أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. يبدو أن قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان سيترجل من كابينة قيادة الجيش وحكم السودان، وهذا يقرأ من خلال التلميحات التي أظهرها مساعده الفريق ياسر العطا، حيث قال الأخير، إنه أثنى قبل أيام قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان عن التنحي، وأفاد العطا في مقابلة مع تلفزيون السودان، بأن البرهان أبلغه عبر الهاتف قبل أيام برغبته في التنحي لأنه “وصل الحد”، على أن يتفق كل من العطا ونائب قائد الجيش شمس الدين كباشي على نقل السلطة للأخير. فيما وأوضح العطا، أنه تمكن من إثناء البرهان عن رغبته في التنحي والاستمرار إلى حين انتهاء الحرب مع قوات الدعم السريع، ومن ثم الدخول في فترة انتقالية قصيرة لترتيب أوضاع البلاد وتنظيم انتخابات وبعدها يغادر العسكريون السلطة.
عواقب التنحي
ولا يرى القيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق، أن فرص تنحي البرهان كبيرة، مضيفا في حديثه لموقع “أفريقيا برس” إن “تنحي البرهان عن القيادة أمر معقد وغير مؤكد، فالرجل منذ الفترة الانتقالية وما بعد الانقلاب في أكتوبر 2021، أظهر تشبثا سلطويا وإدخر كل آليات احتكار السلطة بالانقلاب على الوثيقة الدستورية وتعديل هياكل الحكم – مجلس السيادة والوزراء وتغيير هرمية القوات المسلحة السودانية”.
ويقول عروة “إذا قرر البرهان التنحي، فستترتب على ذلك عدة عواقب، أولها فراغ السلطة لأن استقالته ستقود إلى خلق فراغ في السلطة داخل كل من الجيش والحكومة فيظل تنافس تيارات أيدولوجية للهيمنة على مقاليد الحكم، ما يعني تأخير الوصول للسلام وعدم الاستقرار حيث تتنافس الفصائل المختلفة على السيطرة”، مستدركا “ولكن إذا تم الأمر ضمن إجراءات متفق عليها في إطار عملية السلام من قبل القيادة الانتقالية فلربما يكون تسليم السلطة إلى كباشي أو أي زعيم آخر إلى تشكيل حكومة انتقالية متفق حولها، وهو ما قد يعالج المأزق السياسي في السودان وكان مقترحا منذ أن سطا البرهان على السلطة عبر انقلاب أكتوبر 2021، ومع ذلك فإنها فرضية ستواجه أيضًا تحديات كبيرة إذا لم يتم قبولها على نطاق واسع لأن الرأي العام السوداني له مآخذ حتى على الكباشي نفسه، على اعتبار إن له قرار حاسم في موضوع استمرار عسكرة الحكم”.
ويرى الصادق أن “البرهان بهذا التوجه يرى أن الخطوة يمكنها التأثير على العلاقات المدنية العسكرية، لقناعته أن القائد الجديد سيغير الديناميكية بين الجهات العسكرية والمدنية في السودان خاصة وأن هناك شعرة ثقة لا زالت تربط بين الكباشي والدعم السريع وبعض قيادات القوى المدنية، وأن الكباشي أكثر استجابة منه للحكم المدني، وهو الأمر الذي سيهل الوصول للسلام ويمكن من إعمال الإصلاحات الهيكلية في الدولة والتحسينات المطلوبة في نظام الحكم”.
وفي نظر الصادق “أن كل هذا التصور أعلاه تجهضه تشنجات فلول الحزب المحلول والتي ستزايد على الجميع بضرورة بقاء البرهان لقيادة الحرب حتى سحق آخر متمرد وفق تصوراتهم التي أعلنها الجنرال العطا”، مؤكدا أن التنحي سيفاقم الأزمة ويزيد التوترات.
وتابع الصادق “إذا تنحى البرهان وتم النظر إليه على أنه تم إقصاؤه أو إذا تم النظر إلى خليفته على أنه أولا غير شرعي وغير مخول لإبرام أي صفقة سلام باسم الجيش، وذلك فإن التوترات والاحتجاجات والاضطرابات ستزيد داخل المؤسسة العسكرية، خاصة وأن الحملات الجهوية والعنصرية انتظمت وسائل التواصل الاجتماعي منذ أن أعلن العطا حديثه”.
