أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. بالأمس، وبينما كان السودانيون منشغلين بتفاصيل معارك كردفان بين الجيش والدعم السريع، وصل إلى مدينة بورتسودان، عاصمة السودان المؤقتة، رئيس الوزراء كامل إدريس لتسلُّم مهامه في رئاسة مجلس الوزراء.
وقد وجد خبر وصول إدريس أصداء واسعة في الأوساط السياسية والاجتماعية في السودان، ما يعني أن ثمة بشريات قادمة للسودانيين. فهل ينجح الرجل في مهامه؟ وما العقبات التي تعترض طريقه؟ وهل يتدخل مجلس السيادة في اختصاصات كامل إدريس؟
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة، قد عيّن كامل إدريس في منصب رئيس الوزراء، معلنًا أن تعيينه سيكون بصلاحياتٍ واسعة، بينما يتخوّف البعض من تغوّل مجلس السيادة على قرارات مجلس الوزراء.
وقال عضو مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن ياسر العطا، مساعد القائد العام، في تصريحات صحفية، إن القوات المسلحة لن تتدخل في عمل رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس، وإن مجلس السيادة يمنح رئيس الوزراء كامل الصلاحيات التنفيذية لأداء مهامه. وتابع: “تعيين رئيس وزراء مدني هو بداية الانطلاق نحو التحول المدني بعد الانتصار الذي حققته القوات المسلحة ميدانيًا”. وأضاف: “نؤكد التمسك بالتزاماتنا أن يمضي التحول المدني نحو نهايته”.
عدم تداخل
في هذا الصدد، لا يتوقع أستاذ العلوم السياسية د. راشد محمد علي أن يكون هناك تداخل في الاختصاصات بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء، لجهة أنه ستكون هناك تفاهمات وتنسيق بشأن بعض المسائل بين المجلسين.
وقال راشد لموقع “أفريقيا برس” إن نظام الحكم في السودان غير مستقر، وستكون هناك ملفات مثل الأمن القومي، وهي من اختصاصات مجلس السيادة، ولكن لها ارتباط بالجهاز التنفيذي، وهنا يشدّد على ضرورة أن يتم التنسيق بينهم في هذه المسائل.
وتابع: كذلك السياسة الخارجية، رسمها سيكون فعليًا من مجلس السيادة، لكن تنفيذها يتم عبر وزارة الخارجية، وهنا، بحسب راشد، سيكون هناك تنسيق خاص بالأهداف بين المجلسين.
وبشأن المسائل المتعلقة ببناء قوة الدولة الشاملة، يقول راشد إنها من اختصاص مجلس السيادة، ولكن سينفذها مجلس الوزراء.
ووفقًا لهذه المعطيات، وبحسب راشد، فإن مجلس السيادة لن يتدخل في عمل مجلس الوزراء.
حكومة مقيّدة
بالنسبة للمحلل السياسي الفاتح محجوب، فإن العلاقة بين رئيس مجلس الوزراء ومجلس السيادة هي رسميًا علاقة تنسيق، مع حرية كاملة الصلاحيات لرئيس مجلس الوزراء في إدارة حكومته. واستدرك قائلًا: لكن للحرب أولوية، وهذا يعني أن سياسة حكومة د. كامل محكومة عمليًا بخطة الجيش السوداني في إدارة الحرب، ومقيّدة بمدى ضرر أو فائدة أي علاقات للسودان بالحرب الدائرة في البلاد.
وبشأن العقبات التي تواجه كامل، قال الفاتح لموقع “أفريقيا برس”: هي الحرب وآثارها وأعباؤها، إذ إن قصف ميناء بورتسودان والمطار بالطائرات المسيّرة نتجت عنه آثار ضارة على الشحن البحري، وكذلك المقاطعة الاقتصادية بين السودان وكينيا، وتكلفة الحرب على الاقتصاد الوطني بشكل مباشر وغير مباشر.
وبما أن الإنفاق على الحرب حاليًا له الأولوية القصوى، فإن كثيرًا من برامج وخطط رئيس مجلس الوزراء قد لا تجد طريقها إلى التطبيق.
خطوة واعدة
وبعيدًا عن الحديث السابق، فإن القيادي بحزب الأمة عروة الصادق يتوقع تدخل مجلس السيادة في عمل رئيس الوزراء، إذ قال لموقع “أفريقيا برس”: إن كامل إدريس ليس بيده عصا موسى، ولا يملك سلطة تنفيذية فعلية أو صلاحيات مستقلة تخوّله اتخاذ قرارات جذرية، ما دامت السلطة العسكرية التي تدير الحرب وتمسك بزمام الأمن والمال والسلاح تحتكر الفعل السياسي والمؤسسي.
وتابع: العقبة الحقيقية أمامه ـ وأمام أي رئيس وزراء قادم ـ ليست في كفاءته الشخصية، بل في غياب الإطار الدستوري المتوافق عليه، وفي عدم وجود سلطة مدنية انتقالية كاملة الصلاحيات، وغياب أي ضمانات لتنفيذ ما يتخذه من قرارات أو مبادرات.
ويرى الصادق أن الأزمة سودانية خالصة، ومفتاحها ليس في الخارج مهما عظمت العلاقات، منبهًا إلى أن حلها في الإرادة السياسية وإنهاء الحرب والعودة إلى المسار الديمقراطي عبر عملية شاملة يقودها السودانيون أنفسهم.
وأردف: إذا أردنا حلًا حقيقيًا، فالسؤال ليس “من؟” بل “كيف؟”. وحتى يُجاب على هذا السؤال بوضوح، سيظل أي تعيين ـ حتى ولو لشخصية دولية ـ مجرد تبديل في شكل الأزمة، لا في جوهرها.
وتابع: كامل إدريس سيجد حبالًا بلا بقر، ومنصبًا بلا سلطة.
ويرى عروة أن تعيين كامل إدريس في منصب رئيس الوزراء قد يبدو ظاهريًا خطوة واعدة بالنظر إلى مؤهلاته الدولية وعلاقاته الخارجية الواسعة، مستدركًا: لكن الحقيقة الجوهرية التي لا بد من قولها بوضوح وبدون مواربة، هي أن الأزمة في السودان لا تُحلّ بتبديل الأشخاص، بل بإصلاح منظومة الحكم ذاتها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس