إستراتيجية أمريكا للتعامل مع التحول الديمقراطي في السودان؟

50

بقلم : خالد الفكى

أفريقيا برسالسودان. ثمة تساؤلات بشأن حرص وتعاظم إهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم تلو الدعم في كافة المستويات لحكومة الإنتقال في السودان، ويطرح مراقبون أسئلة حول الدوافع والإستراتيجية التي تجعل واشنطن تبذل أموالا كبيرة من دافعي الضرائب في أرض النيلين تحت عنوان تحقيق التحول الديمقراطي واستقرار الوطن الذي فرضت عليه عقوبات يعتقد البعض إنها أضرت بشعب السودان وليس حكومة البشير التي ذهبت دون رجعة بفضل ثورة ديسمبر.

أموال أمريكية
مكتب المعونة الأمريكية بالخرطوم وقع مع وزارة المالية، اتفاقية تنموية لدعم السودان في انتقالها لدولة سلمية وديمقراطية وشاملة ومرنة وللمساعدة في طريقة اعتمادها على الذات. وهذا الاتفاق هو الأول من نوعه منذ عقود بين البلدين وسيدعم أهداف السودان الانتقالي المتعلق بالمجتمع المدني والعمليات الانتخابية، بجانب الزراعة والصحة.

الدكتور عبدالوهاب الطيب، أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا العالمية

أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا العالمية الدكتور عبدالوهاب الطيب يؤكد لـ “أفريقيا برس”، أن استراتيجية أمريكا للتعامل مع قضايا السودان ترتكز على ثلاثة عوامل، تشمل شرق أفريقيا وحوض النيل، والشرق الأوسط. ويوضح الطيب بأن المصالح الأمريكية في المنطقة تستهدق الموارد النفسية والسودان يعتبر أكبر دول أفريقيا لديه موارد خاصة مثل الصمغ العربي. بالاضافة الى موقع الخرطوم الذي يلامس مصالح واشنطن لحلفاءها بالمنطقة وأكد أن العلاقات الجيدة بين البلدين تمثل قاعدة لانطلاقة أمريكا للقلب الأفريقي خاصة مناطق مثل منطقة البحر الأحمر والصراع على مضيق باب المندب وقناة السويس، والخليج.

ونوه الطيب لتحولات يقبل عليها النظام الدولي من الأحادية والهيمنة الأمريكية نحو التعددية القطبية مما يجعل واشنطن تنتبه لدخول أقطاب جدد بعد تفتشي كورونا حيث برزت الصين وفرنسا وروسيا وآخرين. وتوقع خلال حديثه مع “أفريقا برس” اشتعال منطقة القرن الأفريقي وسباق دولي مرتقب، واستقطابات نشطة خاصة وأن السودان دولة محورية في المنطقة ولايمكن تجاوزها مما يجعل واشنطن تضع استراتيجية طويلة الأمد للتعاطي مع ملفاته.

وشدد الطيب أن مستقبل وجود الكيان الإسرائيلي في الخارطة الدولية والإقليمة يحتم على واشنطن منح الخرطوم مزيد إهتمام وعناية، مضيفا “أمن إسرائيل يقع ضمن الإستراتيجية الكلية للإدارة الأمريكية”. وقال أن دلالات ذلك بائنة من خلال التقارب السوداني الإسرائيلي ودور أمريكا في وضع الجانبين على طريق العلاقات وخطوات سرية وأخرى معلنة.

وكان مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، قد أعلن عن منافسة مفتوحة للمنظمات المهتمة بتقديم طلبات لمشروع بالسودان يدعم التحول الديمقراطي، مع التركيز على استجابة المواطنين لحكومة بقيادة المدنيين.

ويعتقد الطيب أن التهديدات المتلعقة بالأمن الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي والخليج والنزاعات في الصومال واليمن وإثيوبيا تجعل أمريكا تضع أكثر من مفتاح في بوابات الدخول للعمق السوداني من خلال الدعم المستمر. وتابع “علينا أن لا ننسى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي ينبع منه نزاع إسلامي يهودي والدور الأمريكي في هذا الصدد”. وزارة الخارجية الأمريكية أوضحت أن الهدف من البرنامج هو زيادة وحماية الفضاء المدني، وصولاً لإجراء الانتخابات وطنية.

النظام الموالي

واشنطن خصصت حوالي 700 مليون دولار للمساعدة في تنمية السودان، وأكدت ضرورة التحول من التركيز من الدعم العوني والمساعدات للدعم في مجالات البناء والتنمية.

الدكتور علي يوسف، دبلوماسي سابق في وزارة الخارجية السودانية

الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية السودانية، السفير الدكتور علي يوسف، يقول لـ “أفريقيا برس”، أن استراتيجية واشنطن في التعامل مع ملف السودان هو جزء من استراتيجيتها في المنطقة بشكل عام. وأشار يوسف بأن المنطقة تنقسم لدوائر تشمل الدولية والأفريقية والعربية، مؤكداً رغبة واشنطن أن يكون نظام الخرطوم موالياً لها وداعما لسياساتها عالميا واقليمياً.