وأضاف الصادق “لا ننسى أن للأمر رد الفعل الدولي، فالمجتمع الدولي يراقب الوضع عن كثب ويقود عملية سلام محتملة أطرافها بالضرورة البرهان وحميدتي، وما لم يتم إعلان أسباب الانتقال من شخص إلى آخر في قيادة الجيش سيُقابل الأمر إما بالدعم أو بالتشكيك، اعتمادًا على الالتزام المتصور بخطوات السلام القائمة في (جدة) أو القادمة في (جنيف) وترجيح كفة العمليات والأنشطة المنادية بالمدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان عوضا عن كفة العمليات العسكرية”.
ويواصل الصادق حديثه بالقول “إن تنحي البرهان دون أدنى شك سيخلق مخاوف أمنية وستكون هنالك المحاذير الجيوسياسية لأن رحيل البرهان سينسحب تأثيره على الأمن في المنطقة وتموضعها جيوسياسيا في الإقليم والعالم”، متسائلا بعد تنحي البرهان “إلى أي المعسكرات سيتجه خليفة البرهان؟ خاصة إذا اختلفت الجماعات الإخوانية داخل الجيش مع العملية الانتقالية، أو إذا استغلت قيادة الدعم حالة عدم الاستقرار القيادي واجتاحت ما تبقى من المدن وأجهزت على كامل كيان الجيش والدولة؟”.
ويرى الصادق أن “ما قاله العطا يعد أمرا مدروسا ومتعمدا إعلانه لإرسال رسائل جديدة ومختلفة لعدة جهات قبل الإعلان عن حالة عجز البرهان أو العسكريين عن تحمل تبعات الحرب التي استدرجهم إليها الحزب المحلول والحركة الإخوانية”.
وبحسب الصادق “يمكن أن ينظر إلى تنحي البرهان بأنه هنالك احتمال وجود قيادة جديدة ستسير في طريق التقدم نحو السلم والاستقرار”، مستدركا “ولكن بهذه الطريقة التي يطرحها العطا ويستبطن رفضها يحمل مخاطر كبيرة تحتاج إلى إدارة حذرة من البرهان كشخص ومن قيادة الجيش إذا كان مبتغاهم السلام وليس استمرار الحرب لضمان الاستقرار واستعادة الحكم المدني الديمقراطي في السودان”.
ضغوط خارجية
في الصدد، يقول المحلل السياسي الفاتح محجوب لموقع “أفريقيا برس” إن “الفريق أول عبدالفتاح البرهان حكم السودان في ظروف بالغة التعقيد وكاد أن يفقد حياته عدة مرات، وواجه ضغوطا من الراي العام بالاستقالة عدة مرات أثناء الانتكاسات العسكرية خاصة سقوط مدني وسنجة، وواجه ضغوطا خارجية وحصارا غير مسبوق فرضته الإمارات على السودان وقيادته السياسية مستقلة علاقاتها الواسعة ونفوذها المالي الكبير للحيلولة دون حصول الحكومة السودانية على أي دعم عسكري أو اقتصادي”.
وتابع المحجوب “كذلك البرهان تجرع حادثة مقتل إبنه في حادث سير في تركيا و قد وجد نفسه غير قادر على الوقوف بجانبه في المستشفى إلى أن توفي بعيدا عنه”، مستدركا “لكن على أرض الواقع لا يمتلك البرهان ترف التخلي عن السلطة قبل إنهاء الحرب لأن التخلي عنها حاليا يعتبر هروبا من المسؤولية، ولن يقبل الجيش ذلك في تلك المرحلة، وهذا ما قاله بالضبط مساعده الفريق أول ياسر العطا”.
تنحي وشيك
أما المحلل السياسي عبدالباقي عبدالمنعم، يرى في تصريح لموقع “أفريقيا برس” أن “البرهان بات قريبا من تقديم استقالته على اعتبار إنه يواجه حملة شرسة من الشعب السوداني والذي ينظر له بأنه قائد ضعيف وغير مؤهل لإدارة البلاد وغير قادر على إدارة المعركة مع قوات الدعم السريع”.
ولا يستبعد عبدالباقي أن “يتنحى البرهان خلال الايام القادمة – قبل بدأ المفاوضات” مؤكدا إن “تنحي البرهان سيترتب عليه معطيات كثيرة أبرزها؛ حدوث انقسام في الجيش، على اعتبار أن البرهان له تأثير على الجنود والضباط وإنهم فور الاستقالة سوف ينشقون من القيادة الجديدة”.
وتابع عبدالباقي “كذلك تنحي البرهان سيترتب عليه إنهزام الجيش في معركته مع قوات الدعم السريع”، وهنا يتوقع عبدالمنعم أن “يتمدد الدعم السريع نحو الشرق والشمال”، داعيا في ذات الوقت البرهان بعدم تقديم استقالته وذلك حفاظا على البلاد والعباد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس