هل تسهم رؤوس الأموال العربية في تنمية الثقافة؟

9
هل تسهم رؤوس الأموال العربية في تنمية الثقافة؟
هل تسهم رؤوس الأموال العربية في تنمية الثقافة؟

أفريقيا برس – السودان. قبل أيام، أعلنت “جائزة فراغونار للأدب الأجنبي” عن فوز الكاتبة التونسية أميرة غنيم والمُترجمة الجزائرية سعاد لعبيز في دورتها لعام 2024، عن الترجمة الفرنسية لرواية “نازلة دار الأكابر” الصادرة عن منشورات “فيليب ري [برزخ] – مجموعة خمسة” (صدرت بالعربية عن “دار مسعى” عام 2020). وبالإضافة إلى أنها المرة الأولى التي تُمنح فيها الجائزة لعمل من الأدب العربي، كان ثمة أمرٌ لافت آخر يتعلق بالجائزة نفسها؛ وهو أن مانحها شركةُ عطور فرنسية.

تأسست “دار فراغونار للعطور” عام 1926 في مدينة غراس (بمنطقة بروفنس ألب كوت دازور) المعروفة باسم “العاصمة العالمية للعطور”، بفضل تاريخها الطويل في هذه الصناعة، والذي دفع منظمة “يونسكو” لإدراجها ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي عام 2018، وقبل ذلك الكاتبَ الألماني باتريك زوسكيند لجعلها مكاناً تدور فيه معظم أحداث روايته الأشهر “العطر” (1985).

في 2022، أطلقت الشركة، التي أعطاها مؤسسوها اسمَ الرسام الفرنسي جان أونوريه فراغونار (1732 – 1806) – وهو أيضاً ابن صانع عطور في البلاط الملكي – جائزةً أدبية تُمنح كل سنة لعمل أدبي كتبته امرأة وتُرجم إلى الفرنسية ونُشر في فرنسا. في تلك السنة، عادت الجائزة إلى الكاتبة البلغارية ثيودورا ديموفا، ثم إلى اليابانية يوكو تاوادا في 2023، والفرنسية سيسيل بَن في 2024.

ليست هذه التجربة استثنائية بالتأكيد. لكنها قد تدفع إلى السؤال عن مدى انخراط الشركات الاقتصادية العربية في الحياة الثقافية واهتمامها بالأدب، وهو سؤالٌ يقودنا، بدوره، إلى استعراض بعض التجارب العربية في هذا السياق.

ضحية أخرى للحرب السودانية

تحضر، في هذا الإطار، “جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي” التي أطلقتها، في 2010، “الشركة السودانية للهاتف السيار”، أو “زين السودان” (تأسست عام 1996)، المنضوية تحت “مجموعة زين” للاتصالات (تأسست في الكويت عام 1983)، بهدف “الاهتمام بالأدب والفنون في السودان والعالم العربي، وربط الأجيال بالإرث الثقافي العربي”، مثلما نقرأ في بيانها التأسيسي.

وتُمنح الجائزة، في منتصف فبراير/شباط من كل عام بالتزامن مع ذكرى رحيل الروائي السوداني الطيب صالح (1929 – 2009)، لكتّابٍ باللغة العربية في فرعَي القصة القصيرة والرواية، إضافةً إلى فرع ثالث يُحدده مجلس أمنائها كل سنة.

استمرت الجائزة، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 200 ألف دولار أميركي، بشكل منتظم منذ دورتها الأولى في 2011، قبل أن تتسبب الحرب في توقفها عند دورتها الثالثة عشرة التي أُقيمت في موعدها المعتاد عام 2023. فبعد شهرين من ذلك، وتحديداً في 15 إبريل/نيسان، اندلعت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهو ما دفع مجلس أمناء الجائزة، في سبتمبر/أيلول، إلى الإعلان عن تأجيل الدورة الرابعة عشرة إلى أجل غير مسمى، قائلاً، في بيان له، إن القرار “أملاه علينا واقع الخراب والدمار والنزوح واللجوء والتشرد الذي فرضته الحرب على ملايين السودانيين”.

وفي فبراير من العام الجاري، أصدر مجلس الأمناء بياناً آخر ذكر فيه أن “الجائزة ستستأنف مسيرتها في خدمة الإبداع والثقافة، وتنمية روح الحوار، ونبذ خطاب الكراهية والتعصب والعنصرية. ونأمل أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن متى ما تهيأت الظروف وزالت مسببات التوقف وتيسرت إمكانية التواصل”.

