زيارة حمدوك الى جوبا.. تفكيك الأزمات

183
زيارة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الى جوبا وتوقيع ثلاث مذكرات تفاهم في النقل والتجارة والبترول (20/08/2021)

بقلم/ خالد الفكى

أفريقيا برسالسودان. رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، زار جوبا عاصمة جنوب السودان، وعقد سلسلة لقاءات على رأسها مع كل من رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار، وشهدت الزيارة التوقيع على اتفاقيات اقتصادية وأمنية، ويعتقد مراقبون أن نزع فتيل الأزمة الداخلية التي ضربت عملية السلام وأدت لمواجهات عسكرية بين فصيلين يتبعان لنائب رئيس الجمهورية رياك مشار، كانت على رأس الاولويات، كما يري أخرون أن أزمات مكتومة بين الخرطوم وجوبا موروثة من العهد البائد وجدت طريقاً عملياً لحلها.

كواليس أمنية

الدكتور تيراب أبكر تيراب، خبير في إدارة الإستراتجيات الأمنية

حمدوك زار جوبا، على رأس وفد وزاري رفيع ضمّ وزراء الخارجية، والدفاع، والتجارة، ووكيل وزارة النفط، ونائب مدير جهاز المخابرات العامة. الخبير في إدارة الاستراتجيات الأمنية، الدكتور تيراب أبكر تيراب، يرى أن دولة جنوب السودان تعتبر أهم دولة بالنسبة لجمهورية السودان لعدة أسباب، منها التاريخ والماضي المشترك الذي يجعل الدولتين مكملتين لبعضهما البعض.

السودان، يرعى منذ 2018، اتفاقية سلام بين حكومة سلفاكير والمعارضة، بقيادة نائب الرئيس مشار، والذي صدر قرار من مجموعات عسكرية منشقة، بعزله عن رئاسة الحركة الشعبية.

وقال تيراب لـ ’’أفريقيا برس’’، أن التأثير والتأثر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني تعتبر عوامل أساسية تحدد شكل العلاقة بين الدولتين. وأضاف” لذلك وبعد انفصال جنوب السودان في العام 2011، ظلت الدولة الوليدة أحد أهم الأجندة الدائمة في كواليس السياسية في جمهورية السودان الأم”. ويرى أن الدور الذي لعبته جوبا في إتفاق السلام الشامل الأخير، وقيام رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بزيارة جوبا كأول زيارة خارجية له بعد توليه الحكم، خير برهان ومؤشر على ذلك.

وعين السودان السفير عبدالرحمن خميس مبعوثا خاصا للسلام بجنوب السودان، لمراقبة سير تنفيذ اتفاق السلام المنشط بين الحكومة والمعارضة.

وبشأن ملف الحدود يقول تيراب أن الحدود المفتوحة بين البلدين والحركة البشرية الدائمة في المناطق الحدودية كعناصر تجعل من التنسيق الداعم أمر في غاية الأهمية، وذلك من منظور الأمن القومي في الدولتين. كما أشار لعلاقات جوبا مع حركات المعارضة المسلحة السودانية ومقدرتها على التأثير عليها جعلتها محطة مهمة للغاية في مسار قطار مجهودات تحقيق السلام الشامل من جانب حكومة الفترة الإنتقالية.

الدكتور عصام حامد دكين، أكاديمي ومحلل سياسي

بالمقابل يفيد الأكاديمي والمحلل السياسي، الدكتور عصام حامد دكين، أن زيارة حمدوك لها دلالات إقليمية فالرجل يقود منظمة “إيغاد” ومهموم بتحقيق السلام بين الفصائل الجنوبية المتناحرة”. وناقشت الزيارة مناقشة الصعوبات التي تواجه تنفيذ اتفاقية سلام جنوب السودان، ووافق الطرفان على مواصلة الحوارات لحين الوصول لنتيجة إيجابية. ووفقاً لدكين، جنوب السودان ترعى اتفاق جوبا لسلام السودان وتقف على تفاصيل انزاله على أرض الواقع بين القوى المدنية والعسكرية الموقعة عليه.

تيراب لم يتردد في وصف زيارة حمدوك إلى جوبا بأنها تحمل أهمية إستراتيجية، بعيداً عن الأجندة التي تم تناولها، مضيفاً “التداخل والتكامل والتأثير والتأثير بين الدولتين جعل العلاقات بينهما ذات بعد إستراتيجي قومي”. دكين من جهته أكد أن الإتفاق الأمني والعسكري من شأنه قطع الطريق على الحركات المناهضة للحكومتين مما يخلق استقرار أمنيا خاصة على الحدود.

مسارات إقتصادية

الدكتور هيثم فتحي العبادي، خبير في الشؤون الإقتصادية

دون شك أن الخرطوم وجوبا يعتبران امتداد بسوق إقتصادي كبير يربط مناطق القرن الأفريقي. ويوضح الخبير في الشؤون الإقتصادية الدكتور هيثم فتحي العبادي، لـ ”أفريقيا برس”، بشأن فوائد الزيارة للسودان، أنه يمكن  الاستفادة من احتياجات الدولتين بما يخدم حركة التجارة وتبادل المنتجات. وأشار العبادي للاستفادة من المعابر البرية والنهرية التي تسهل حركة التجارة الحدودية. وأضاف “اقتصاد البلدين اقتصاد يحتاج لتضافر الجهود والعمل لمصلحة البلدين بإعداد دراسات لإقامة مشاريع مشتركة وتفعيل دور المعابر للمصلحة الواحدة حتى ينساب مرور البضائع بين الدولتين.

