن معسكر طيبة الحربي، وسجن جبل أولياء، وقضت ستة أيام تبحث في المقارّ التي كانت تستخدم مراكزَ احتجاز للمدنيين منذ اندلاع الحرب في منتصف إبريل/نيسان 2023. في اليوم السابع تضاءل أملها بإيجاد ابنها حياً إلى الرغبة في سماع أي خبر عنه ممّن كانوا معه في سجون “الدعم السريع”.

تقول عيسى لـ”العربي الجديد”: “بدأت رحلة التقصي عبر التواصل مع أيّ معتقل سابق خلال فترة الحرب، وأجريت مئات الاتصالات بأشخاص كانوا في السجون، وأُفرج عنهم قبل تحرير الخرطوم، أو تركوا في السجون في حالة يُرثى لها. كنت أحمل سؤالاً واحداً أريد الإجابة عليه، وهو إن كان أحدٌ منهم شاهد ابني؟ لم يكن هناك من شاهده، وبعضهم قال لي إن أعداد المعتقلين كانت بالآلاف، وكانوا يقسّمون على العديد من مراكز الاحتجاز، وبعضها كانت في السابق منازل أو مخازن أو أقسام شرطة، وإن الدعم السريع كانت تعتقل مئات الأشخاص، وبعضهم كانوا يموتون خلال فترة الاعتقال الأولى”، تضيف عائشة: “اعتقل ابني من منزلنا بحي الجريف غرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وكانت التهمة العمل لصالح مخابرات الجيش السوداني، بينما كان في الحقيقة يعمل ميكانيكياً بورشة لصيانة السيارات في أم درمان، ولا علاقة له بالعسكرية مطلقاً، وظل في الخرطوم كي يحرس منزل الأسرة بعد مغادرتنا إلى مصر”.

بدورها، تبحث سهير صلاح عثمان عن شقيقها محمد (35 سنة) منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، الذي اعتقلته قوات الدعم السريع من منزل العائلة في شرق النيل، تقول لـ”العربي الجديد”: “كنّا نرفض المغادرة، ونفضل البقاء في منزلنا، حتى بدأت القذائف تسقط على منازل الحي، حينها قرّرنا المغادرة عبر طرق التهريب إلى مصر، وظل شقيقي ووالدي في المنزل. كان شقيقي ينشط في مساعدة الأسر التي لم تتمكن من المغادرة، يجلب مياه الشرب، ويبحث عن المواد الغذائية ليوزعها على المحتاجين وكبار السن”.

تضيف: “في نوفمبر 2024، تدهورت حالة والدي الصحية، فقام شقيقي بإرساله إلى مصر، وأصر على البقاء، إلى أن جرى اعتقاله من “الدعم السريع”، آخر الأخبار التي حصلنا عليها كانت من أحد الجيران، الذي كان معتقلاً، وأُطلاق سراحه، وقال إن شقيقي كان معهم في مركز احتجاز بحي الرياض في الخرطوم، وجرى نقله إلى مركز احتجاز آخر بمعسكر الاحتياطي المركزي، ولاحقاً جرى نقله إلى سجن جبل أولياء جنوبي الخرطوم. الأخبار التي حصلنا عليها تؤكد أنه لا يزال على قيد الحياة، لكننا لا نعرف إلى أين جرى نقله بعد تحرير الخرطوم”.

وأصبحت صفحة “مفقود” على موقع “فيسبوك” منبراً واسع الانتشار يضمّ صور وأسماء آلاف الأشخاص الذين تعرّضوا للاختفاء القسري والاعتقال.

وتقول المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات، وهي منصة قانونية تطوعية، إنّها وثقت فقدان 50 ألف شخص منذ اندلاع الحرب، ورجحت أن يكون العدد أكبر من الرقم المذكور نتيجة انقطاع الاتصالات، وصعوبة الوصول إلى عدد من الولايات التي تشهد نزاعاً مسلحاً أو تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ما يحول دون رصد جميع حالات الاختفاء القسري.

لجأ الصحافي السوداني عبد الباقي جبارة إلى وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن شقيق زوجته أحمد عثمان محمد علي (31 سنة)، الذي اعتقلته الدعم السريع مع شقيقه الأكبر من منزلهما بمنطقة أمبدة، الواقعة غرب أم درمان، في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

يقول جبارة لـ”العربي الجديد”: “ليس أحمد عسكرياً، ولا علاقة له بالعمل العسكري، فهو لاعب كرة قدم في فريق محلي وناشط اجتماعي، وكان يقيم في منزل شقيقه بعد نزوح والدتهما وشقيقتهما إلى الولاية الشمالية، وقبل اعتقاله جرى اعتقال شقيقه الأكبر محمد، وعُثر على جثته في اليوم التالي في حي مجاور لمكان سكنه، لكن أحمد لم يُعثَر عليه بعد. أثناء سيطرة الدعم السريع على أم درمان، وصلتني أخبار متضاربة تفيد بوجوده في مراكز احتجاز مختلفة، وبعد تحرير المنطقة لم يظهر أيضاً. بحثنا في كل الأماكن التي كانت تستخدم مراكزَ احتجاز، وقابلنا عشرات ممن أطلق سراحهم، لكنّ أحداً لم يشاهده”.

وقال مركز ضحايا الاختفاء القسري في السودان، وهو تجمع مدني يمتلك صفحة على موقع “فيسبوك”، إنه استلم خلال الفترة من 26 مارس/آذار إلى 6 إبريل/نيسان 2025، نحو 1350 بلاغاً عن أشخاص مختفين يتوقع ذووهم العثور عليهم بعد تحرير مدينة الخرطوم.

من بين هؤلاء، أسرة السوداني مصطفى شيخ الدين، وهو فني طيران كان يعمل قبل اندلاع الحرب في شركة طيران مدنية، وتبحث أسرته عنه منذ أكثر من عام، وعلمت باعتقاله في محطة مواصلات عامة في الخرطوم، ونقل بعدها إلى مركز احتجاز في منطقة نوباتيا.

يعاني مصطفى من أمراض مزمنة من بينها ارتفاع ضغط الدم، وقبل اعتقاله كان يسكن في الشقيلاب، وقرّر السفر إلى مدينة شندي، لكن قوات الدعم السريع اعتقلته فور وصوله إلى محطة المركبات العامة في إبريل 2024، وبحسب المعلومات التي حصلت عليها أسرته، تنقّل بين مركز احتجاز نوباتيا، ومركز احتجاز في حي الرياض، وسجن سوبا الذي كان يضم آلاف المدنيين والعسكريين.

تقول الأسرة لـ”العربي الجديد” إنه أرسل إليهم تسجيلاً صوتياً أخبرهم فيه أنه بخير، من دون أن يذكر مكان احتجازه، وكانت تلك آخر معلومة تصلهم، وبعد ذلك صارت تردهم أخبار من مصادر متعددة، آخرها كانت من معتقل سابق أكد أنه التقى به، وأخبرهم أنه لم يحصل على العلاج منذ فترة طويلة.

اعتقل السوداني معاذ عثمان إبراهيم من منزله في أمبدة في سبتمبر/أيلول 2023، ولا تزال أسرته تبحث عنه، ويقول صديقه حيدر كامل لـ”العربي الجديد”، إن الأخبار التي وصلتهم تفيد بأنه معتقل في سجن سوبا جنوبي الخرطوم، ويضيف: “توقعنا أن نعثر عليه بعد تحرير الخرطوم، وكنّا من أوائل الأشخاص الذين هرعوا إلى السجون التي كانت مليئة بالمدنيين، لكن للأسف لم نعثر له على أي أثر”.

ويقول عثمان البصري، عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري التي تضم حقوقيون وأطباء وناشطون مدنيون، إنهم يولون اهتماماً كبيرا للمختفين قسراً منذ بداية الحرب، ويوضح لـ”العربي الجديد”: “قابلنا الكثير من المدنيين الذين أُطلق سراحهم من سجون الدعم السريع في الخرطوم، وفي ولايات أخرى، وجميعهم أكدوا أن آلاف من المعتقلين لقوا حتفهم، إما تحت التعذيب، أو بالكوليرا التي انتشرت داخل مراكز الاعتقال. رصدنا عمليات تصفية لأعداد كبيرة من المعتقلين، ودفنهم داخل منازل جرى تحويلها إلى مراكز اعتقال أثناء سيطرة الدعم السريع على الخرطوم، وبعض المعتقلين رُحّلوا إلى إقليم دارفور (غرب)”.

يتابع البصري: “طالبنا عبر بيانات ومنشورات قوات الجيش بعد سيطرتها على الخرطوم بأن توقف دفن الجثامين، وأن يجري نبش المدافن التي تركتها الدعم السريع خلفها، وذلك وفق الإجراءات القانونية المتبعة في مثل تلك الحالات، حتى يمكن للعائلات التعرف على ذويهم من الضحايا، والكثير منهم مفقودون يبحث عنهم ذويهم”.

وفي التاسع من إبريل الماضي، قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالسودان رضوان نويصر، إن الإحصائيات الدقيقة حول أعداد المفقودين لا تزال غير متوفرة، مشيراً إلى تباين الأرقام بين المصادر المختلفة التي ترصد اختفاء الضحايا منذ بداية الحرب.

وعثرت السلطات الأمنية السودانية بعد تحرير مدينة الخرطوم على مئات الأشخاص داخل مراكز احتجاز أقيمت في وسط الأحياء وبين المباني السكنية، وفي مقار المؤسّسات الحكومية التي كانت قوات الدعم السريع تسيطر عليها، وكان غالبيتهم مرضى، فيما تنوعت أمراضهم، وعانى كثيرون من سوء التغذية، وتوفي بعض المعتقلين بعد نقلهم إلى المستشفيات بولاية النيل الأبيض ومدينة أم درمان الواقعة على الضفة الغربية للنيل، ولا يزال البعض منهم يخضع للعلاج.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here