ماذا وراء إنهيار قوات الدعم السريع؟

83
ماذا وراء إنهيار قوات الدعم السريع؟
ماذا وراء إنهيار قوات الدعم السريع؟

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. بوتيرة متسارعة، تراجعت قوات الدعم السريع التي تخوض حربًا طاحنة مع الجيش السوداني. فيما كانت تسيطر على ولاية الجزيرة وأجزاء واسعة من الخرطوم وعاصمة ولاية سنار، سنجة، فقدتها خلال أقل من شهرين، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول أسباب انهيار قوات الدعم السريع، والسيناريو المتوقع بعد عملية الانهيار؟

الشاهد أن الجيش السوداني بدأ يستعيد الأماكن التي فقدها، حيث استرد منطقة جبل موية بولاية سنار في أكتوبر من العام الماضي، وبعد ذلك، زحف نحو مدينة سنجة قبل أن يبلغ مدينة ود مدني، ويستعيدها في 11 يناير الحالي.

وبعد دخول الجيش إلى مدينة “ود مدني”، واصل انتصاراته وخاض معارك ضارية في الخرطوم بحري، حتى استطاع فك الحصار عن قيادة قوات سلاح الإشارة والقيادة العامة، التي كانت تحت حصار “الدعم السريع” منذ بداية الحرب. ويأتي هذا كله وسط انسحابات واسعة لقوات الدعم السريع من الخرطوم وولاية الجزيرة.

إلتفاف الشعب

كشف خبراء عسكريون عن صورة قاتمة للأوضاع التي آلت إليها قوات الدعم السريع بعد ما يقارب العامين من الحرب. في حين عزا البعض تراجع وانهيار قوات الدعم السريع إلى الاستراتيجية العسكرية الفعالة التي اتخذها الجيش، وهي استنزاف قوات الدعم السريع بشكل ممنهج عن طريق جرها إلى أرض المعركة ثم القضاء عليها.

وأرجع عضو مبادرة القضارف للخلاص، جعفر خضر، انهيار قوات الدعم السريع إلى التفاف الشعب السوداني حول جيشه، والذي بحسب خضر، استطاع أن يمسك بزمام المبادرة ويتحول إلى حالة الهجوم بتكتيكات حربية متقنة.

وقال خضر: “انهارت ميليشيات الجنجويد عسكرياً بعد الانهيار الأخلاقي جراء استخدامها كمخلب قط في حرب العدوان الإماراتي على الدولة السودانية، مما أدى إلى تورطها في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبتها في كل بقاع السودان، مما جعل تعايش الشعب السوداني معها يدخل في عداد المستحيل”.

ويرى جعفر في تصريح لموقع “أفريقيا برس”؛ أن السيناريو الأفضل بعد انهيار المليشيات؛ هو تحقيق شعار ثورة ديسمبر (الجنجويد ينحل)، مشدداً على ضرورة أن تبدأ عملية تحقيق باقي الشعارات الأخرى، وهي “السلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات”، من خلال بدء عمليتين متزامنتين. حددها خضر بصناعة الدستور السوداني بمشاركة شعبية قاعدية واسعة، وإصلاح الجيش السوداني ودمج الحركات المسلحة في الجيش وفقاً للطرق العلمية المعتمدة . كما اقترح أن تبدأ محاسبة كل الذين تسببوا في تضخيم مليشيا الجنجويد حتى أصبحت مهدداً وجودياً للدولة السودانية.

إستراتجية ملهمة

في هذا الصدد، قال خبير الحكومة، عبدالله الطيب علي الياس، لموقع “أفريقيا برس”، إن الجيش اختار أن يخسر الأرض والمعارك مقابل كسب الحرب، منوهاً إلى أنه استنزف قوات الدعم السريع وكلفها بأعباء حماية المساحات الشاسعة التي يتعين عليها حمايتها والدفاع عنها بعدد كبير من الجنود.

وأضاف أن القوات المسلحة احتفظت لنفسها بمقرات ذات رمزية وبالمواقع الاستراتيجية الحاكمة. وفي هذا السياق، قال الطيب إن الجيش احتفظ بقيادته العامة وسلاح المدرعات في مدينة الخرطوم لرمزية واستراتيجية هذين الموقعين العالية، كما احتفظ بمنطقة وادي سيدنا العسكرية وسلاح المهندسين والسلاح الطبي في مدينة أم درمان، وسلاح الإشارة في منطقة بحري العسكرية لأهمية هذه المواقع الاستراتيجية. كما انسحب بلا قتال يذكر من جميع ولايات دارفور، واحتفظ فقط بجزء من مدينة الفاشر لأهميتها الاستراتيجية ورمزيتها التاريخية، واحتفظ في غرب كردفان بمدينة بابنوسة، وفي شمال كردفان بمدينة الأبيض، وفي ولاية سنار بمدينة سنار.