جائزة أدبية باسمٍ تجاري

في الإمارات العربية المتحدة، تقف عند جائزة أدبية ترعاها شركة اتصالات أيضاً، لكن ضمن سياق مختلف قليلاً. يتعلق الأمر بـ”جائزة اتصالات لكتاب الطفل” التي انطلقت عام 2009، وتُمنح لكُتب في مجال أدب الطفل، ضمن خمس فئات؛ هي: “الطفولة المبكرة” و”الكتاب المصور” و”كتاب ذو فصول” و”كتاب اليافعين” و”كتاب الشعر”، بهدف “تشجيع الناشرين والمؤلفين والرسامين على المساهمة في تطوير هذه الصناعة”.

تُموَّل الجائزة، التي تبلغ قيمتها 1.2 مليون درهم إماراتي (قرابة 320 ألف دولار أميركي)، من “شركة الإمارات للاتصالات” (تأسست عام 1976)، لكنها تُنظم من طرف “المجلس الإماراتي لكتب اليافعين” الذي تأسس في 2010 بوصفه مؤسسة “غير هادفة للربح” تتبع “المجلس الدولي لكتب للأطفال”؛ وهو شبكةٌ دولية تأسست في مدينة زيوريخ السويسرية عام 1953، وتعمل على “تحقيق التقارب والربط ما بين الطفل والكتاب في كافة أنحاء العالم”.

بفضل توفر التمويل، تمكنت الجائزة من الاستمرار بشكل سنوي، لتصل إلى نسختها السادسة عشرة عام 2024، ضمن رؤية تقوم على “الارتقاء بصناعة كتاب الطفل في الوطن العربي، وتكريم كتب الأطفال المميزة والمبتكرة التي تتناول مواضيع معاصرة وتثري أدب الطفل العربي، وتعزيز مكانة كتاب الطفل في مواجهة البدائل التقنية، وتحفيز الناشرين والكُتاب والرسامين للإبداع في مجال نشر كتب الأطفال”، كما نقرأ في موقعها الإلكتروني. غير أن هذه التجربة لا تخلو من ملاحظات؛ لعل أبرزها يرتبط باسم الجائزة نفسها، والذي اختار القائمون عليها أن يكون اسمَ الشركة التجارية الراعية، بدل أن يكون، مثلاً، اسم أحد كتّاب أدب الطفل العرب البارزين.

وصية عبد الحميد شومان

ربما لا يمكن الحديث عن جوائز أدب الطفل العربية دون ذكر “جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال” في الأردن، والتي أطلقتها “مؤسسة عبد الحميد شومان” عام 2006، بهدف الإسهام في “الارتقاء بالأدب الذي يُكتب للأطفال لتحقيق الإبداع والتطوير المستمرين فيه، والمشاركة في دعم الطفولة العربية بالمعرفة والإبداع”، مثلما يرد في موقعها الإلكتروني.

تُمنح الجائزة في مجالات القصة والشعر والرواية والنص المسرحي. وقد استمرت، بشكل منتظم، وصولاً إلى دورتها التاسعة عشرة عام 2025، والتي خُصصت للأعمال القصصية المندرجة ضمن أدب الرحلات، والموجهة لعمر تسعة أعوام وأكثر.

ولهذه الجائزة، التي تبلغ قيمتها 18 ألف دينار أردني (قرابة 25 ألف دولار أميركي) تُوزع بين ثلاث مراتب، خصوصيةٌ تتمثل في كون مُنظمها/مانحها مؤسسة ثقافية غير ربحية، لكنها تتبع مؤسسة تجارية هي “البنك العربي” الذي أسسه المصرفي الفلسطيني عبد الحميد شومان (1888 – 1974) في فلسطين عام 1929، وباتت عمّان مقراً له منذ 1930.

وعبر تخصيص جزء من أرباحه السنوية، أنشأ “البنك العربي”، في عام 1978، “مؤسسةَ عبد الحميد شومان”، التي نقرأ في موقعها الإلكتروني أنها تهدف إلى “بناء أرضية ثقافية علمية، والاعتناء الجاد بالبحث العلمي والدراسات الإنسانية والتنوير الثقافي والابتكار وتشجيع القراءة”. وكان ذلك تنفيذاً لوصية عبد الحميد شومان بإنشاء مؤسسة، بعد وفاته، تُعنى بالشأن الثقافي وتُسهم في تمويل الأبحاث والدراسات العربية في المجالات العلمية والفكرية والطبية والتكنولوجية.

و”جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال” واحدةٌ من أربع جوائز تمنحها المؤسسة، وتشمل أيضاً: “جائزة الإنتاج الإبداعي للأطفال واليافعين” و”جائزة الباحثين العرب”، و”جائزة الابتكار” إلى جانب ثلاث مسابقات في مجال القراءة، ومِنَح في الآداب والفنون وتمويلات للبحث العلمي والمشاريع الثقافية. يُضاف ذلك إلى الأنشطة الثقافية التي تُنظمها المؤسسة عبر فضاءاتها المختلفة؛ مثل “منتدى عبد الحميد شومان الثقافي” و”المكتبة العامة” و”مكتبة الأطفال” و”دارة الفنون”، بما يجعل من هذه التجربة واحدةً من النماذج البارزة القليلة في انخراط مؤسسات اقتصادية عربية في الشأن الثقافي.