وأوضح أن واشنطن ترغب في اقامة شبكة حلفاء لمواجهة كافة التحديات الأمركية خاصة على رأسها ملف الارهاب والتعاون للقضاء عليه. وأردف قائلاً” لذا تعتقد أن الخرطوم دولة يمكن أن تلعب دوراً رئيساً في ذلك وهذا كان واضحا خلال علاقات جهاز الأمن السوداني في عهد قوش مع السي أيه اي”. وأضاف” الهدف الاستراتيجي الأول لواشنطن في التعامل مع الخرطوم هو محاربة الارهاب رغم رحيل نظام البشير، لافتاً الى هشاشة الأوضاع الداخلية والأمنية في السودان ودول الجوار”. ونوه أن تطورات الأوضاع ترتبط أيضا بانتشار السلاح والهجرات غير الشرعية باستخدام السودان كدولة عبور، مُضيفاً “مشاركة السودان في حرب اليمن ربما يكون ضمن الأجندة الاستراتيجية”.

وأفاد يوسف أن دعم واشنطن لاسرائيل يجعل هناك اهتمام متعاظم لملف السودان، حيث الكل يدرك تحركات واشنطن سراً وعلنا للجمع بين الخرطوم وتل أبيب. كما يشير بان علاقات الخرطوم وطهران تأتي ضمن الإجندة بالنظر للتعاون السابق بين البلدين في مجالات التصنيع العسكري ومخاوف التصنيع النووي الإيراني وصلته بدول في القرن الأفريقي.

وقال يوسف أن واشنطن افلحت في تقريب خطوات الخرطوم وتل أبيب وربما يكون هذا مفتاح باب إعادة السودان للمجتمع الدولي والتطبيع بين الخرطوم ووشنطن مما أثمر بازالة العقوبات المفروضة منذ بدايات عهد البشير. وتابع” ملف التطبيع بين السودان و”إسرائيل” هو القاعدة التي تنطلق منها علاقات الخرطوم وواشنطن وربما تحدد ملامح تكوين الدولة السودانية الحديثة.

ولفت السفير يوسف بأن واشنطن تحرص على دخول أفريقيا من باب السودان حيث أن موارد وامكانات القارة تبدأ من الخرطوم. وأضاف ” لذا نرى تسارع الخطى، خاصة وأن السودان دولة مفتاحية في كافة قضايا دول الجوار. وأشار لقضية القواعد البحرية والتنافس الدولي مابين أمريكا و روسيا ومسارات المصالح في ظل مقاربات (سودانية صينية .. سودانية تركية)، وواشنطن تراقب الخطوات وهي تخطط لمصالحها ومدى استفادتها اقتصادياً. وحذر يوسف من تقديم التنازلات والاستجابة لضغوط خارجية في علاقات الخرطوم وواشنطن، مشدداً على رعاية المصالح والسيادة الوطنية وأن يقوم أي تعاون على هذه الأسس.

الديمقراطيات الناشئة
في يناير الماضي زار السودان وزير الخزانة الأمريكي ووقع مذكرة تفاهم مع وزارة المالية لإيجاد دعم بقيمة 1.1 مليار دولار للوفاء بمتأخرات السودان للبنك الدولي.

الدكتور عبده مختار موسى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية

أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، الدكتور عبده مختار موسى، قال لـ “أفريقيا برس”، أن استراتيجية واشنطن تستند على مصالحها الإستراتيجية. ويرى موسى بأن أمريكا تسعى لتكوين شبكة أصدقاء وحلفاء لرعاية مصالحها ارتكازا على تحقيق الإستقرار بدعم الدولة التي تحقق لها ذلك، مع ملاحظة أن أمريكا تدعم أحياناً  أنظمة عسكرية بتطبيق سياسة الأمر الواقع لقناعتها بأن تلك الأنظمة المستقرة تحقق مصالحها.

وأوضح الدكتور عبده مختار موسى، الذي يعمل أيضا خبير بمركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، أن “واشنطن تدعم الفترة الإنتقالية لتوفير الإستقرار في السودان حيث لديها مصالح كثيرة. ولفت للموارد التي تحتاجها الشركات ورجال الإستثمار والمال في أمريكا على رأسها الصمغ العربي والمعادن المختلفة.

القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، براين شوكان، يؤكد أن بلاده أكبر مانح للعمليات الانسانية بالسودان حيث دفعت نحو 400 مليون دولار من المساعدات.

واستبعد موسى أن تكون واشنطن تخشى تكرار سيناريو فشل الدولة المستقرة في جنوب السودان، مبيناً أن أي إهتزاز في الأوضاع بالسودان لن يكون كما يحدث في جوبا. وأشار بأن جوبا بها دولة وليدة وتحتاج لبناء من الصفر في ظل عدم توافر مقومات البناء وعدم وجود عقول تدير هذا البناء مقرون مع وجود دولة هشة قوامها الانقامسات الإثنية والقبلية لذا كان صعب استقرارها.

وأكد موسى بأن أمريكا ترى أن السودان يملك الحد الأدني من المؤسسات التي بمجهود قليل من الإصلاح يمكنها تحقيق الإستقرار الشامل خاصة بدعم المجتمع الدولي، لافتاً لرعاية واشنطن للديمقراطيات الناشئة بغية تحقيق مصالحها الإسراتيجية.

كما أوضح أن “الصراع الدولي على السودان لن يتوقف وواشنطن لن تبخل في دعم فترة الانتقال بما يضمن خلق دولة مستقرة وسودان جديد خالي من الصراع. وشدد على أن تكون الحكومة واعية بمسارات التحولات الدولية، والتأكيد علي وحدة الدولة السودانية وصناعة شراكات تحافظ على الموارد والمصالح الإستراتيجية للسودانيين.

يُشار الى أن المبعوث الأمريكي لدى السودان دونالد بوث، أكد أن تحديات طريق السودان للتحول الديمقراطي، تشمل توفير الأمن في مناطق الصراع، وإعلان نتائج تحقيقات (فض الاعتصام)، وإعادة هيكلة الإقتصاد.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here