ووفقاً للمعطيات السابقة، يقول الطيب: “هكذا بنت القوات المسلحة استراتيجيتها على رؤية طويلة المدى، مؤكدة أنها ستسترد من خلال هذه المواقع الاستراتيجية الحاكمة جميع المواقع التي انسحبت منها، وأنها ستكسب الحرب في نهاية المطاف”، وهو الأمر الذي تحقق وفقاً للطيب.

ويرى الطيب أن الاستراتيجيات التي اختارتها القوات المسلحة مكنتها من استنزاف قوات العدو بشكل منهجي. على سبيل المثال، يقول الطيب: بدأت قوات “دقلو” الإرهابية حربها منذ أول يوم، وكان عدد قواتها 270 ألف جندي، منهم 175 ألف جندي يمثلون القوة العسكرية الصلبة المقاتلة. ومن هؤلاء، ما لا يقل عن 100 ألف جندي داخل ولاية الخرطوم، 75% منهم مرتزقة أجانب، إضافة إلى 50 ألف جندي قوات عسكرية فنية غير مقاتلة، و45 ألف جندي في معسكرات التدريب موزعة على خمس معسكرات، بكل معسكر 9 آلاف جندي، كلها داخل ولاية الخرطوم.

وتابع الطيب، أن القوات المتمردة تتفوق على القوات المسلحة في جميع أنواع الأسلحة عدا سلاح الطيران الحربي.

وبحسب الطيب، استطاع الجيش، وبقوات لا تزيد عن 20 ألف جندي، أن يفقد هذه الميليشيات الإرهابية منذ أول يوم من أيام الحرب 95 ألف جندي. ويقول الطيب: تبقت لهم 175 ألف جندي، وهي القوة العسكرية الصلبة المقاتلة. ثم أخرجت القوات المسلحة منهم من أرض المعارك بالقتل أو الإصابة أو الهروب خلال أول أسبوعين، وشتتت منهم 105 آلاف جندي، ولم يتبقَ لهم إلا 65 ألف جندي فقط، وفقًا للتقارير اليومية الواردة لمكتب حميدتي، والتي نشرها الضابط المختص بها في إحدى منصات التواصل الاجتماعي بصوته شخصيًا.

وأضاف الطيب “بنهاية الشهر الأول للحرب انخفضت قوات ميليشيات أولاد دقلو الإرهابية إلى 25 ألف جنجويدي فقط. ومنذ بداية الشهر الثاني بدأ تدفق المرتزقة والمتمردين على الخرطوم، وكان في متوسط التدفقات الشهرية طيلة شهور السنة الأولى، وفقًا لتقديراتي ومتابعاتي التي بدأت في أول أيام الحرب، حوالي 27.5 ألف جنجويدي شهريًا، ليصل عدد قوات الميليشيات المتمردة إلى حوالي 620 ألفًا خلال شهور السنة الأولى”. وكل هذا العدد، يقول الطيب، بعثرته القوات المسلحة السودانية من خلال استراتيجيات عسكرية مبتكرة تجاوزت بها نفسها وجيوش العالم.

ويقول الطيب: “حوالي 600 ألف جنجويدي، وحوالي 75% منهم مرتزقة أجانب، قتل الجيش منهم في تقديري حتى 15 أبريل 2024، ما لا يقل عن 340 ألف جنجويدي، وأصيب أو هرب خوفًا منهم حوالي 260 ألف جنجويدي”.

وبحسب الياس، كانت القوات المسلحة منذ أيام الحرب الأولى تنظر إلى نهايتها، وقد حاول كفلاء الميليشيات الإرهابية إنقاذ قواتهم في الخرطوم وهم على تواصل مع الكيان الإسرائيلي، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، ومن ورائهم وكلاء صغار على رأسهم الإمارات، وتشاد، والنيجر (بازوم)، وليبيا (حفتر)، وأفريقيا الوسطى، وكينيا، إضافة لهذه الدول الستة ما لا يقل عن 24 دولة ومنظمة دولية وإقليمية وشركة أمنية في الحرب العالمية الثالثة على السودان وشعبه، وكلهم فشلوا في مهمتهم.

