نواقص حياتية وأمنية تؤخر عودة السودانيين إلى ود مدني

46
نواقص حياتية وأمنية تؤخر عودة السودانيين إلى ود مدني
نواقص حياتية وأمنية تؤخر عودة السودانيين إلى ود مدني

أفريقيا برس – السودان. تفكر آلاف الأسر السودانية في العودة إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، والتي تعتبر من بين أكبر مدن البلاد، وعاش فيها أكثر من 600 ألف شخص قبل الحرب، ثم قدِم إليها نحو 500 ألف نازح من الخرطوم، وانتقلت إليها الخدمات الصحية والصناعات والنشاطات التجارية، قبل أن تسوء الأوضاع بعدما انتقل القتال إلى ولاية الجزيرة في ديسمبر/ كانون الأول 2023، حين سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة وحوّلتها إلى مدينة أشباح.

في 11 يناير/ كانون الثاني الجاري، استعاد الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه السيطرة على ود مدني، ما أحيا آمال مئات آلاف النازحين واللاجئين في العودة. غادر محمد عبد الرحيم، إلى مصر المجاورة، وأسعدته استعادة الجيش مدينة ود مدني، ويقول لـ”العربي الجديد”: “أفكر في العودة إلى بلدي، لكني أنتظر أن تتهيأ الظروف لتنفيذ هذه الخطوة من أجل إنهاء حالة التشرّد المستمرة منذ أكثر من عام. يجب أن تكتمل الكثير من النواقص في الولاية قبل العودة، ومنها توفير الحدّ الأدنى من الأمان، فبعض المناطق لا تزال مزروعة بألغام، كما تنتشر كميات كبيرة من مخلفات الحرب في الطرقات، وتشمل النواقص القطاع الصحي إذ لا مستشفيات أو مراكز صحية عاملة. وتنتشر الجثث المتحللة على قارعة الطرقات، إلى جانب عدم توفر الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والمواصلات”.

يتابع: “لا تزال الأسواق مغلقة، ولا تتوفر السلع، ونحن لدينا أطفال ومرضى وكبار في السن يحتاجون إلى غذاء وعلاج مستمر. نطالب الحكومة بحل هذه المعضلات، وتوفير النواقص في أسرع وقت كي يستطيع الجميع العودة”.

ينتمي كامل عمر سالم، إلى قرية الزناندة قرب مدينة ود مدني، حيث نهبت قوات الدعم السريع أملاك المواطنين وأحرقت الأخضر واليابس. يقول لـ”العربي الجديد”: “دفعتني ظروف القرية إلى النزوح إلى إقليم النيل الأزرق (جنوب شرق)، حيث واجهنا ظروفاً قاسية، ولم تقدم أي جهة حكومية أو خيرية المساعدات الضرورية. وأخيراً فرحنا بسيطرة الجيش على ود مدني والمناطق المحيطة بها، ومن بينها قريتنا. قررنا مع آلاف العودة، لكننا لا نملك ثمن تذاكر العودة، فأنشأنا لجنة تسهيل العودة الطوعية لنازحي الجزيرة من إقليم النيل الأزرق، واجتمع أعضاؤها مع ممثلي الهيئة المسؤولة عن العودة الطوعية للإقليم، ووعدوهم بتسهيل العودة، وطلبوا تسجيل أسماء من يرغبون بفعل ذلك”.

ويوضح سالم أن “المطلوب تأمين وسائل لنقل الأسر إلى ولاية الجزيرة، وتنسيق الجهود مع المانحين ومفوضية اللاجئين للعودة الطوعية، وقد تبرعت بعض شركات النقل بحافلات، والأهم حالياً تحسين بيئة الحياة في مناطق العودة، إذ نحتاج إلى مساعدات إنسانية عاجلة لأن قوات الدعم السريع نهبت المحاصيل الزراعية، وأغرقت القرية، ولا نعرف هل لا تزال منازلنا صامدة أم لا، ويجب أن توفر الحكومة آليات لتجفيف المياه وتحسين مياه الشرب”.

من جهته، يؤكد أحمد الطيب، أن هدفه الأول هو العودة إلى ود مدني، واستعادة الذكريات الجميلة. ويقول لـ”العربي الجديد”: “سنعود حتماً، لكن ليس حالياً، فمناطق ولاية الجزيرة تحتاج إلى تأمين، تحديداً الباقير وسوبا، كما أن مليشيا الدعم السريع لا تزال موجودة في مدينتى الحصاحيصا ورفاعة اللتين تبعدان مسافة نصف ساعة من ود مدني”.