الأكاديمي والمحلل السياسي، الدكتور عصام حامد دكين، ذهب في ذات الاتجاه ليؤكد لـ ”أفريقيا برس” أن الزيارة مهمة، ولفت الى دلالات التوقيت والابعاد الاستراتيجية لأهم دولة في الاقليم للسودان. وأشار لأهمية التداخل الاجتماعي والرابط في المصالح المشتركة خاصة الاقتصادية ، وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية مريم الصادق من أن الزيارة حققت فتوحات مهمة في العلاقات الثنائية، وقد تم توقيع ثلاث مذكرات تفاهم متعلقة بالنقل والتجارة والبترول.

وأضاف دكين “حال تنفيذ الإتفاقات الاقتصادية بين الطرفين فهذا يسهم في انعاش الاقتصاد السوداني المثقل بالتشوهات”. كما أكد بأن دولة جنوب السودان في حاجة ماسة لأيدي السودان في مختلف المجالات خاصة إنها دولة مُغلقة دون منافذ. ونوه بأن فتح المعابر ينقل المنتجات والبضائع السودانية للجنوب لكونها مزاج شعبه رغم الانفصال الذي هو سياسي بامتياز. واعتبر أن إغلاق الحدود سابقا بأمر من المخلوع عمر البشير أفقد السودان سوقاً كبيراً، مُضيفاُ “كل مايُنتج في الشمال سيجد سوقاُ بالجنوب”. وأوضح دكين أن من ثمرات الزيارة إعادة الثقة في القطاع المصرفي بين البلدين بإنشاء مصرف مشترك.

ويعود العبادي على التشديد على تطوير العمل بالنقل النهري والسكة الحديد وكذلك تطوير العلاقات البنكية التي تحقق المنفعة المشتركة. وأكد بأن التبادل التجاري يعتبر واحدا من أهم عوامل تعزيز الثقة والمصداقية بين الدولتين. وأردف بالقول ” التجارة مع دولة الجنوب تعطي السودان بعدا تجاريا متقدما يتعدي الحدود الجغرافية للجنوب”. وأشار بإن الاستقرار الأمني والسياسي في البلدين يخدم مصلحة البلدين الاقتصادية فدولة الجنوب تمثل سوقا ضخما للسلع والمنتجات السودانية.

ويرى مراقبون بأن السودان يخشى أن يكون التوتر بدولة الجنوب دافعًا نحو استقطاب حركات غير موقعة على اتفاق السلام أو المعارضة المسببة لإزعاج السلطة الانتقالية. وأشاروا في تلك الحالة سيتحول الجنوب لشوكة في ظهر المرحلة الانتقالية.

أبعاد إستراتيجية
الناظر لعلاقات الخرطوم وجوبا بدقة سيدرك أن أبعاد إستراتيجية عميقة تجمع البلدين في كافة المستويات خاصة المتعلقة بالاقتصاد والمزاج العام للجنوبيين. الخبير في الشؤون الإقتصادية الدكتور هيثم فتحي العبادي، يؤكد لـ’’ أفريقيا برس’’، توافر مواد خام بدولة الجنوب يحتاجها السوق السوداني كالأخشاب والسلع الزراعية والمواد النفطية. وأضاف أن “التعاون الاقتصادي بين الخرطوم وجوبا ضرورة اقتصادية وسياسية ملحة نسبة للروابط بينهما”.

كما يعتقد العبادي أنه من أهم أسس العلاقة بين الدولتين، وذلك للفرص الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن تتحقق في حالة استدامة الاستقرار السياسي والأمني في البلدين. ومضى قائلاً “يأتي النفط وتمدد أنابيبه حتى البحر الأحمر زائداً المصافي والخبرة السودانية من أهم المرتكزات”. وحث على صياغة إستراتيجية واضحة لعلاقات البلدين، وتكون علاقة أكثر تميزاً على علاقات دول الجوار الأخرى، حاثاً الشفافية والوضوح بعيداً عن الفساد المالي ودرجة من الثقة المتبادل.

الدكتور نجم الدين كرم الله، أستاذ الإقتصاد بجامعة الخدمات والتجارة في بولندا

مكاسب الزيارة الاقتصادية، كما يراها، أستاذ الإقتصاد بجامعة الخدمات والتجارة في بولندا الدكتور نجم الدين كرم الله،  تتمثل في معادلة جوبا للنمو الاقتصادي مع الخرطوم. وأوضح كرم الله لـ ’’أفريقيا برس”، أن المكاسب بين البلدين حتمية لشعبيهما، وأن الكثير ما يجمع بعد أن فرقت السياسة بالانفصال. ودعا الى فتح الحدود ووضع سياسيات واضحة لتطوير وتبادل المنافع التجارية والاقتصادية، مبيناً أن أروربا فتحت الحدود بين بلدانها لذا انتعش اقتصادها.

وتابع” أعتقد أنه لابد من وحدة تتعلق بالمصالح وإزالة كل العقوبات التي تحد من حركة المواطنيين والتجارة”. وحذر من هشاشة الأوضاع الأمنية في كل من البلدين، موضحاً أن العلاج يكمن بتنمية الحدود وتكامل اقتصادي شامل يصل مرحلة العملة الموحدة بين الخرطوم وجوبا.

وقال كرم الله أن السيناريوهات المحتملة المهددة لأمن وأستقرار البلدين، تقف على رأسها هشاشة الديمقراطية بالبلدين. كما لفت لتعقيدات اتفاقات السلام وعدم التطبيق لها لعدم الثقة بين الموقعين في كل من الخرطوم وجوبا، مشيراً للإختناقات الإقتصادية وعدم وجود قاعدة تعبر بينها لمستوى الثبات.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here