بقلم: أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للسفير البريطاني في الخرطوم، وهو في أحد الميادين العامة يدعو المتظاهرين للنزول إلى الشارع، ما أغضب السلطات في السودان والتي لم تتوانى في إصدار قرار بطرده من الخرطوم، حيث أمهلته ثلاثة أسابيع للمغادرة.
قرار صائب
فيديو السفير البريطاني الذي انتشر كانتشار النار في الهشيم وجد استنكارا واسعا من الشارع السوداني والقوى السياسية، ففي الوقت الذي اعتبره البعض بأنه انتهاك للسيادة الوطنية وعدم احترام للسودان، رأى آخرون أن دعوات السفير لإسقاط الحكومة هدفه التحريض وصب الزيت في النار على الأوضاع السياسية المشتعلة أصلاً.

وبين هذا وذاك، يرى أستاذ السياسة الخارجية بالمعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية السودانية، عبدالرحمن أبوخريس في حديثه لـ”افريقيا برس”: “السفير البريطاني خرق اتفاقية فيينا للعلاقات الدولية والتي نصت على عدم تدخل السفراء في شؤون الدولة المستضيفة لهم”، واردف: “بريطانيا ظلت تتدخل في شؤون السودان منذ عهد الانقاذ”، مستدلا بكلامه على إغلاق السلطات السودانية وقتها لإذاعة “بي بي سي” على اعتبار أنها كانت تستخدم خطاً معادياً للحكومة، مضيفاً: “كذلك السفير البريطاني السابق تدخل في عهد الثورة حيث زار مقر الاعتصام وشارك في كثير من التظاهرات”.
وأكد أبوخريس أن كل ما قام به السفير يعد مبرراً كافياً لطرده من السودان، واعتبر قرار الحكومة بشأن طرده خلال ثلاثة اسابيع بالصائب، وإنها رأت من عملية الطرد عدم إنتهاك للسيادة الوطنية، وأضاف: “كان على السفير البريطاني في السودان أن ينأى عن عملية تحريض الشارع وأن يعمل على جمع أطراف الأزمة سيما أن السودان الآن يشهد حالة انقسام بين مكوناته”.
ولم يستبعد أبو خريس أن يتم طرد السفير البريطاني على اعتبار أن بريطانيا الآن تلعب دوراً سلبياً خارجياً وداخلياً، حيث وافقت على مسودة مجلس الأمن الدولي الذي اعتبر ما جرى في السودان انقلاباً. وحول عودة السفير للسودان من جديد قال ابوخريس: “يفترض رجوعه أن يتم بعد اعتذار بريطانيا للسودان والتعهد بعدم تكرار ماقام به السفير”.
السفير الناشط
وعلق أحد نشطاء التواصل الاجتماعي بشأن ما قام به السفير البريطاني ، قائلا: “هل يعقل أن يصبح سفير دولة عظمى ناشطاً سياسيا يقف في قارعة الطريق ليسجل مقطعا مصورا وخلفه صورة أحد شهداء اعتصام القيادة ثم يدعو الناس للتظاهر في بلد هو ضيف عليها ويعرف تماما اصول الاستضافة، والمادة 41 من اتفاقية فيينا التي تمنعه حتى من التعليق على الشؤون الداخلية.. دعك من الاصطفاف مع فريق ضد فريق آخر.. يشهد الله عندما شاهدت تسجيل السفير ظننته في البداية أنه عمل درامي كوميدي يستهدف محاكاة الخواجات”.
ونوه الناشط على مواقع التواصل إلى أنه “لم يكن يتخيل أن تصل الجرأة بسفير جلالة الملكة اليزابيث الثانية أن يضع نفسه في هذا الموقف! وكأنه ناشط سياسي يتحدث في حديقة هايد بارك بوسط لندن”، مضيفاً: “التفسير الوحيد لهذا التصرف أن الرجل ربما أسرف في شرب شيء ما جعله لا يعي ما يقول أو أن أحدهم أوهمه أن صبيحة 31 اكتوبر ستكون البلاد في قبضة القحاتة بعد أن تقتحم المظاهرات العارمة قيادة القوات المسلحة وتعلن الحكومة المدنية من داخلها.
وأضاف الناشط قائلاً: “يقيني أن هذا السفير الشاب لم يقرأ تاريخ السودان و لم يقرأ أن سلفه “غوردون باشا” قد قطع رأسه قبل 136 عام في القصر الذي قدّم فيه هذا السفير أوراق اعتماده.. لو تذكر ذلك لما أقدم على فعلته الحمقاء”.
وختم الناشط تدوينته مخاطباً السفير البريطاني: “عُد إلى بلادك وأنت تجرجر أذيال الخيبة والفشل وقل لوزيرك إنني عدت من بلاد هامات شعبها تناطح السماء .. فقراء ولكنهم أغنياء بعزتهم .. ضعفاء ولكنهم أقوياء بكرامتهم ..يعشقون وطنهم رغم الجراح”.
شخص غير مرغوب فيه

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أمدرمان الإسلامية، عبده مختار يذهب في حديثه لـ”افريقيا برس” إلى أن ما قام به السفير البريطاني يعد منافياً للأعراف الدبلوماسية، مشيراً إلى أن السفير تحدث في المقطع المتداول باللغة العربية وهو الأمر الذي جعل الفيديو يحدث وقعا أكبر على الشارع السوداني، مؤكداً أنه يقصد باستخدام اللغة العربية إثارة الرأي العام السوداني.
وقال مختار: ” كان على الحكومة السودانية أن تصدر قرارا بطرده فوراً وليس إمهاله فترة ثلاثة أسابيع على اعتبار أنه أصبح شخصاً غير مرغوب فيه في العرف الدبلوماسي وأنه بحديثه هذا لم يحترم الدولة التي تستضيفه.
واعتبر مختار أنه ليس من حق السفير أن يتدخل ويقول رأيه الشخصي فيما يجري بالسودان، مضيفا، كان من الأفضل أن يترك الأمر لدولته وأن تصدر بيانا تحدد موقفها في الشأن السوداني بدل أن يخرج هو في الميديا ويدلي بحديث شخصي وغير محايد.