المصالحة مع الإسلاميين.. هل باتت وشيكة؟

121

بقلم : أحمد جبارة

أفريقيا برسالسودان. دعوات كثيرة أطلقها عدد ممن يمثلون الحكومة للمصالحة مع الإسلاميين ، الأمر الذي أثار إستفهامات، هل ستتجه الحكومة الإنتقالية للمصالحة مع الإسلاميين؟ ولماذا التسوية مع الإسلاميين؟ وهل تعتبر المصالحة “قاصمة ظهر” لثورة ديسمبر ؟ وهل ستنجح المصالحة في حل أزمات السودان ؟

دعوات سابقة

أول الذين دعو لمصالحة مع الإسلاميين هو الشفيع خضر المفصول عن الحزب الشيوعي والذي يوصف بأنه عراب الإنتقالية في السودان ، وبحسب خضر ، فإن حل مشاكل الدين والدولة لن يتم حله إلا بما سماه ” المساومة التاريخية ” حيث قال عنها تلبي طموحات دعاة العلمانية وأشواق الإسلاميين. وقال خضر في ندوة في جامعة الزعيم الأزهري وقتها : إذ لم تتم مساومة تاريخية بالشكل المطلوب لن نعبر بالمرحلة الإنتقالية بسلام ، لافتا إلى أن البلاد ظلت في مرحلة إنتقالية منذ الاستقلال ، ﻭﺃﺭﺟﻊ الشفيع خضر ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﻨﺨﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍلإﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﻟﻐﻴﺎﺏ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﻭﻁﻨﻲ ﻳﺨﺎﻁﺐ ﻣﻬﺎﻡ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺃﺳﺎﺱ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻧﻘﺎﻁ ﻳﻤﻜﻦ ﺍلإﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، وبحسب الشفيع هي ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮن، وﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻭﻣﺴﺎﻭﺍﺓ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻨﻴﻦ ﺃﻣـﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺑﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋـﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻨﺲ ، ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺃﻥ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻤﻮﺍﺛﻴﻖ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍإﻧﺴﺎﻥ ﺟـﺰء ﻻ ﻳﺘﺠﺰء ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ، ﻭﺭﺃﻯ الرجل بأن ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺗﺤﻞ ﻣﻦﺧﻼﻝ ﺍلإﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﻭﺍﻟﻠﻐﺎﺕ ﻭﺍﻷﺛﻨﻴﺎﺕ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻭﻱ ، ولفت إﻟﻰ ﺃﻥ ﻗﺼﻮﺭ ﺍﻟﺮﺅﻯ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺨﺐ ﺃﺩﻯ إﻟﻰ ﺍﻟﺘﺼﺎﺩﻡ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ، ﻭﺭﺃﻯ ﺃﻥ ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻻﻳﻤﻜﻦ ﺣﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻟﻠﺼﺮﺍﻉ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ حيث ﻳﻨﺘﻬﻲ “بحسب خضر” ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ، ﻭﺃﺭﺩﻑ قائلا ، ” ﻧﺤﺘﺎﺝ إﻟﻰ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﻭﻁﻨﻲ ﻣﺠﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﺠﺎﻭﺏ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺒﺮ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﺋﺒﺔ ” ﻭﺷﺪﺩ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻋﻼﺝ ﻟﻸﺯﻣﺔ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﻮﻁﻨﻲ، ﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﻮﻁﻨﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺠﺰﻩ ﺣﺰﺏ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺃﻳﺪﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ، ﻭﻁﺎﻟﺐ ﺑﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺩﻭﻥ إﻗﺼﺎء ﺍﻵﺧﺮ ﻭﺍﻳﺠﺎﺩ ﺁﻟﻴﺔ ﻻﻟﺘﻘﺎء ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻣﻊ ﺍﻷﻁﺮﺍﻑ.