ويؤكد الطيب أن الجيش السوداني يقاتل اعتمادًا على نفسه وتاريخه، دفاعًا عن وطنه وتاريخ أمته، وحتى لا يكون السودان وطنًا بديلاً يجمع عرب شتات أفريقيا.

إنهيار متتالي

وفي رده على سؤال “أفريقيا برس”، بشأن الأسباب التي أدت إلى انهيار قوات الدعم السريع، قال الكاتب الصحفي محمد الأقرع “إن الميليشيات دخلت مرحلة الانهيارات المتتالية ولن تستطيع الصمود في العاصمة ولا في بقية المناطق، سواء كانت كردفان أو دارفور أو الجزيرة”.

وأكد الأقرع أن عناصر الدعم السريع لن يكون لديهم الإرادة للقتال مرة أخرى على الأقل في الوقت القريب، وأرجع ذلك للهزائم المتلاحقة وتفكك سلسلة القيادة.

ويرى أن العناصر الهاربة من الدعم السريع ستركز في كيفية الخروج بالمنهوبات والابتعاد قدر الإمكان عن المناطق الحضرية أو العبور إلى دول الجوار.

وكان نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي قد نشروا فيديوهات لعدد كبير من قوات الدعم السريع تحمل أثاثات منازل المواطنين ومقتنياتهم التي تم نهبها، متوجهة بها إلى دارفور حيث المناطق التي تسيطر عليها.

عوامل فنية وقتالية

بالنسبة للناطق الرسمي باسم القوات المشتركة لحركات دارفور، المقدم أحمد حسين مصطفى، فإن انهيار قوات الدعم السريع جاء نتيجة لعوامل فنية وقتالية. أولها، بحسب حسين، عدم وجود هدف واضح تقاتل من أجله المليشيا، بدليل سلوك القيادات وأفعال أفرادهم في الميدان.

وأضاف أن من أسباب الانهيار أيضًا عدم التزام قوات الدعم السريع بقواعد النزاع المسلح وسلوكها الميليشياوي. وأردف أن ذلك تمثل في ارتكاب الجرائم بشكل بشع بحق المواطنين العزل الذين لا علاقة لهم بالقوات المتقاتلة في الميدان.

ويذهب حسين إلى أسباب أخرى للانهيار، وهي بروز السلوك العنصري وسط قياداتهم الميدانية، وتمليك زمام الأمور لقادة أهليين لا يدركون شيئًا في العمل العسكري، مما تسبب في ابتعاد العنصر العسكري المتواجد بينهم.

وبالنسبة للأسباب العسكرية التي أدت إلى انهيار قوات الدعم السريع، يقول مصطفى: “لم يستطع الدعم السريع الحفاظ على آلياته القتالية وكادره البشري بسبب ‘الشفشفة’ وسرقة أموال المواطنين، مما تسبب في فقدان الكادر البشري المؤهل للاشتباك”.

وتابع، كذلك استخدام المقرات العامة والمكشوفة أمنيًا كمقرات عسكرية مما سهل استهدافها بشكل مباشر من الطائرات.

ويرى مصطفى أن تراجع القادة الميدانيين إلى مناطقهم كان حفاظًا عليها من الخراب والتدمير من قبل الجنجويد أنفسهم.

وقال حسين: “تقدم الجيش في عدة محاور بسبب هروب القادة الأجانب والمرتزقة من الميدان بآلياتهم القتالية، وشح الإمدادات العسكرية، وفقدان بوصلة القيادة العسكرية ميدانيًا”، وأضاف: “كذلك، رتب الجيش حاله بشكل قوي، وساعده في ذلك دخول قوات جديدة صاحبة سلوك قتالي يشبه قوات العدو، وهي القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، التي قامت بدور كبير جدًا لم تكن الميليشيات تتوقعه، وهو قطع خطوط الإمداد والتغذية، والهجوم على قواعد عسكرية استراتيجية مهمة ساهمت في إنهاء السيطرة على عدة جبهات”.

وتوقع حسين أن تعيد القوات المسلحة السودانية هيكلة المؤسسة الأمنية وإصلاح أي خلل من شأنه توليد فجوات أمنية قد تدمر السودان مرة أخرى.

ودعا حسين إلى ضرورة معالجة ملفات القوة المشتركة وأي قوة أمنية أخرى شاركت في معركة الكرامة، وذلك حتى تكون جيشًا مهنيًا واحدًا ذو عقيدة قتالية وطنية لحماية شعب وأرض السودان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here