يتابع: “تتحسّن الأوضاع داخل المدينة بعدما عادت خدمات الاتصالات والمياه في بعض الأحياء، في حين تبقى خدمة الكهرباء بلا حل. وسمعنا عن حصول مشاكل أمنية واعتداءات على المواطنين ونهب منازل خالية. وهذه الحوادث تحتاج إلى حسم من أجل طمأنة العائدين، ونحن نحث السلطات على العمل بجهد من أجل تجهيز المراكز الصحية والمستشفيات وتوفير سلل غذائية وفتح الأسواق في شكل منتظم، كما نطالب المنظمات المتخصصة، مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف، بدعم استئناف عملية التعليم المتوقفة منذ عامين، فغالبية المدارس نُهبت بالكامل، وحتى مقر وزارة التعليم في الولاية ومكاتب التعليم، ونريد أن تقدم يونيسف كل ما يمكن لإعادة التأهيل”.

بدوره يتحدث الصيدلاني محمد عبد الرحمن حسين لـ”العربي الجديد”، عن “أهمية تأهيل القطاع الصحي قبل عودة النازحين، فولاية الجزيرة شهدت كارثة إنسانية وصحية غير مسبوقة، وتعرض النظام الصحي فيها لتدمير شامل بسبب ممارسات قوات الدعم السريع التي استهدفت الصيدليات والمستشفيات والكوادر الطبية، ما قاد إلى انهيار الخدمات”.

يضيف: “لا تستطيع المرافق الصحية الآن تقديم خدماتها بسبب النقص في المعدات والكوادر، وارتفاع تكلفة العلاج الذي بات غير متاح لكثيرين، وتدمير البنى التحتية. والمطلوب قبل عودة النازحين إعادة بناء النظام الصحي في ود مدني وكل مناطق ولاية الجزيرة، وتأهيل المرافق الصحية، وترميم المستشفيات والمراكز الصحية، وتزويدها بالمعدات الطبية اللازمة، وتوفير البنى التحتية الأساسية، وضمان وجود مياه نظيفة وكهرباء مستدامة في المرافق الصحية، ودعم الصيدليات والشركات المتضررة، وإنشاء صندوق للتعويض، وأيضاً إعفاء الشركات من الضرائب مؤقتاً لدعم عمليات إعادة التشغيل. ومن الضروري أيضاً التصدي لهجرة الكوادر الطبية، وتحسين الأجور والامتيازات، وتقديم حوافز مالية ومعنوية لهم، مع توسيع مظلة التأمين الصحي، وتوفير خدمات صحية مجانية أو بأسعار رمزية، وإشراك المجتمع المحلي عبر تشكيل لجان لتحديد الأولويات الصحية، وضمان تقديم الخدمات بطريقة فعّالة”.

وعلى نطاق أوسع، يرى هيثم الشريف، الناطق الرسمي باسم مؤتمر الجزيرة للحقوق المدنية، أن عودة النازحين تتطلب ترتيبات ضرورية على رأسها ضمان استتباب الأمن، والتخلص من مخلفات الحرب وفي مقدمها الألغام التي زرعتها مليشيا الدعم السريع في عدد من المناطق، ما أدى إلى استشهاد مواطنين”.

ويشدد الشريف، في حديثه لـ”العربي الجديد”، على ضرورة التعامل مع الوضع البيئي المتردي عبر جمع الجثث من الطرقات والمنازل المهجورة، وتنظيف المرافق العامة والأسواق من مخلفات الحرب، وأيضاً على أن عودة الخدمات الأساسية، و”الأولوية بالنسبة إلى مؤتمر الجزيرة توفير المياه والخدمات الصحية بعد نهب المولدات وأجهزة الطاقة الشمسية في المدن والقرى، وتدمير المستشفيات والمراكز الصحية”.

وتعهدت سلطات ولاية الجزيرة، من خلال الوالي الطاهر إبراهيم، بالعمل بأقصى طاقاتها لإعادة الخدمات الأساسية وتهيئة الظروف لعودة المواطنين إلى ديارهم. وذكر أن أعمال الصيانة تتواصل لإعادة خدمات مياه الشرب والكهرباء، كما تستمر عمليات إزالة الألغام والأجسام غير المنفجرة. أيضاً وصل مدير الشرطة الاتحادية الفريق خالد حسن محيي الدين إلى ود مدني، وتعهد بتطبيع الحياة ونشر الشرطة في المدينة وكل مناطق الولاية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here