تجربتان تونسيتان

في أدب الطفل دائماً، تُطالعنا، في تونس هذه المرة، “الجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل” التي انطلقت في 2003 بناءً على إحدى توصيات ندوة أدبية أُقيمت في منطقة المنازه بولاية أريانة، شمال غربي تونس العاصمة، خلال العام نفسه، حول أعمال الشاعر والكاتب التونسي مصطفى عزوز (1921 – 2003).

بدأت الجائزة محليةً، ثم أصبحت وطنية، ثم عربيةً ابتداءً من دورتها الرابعة عام 2009؛ وهي السنة التي باتت تحصل فيها على تمويل مالي من “البنك العربي لتونس” (فرع “البنك العربي” في تونس). وابتداءً من 2012، جرى استحداث جمعية ثقافية باسم “المنتدى العربي لأدب الطفل”، باتت المشرف على تنظيم الجائزة و”الملتقى العربي لأدب الطفل” الذي تُوزَّع في ختام فعالياته كل سنة.

وفي تونس، أيضاً، واحدةٌ من أقدم الجوائز الأدبية المستمرة إلى اليوم؛ هي “جائزة الكومار الذهبي” التي تأسست عام 1997، وظلت تُمنح سنوياً دون انقطاع، لتصل هذا العام إلى دورتها التاسعة والعشرين التي أُغلق باب الترشح لها في الرابع من إبريل/نيسان الجاري.

والجائزة، التي تُمنح للروايات التونسية الصادرة باللغتين العربية والفرنسية، تقع تحت إشراف وزارة الثقافة، لكنها تُموَّل من شركةِ تأمينات تأسست عام 1969؛ هي “الشركة المتوسطية للتأمين وإعادة التأمين”، والتي تُعرَف اختصاراً باسم “كومار”.

رجال أعمال في المشهد

في مصر، تُعدّ “جائزة ساويرس الثقافية” الأبرز بين الجوائز الأدبية والثقافية التي تُنظمها وترعاها مؤسسات من خارج الوسط الثقافي. أُطلقت الجائزة عام 2005 من طرف “مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية”، والتي أُنشئت عام 2001، بتمويل من عائلة ساويرس، لـ”دعم الحلول المبتكرة من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في مصر”.

وفق القائمين عليها، تهدف الجائزة، التي تبلغ قيمتها 1.5 مليون جنيه مصري (قرابة 55 ألف دولار أميركي)، إلى “تشجيع الإبداع الفني لدى كبار وشباب الأدباء والكتّاب المصريين وإلقاء الضوء على المواهب الجديدة الواعدة”. وقد اهتمت، في البداية، بمجالي الرواية والقصة القصيرة، ثم أضافت جائزتين للسيناريو السينمائي والكتابة المسرحية، ثم جائزة النقد الأدبي عام 2013، والتي عُدّلت لاحقاً لتصبح “جائزة النقد الأدبي والسرديات الأدبية والنقدية”؛ حيث تشمل السيرة، والسيرة الذاتية، وأدب الرحلات، والمدونات التاريخية، والكتابات النقدية، ثم جائزة الترجمة في 2020 وجائزة أفضل كتاب للأطفال تحت سن 12 سنة في 2021.

وكغيرها من الجوائز التي تُمولها مؤسسات اقتصادية كبيرة، حافظت “ساويرس الثقافية”، التي يُشرف عليها مجلس أمناء يضم خمس شخصيات ثقافية وأكاديمية، على انتظامها؛ حيث استمرت بشكل سنوي، وصولاً إلى دورتها العشرين التي أُعلن عن نتائجها في يناير/كانون الثاني الماضي.

هذه الجوائز أمثلةٌ عن بعض التجارب التي تنخرط فيها مؤسساتٌ اقتصادية عربية في الشأن الأدبي والثقافي تحت عنوان “خدمة الثقافة”. وهي تلقى ما يلقاه غيرها من الجوائز من نقد وتشكيك في أهدافها أو نزاهتها، وإن كانت تختص عن سواها بانتقادات تتعلق بسطوة أصحاب الأموال وتمدد هيمنتهم على مجالات الحياة العامة إلى الأدب.

وأيّاً كان، فإنّ هذه التجارب تضعنا أمام ملاحظتين أساسيتين؛ الأولى أنها الأكثر قدرةً على البقاء والاستمرار مقارنةً بغيرها من الجوائز التي تشتكي غياب التمويل أو ضعفه، وبعضها تمنحه جهاتٌ حكومية. أما الثانية فإنها قليلةٌ جداً بالمقارنة مع العدد الكبير من أصحاب رؤوس الأموال العرب الذين تهتم غالبيتهم بكل شيء… إلا الثقافة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here