مناوي على الخط

حركات مسلحة ضد السلام بدارفور.. من يقصد مناوي؟

لم يكن الشفيع خضر الوحيد الذي دعا إلى المصالحة مع الإسلاميين ، إذ لحقه في ذلك قيادات الجبهة الثورية -الذين هم الان جزء من الحكومة – ولعل أبرز تلك الدعوات هي دعوة رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي ، إذ قال ، إنه أكثر شخص تضرر من نظام المؤتمر الوطني المحلول ، ودعا مناوي إلى المصالحة مع الإسلاميين بمن فيهم المؤتمر الوطني المحلول ، وأوضح أن أي دولة تريد الخروج من الأزمات سبيلها الوحيد هو المصالحة ، وتابع: أن حزب المؤتمر الوطني جزء من السودان، ولكن يجب محاسبة كل من أجرم وأفسد. ويرى مناوي ضرورة إجراء مصالحات اجتماعية ووقف المشاكسات، وتحقيق حوار وطني يشمل كافة مكونات الشعب السوداني بقطاعاته المختلفة بما فيهم المؤتمر الوطني المحلول، على أن يأخذ كل من أجرم في حق الشعب طريقه نحو العدالة، وأكد أن الخروج من الأوضاع يتطلب البدء بالمصالحة الوطنية ، وقال لن تعيش الدولة بالخصومات.

دعوة جبريل

جبريل ابراهيم: التطبيع مع إسرائيل قرار الشعب وليس الحكومة

كذلك ، دعا رئيس حركة العدل والمساواة وعضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية ووزير المالية جبريل ابراهيم الى مصالحة وطنية شاملة، تشمل من لم يجرم في حق الشعب السوداني، مضيفا ’’ لا أعتقد أن باستطاعة أي طرف ازالة الإسلاميين من الوجود، هذا أمر غير واقعي، و إن البلاد في حاجة للتصالح مع الجميع‘‘.

وشدد رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال مالك عقار، على تجاوز المرارات و ضرورة إجراء المصالحات بين السودانيين ، وأكد عقار خلال مقابلة تلفزيونية ، على عدم ممانعتهما في التصالح مع القيادات الإسلامية المعتدلة من النظام السابق، محذرا من إقصاء أي فصيل سياسي ، وقال رئيس الحركة الشعبية ، إن المشاكسات خلال الفترة المقبلة ستؤدي إلى إنهيار الدولة ، وإنه لابد من المصالحة حتى تخرج البلاد من أزماتها السياسية والإقتصادية والاجتماعية.

نصائح النور حمد

د. النور حمد، مفكر وباحث سياسي سوداني

ومؤخرا عادت الدعوات للمصالحة مع الإسلاميين تطفو إلى السطح من جديد ، إذ تداولت في الأيام الماضية بعض الاخبار التي تدعو إلى المصالحة والتي أبرزها دعوة المفكر والباحث السياسي د. النور حمد، إذ قاله ، إنه لا بد من مصالحة مع الإسلاميين، كون الوثيقة الدستورية حظرت فقط نشاط المؤتمر الوطني وعدم ممارسه أي عمل سياسي خلال الفترة الانتقالية، وأوضح أن “المؤتمر الوطني يمارس عملاً تخريبياً، حسب ما تم ضبطه من أدلة من قبل السلطات” ، وأضاف حمد في تصريح إذاعي أن “عرمان ومناوي طرحا أمر المصالحة مع الإسلاميين من قبل ، لكن رئيس الوزراء يرى أن اللحظة السايكولوجية للمصالحة معهم لم تأت بعد، وأعتقد أن حمدوك مبرمج أمر مبادرته لتظهر على مراحل”. وأوضح حمد أن طرح المصالحة مع الإسلاميين ليس خطأ، بل طرح صحيح بقوله: “من الضروري تفكيك فاعلية القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، لكن على الإسلاميين أولاً أن يعملوا على ذلك، والدور هنا ليس لحمدوك، إنما للإسلاميين أنفسهم، ويجب أن يكونوا صريحين وليس ورقة مكشوفة وأخرى مكفية”. وأضاف أن “العمل السياسي لا بد فيه من المساومات، فالسياسة هي فن الممكن، هناك دولٌ تكره بعضها، لكن تبين لها أنه لابد من التعايش مع بعضها”. ونوه: “أي خطوة سياسية لابد أن تكون عبر مكاشفة ومصارحة مع الشعب”.

دعوة باطل

ياسر عرمان: الحكومة مصابة بأعراض التسنين كالحمى والاسهالات
ياسر عرمان: الحكومة مصابة بأعراض التسنين كالحمى والاسهالات

تباينت الرؤى واختلفت التحليلات حول المصالحة مع الإسلاميين ، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض ، أن المصالحة ضرورة حتمية لخروج السودان من أزماته ، اعتبر البعض الآخر أن المصالحة مع الإسلامين خيانة لثورة ديسمبر المجيدة، وعدم تقدير لها ، وبين هذا وذاك يقول ، نائب رئيس الحركة الشعبية – شمال، ياسر عرمان ، إنه و بعد أن فشل الفلول في القفز بزانة 30 يونيو 2021 نحو السلطة، فإن قواعد لعبتهم الجديدة تتمثّل في (المُصالحة، وإزالة لجنة إزالة التمكين، وإطلاق غول الصراعات القبلية، و الإنتخابات المبكرة) ، مشيرا في مقال له إلى أن “المُصالحة، هي كلمة باطلٌ أريد بها باطل لإعادة إنتاج حزب المؤتمر الوطني الفاشي، ولا يُمكن أن نطالب بذهاب قادته إلى لاهاي والتعامل مع المحكمة الجنائية في جرائم الإبادة والحرب ونطالب بالمصالحة معه”.

مصالحة شاملة

إسماعيل أبوه قيادي بالجبهة الثورية السودانية

لكن القيادي بالجبهة الثورية ، إسماعيل أبوه ، أكد إنهم مع المصالحة الوطنية لجهة أنها تؤسس لسودان جديد يقوم على التوافق والعدالة والحرية ، مشددا على “ضرورة أن لا يستثنى أحد في المصالحة” ، وأضاف ، “أن المصالحات مطلوبة وليس مع الإسلامين فقط ولا مع اليساريين بل مطلوبة مع كل السودانيين بمختلف مكوناتهم الإجتماعية والسياسية” ، معتبرا في ذات الوقت أن “المصالحة تعني السلام الحقيقي”، ودعا أبو في تصريح لـ ” أفريقيا برس” على “ضرورة التفريق بين الإسلاميين والمؤتمر الوطني وبين الإسلاميين الذين لم يرتكبوا جرم وبين المجرمين داخل الجبهة الاسلامية” لافتا إلى “ضرورة محاكمة ومحاسبة كل من أجرم في حق الشعب السوداني سوى من الإسلاميين أو حزب المؤتمر الوطني المحلول” ، وقال ، إن “هنالك إسلاميين معتدلين ويؤمنون بالثورة والسودان الجديد ويؤمنون بدولة العدالة والمساواة، كما إنهم جزء من الشعب السوداني” ، داعيا إلى عدم إقصائهم ، وجزم ، بأن “البلاد لن تنهض اقتصاديا إلا في حالة حدوث مصالحة حقيقية تؤسس لمنبر جديد وتحول ديمقراطي باعتبار أن التحول الديمقراطي يشمل كل القوى السياسية في السودان وهو أمر يمهد للإنتخابات”. وتابع ” بالطبع فإن الفترة الإنتقالية تطلب جهود كل أبناء الوطن وكل المكونات السياسية والعرقية ، مبديا إستعدادهم للتصالح مع الإسلاميين إذ يرى إنه لاتوجد مشكلة معهم بإستثناء الذين أجرموا في حق الشعب السوداني”.

وفاق وطني
القيادي في حركة الإصلاح الآن، أسامة توفيق لم يذهب بعيداً عن حديث إسماعيل أبوه ، إذ رهن حل مشاكل السودان السياسية والاقتصادية بحدوث وفاق وطني يشمل كل الأطياف السياسية والإجتماعية ، قاطعا بأن ذات المشاكل والأزمات لن تحل بالتشفي والإقصاء ، وأكد لـ “سودان مورنينغ” أن الإفراج عن بعض القيادات الإسلامية خطوة إيجابية تحقق إنفراجة سياسية ووفاق وطني.

أهمية المصالحة

الفاتح محجوب محلل سياسي سوداني

يقول المحلل السياسي الفاتح محجوب في إفادته لـ :أفريقيا برس” إن المصالحة شيء لا بد منه قبل الإنتخابات للتوافق حول الدستور وحول قانون الإنتخابات، مستدركا ، لكن في الوقت الراهن مشاكل الحكومة والشعب هي الإقتصاد والسلام اذ أن الاحتقان الكبير في شرق السودان يمكن أن يتطور ويعصف بإستقرار السودان كما أن حركة الحلو تظل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة وجنوب السودان وأثيوبيا كلاهما له مشكلات عديدة مع السودان. و تابع ” أما أكبر مشكلات أحزاب النظام السابق فهي نقصان إجراءات العدالة في ظل عدم وجود لجنة استئناف لقرارات لجنة تفكيك التمكين وعدم وجود المحكمة الدستورية ولهذا يعتبر نقصان العدالة مع وجود الجهوية والقبلية عامل خطير قد يعصف بوحدة السودان ، لذلك المصالحة مهمة لكنها ليست ذات أهمية عاجلة بقدر ماهي لتحقيق السلام الاجتماعي والسياسي”.

 

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here