اتجاه الخرطوم نحو واشنطن، هل يكون على حساب موسكو و بكين؟

44

بقلم : خالد الفكى

أفريقيا برسالسودان. يبدو أن حالة من التوتر غير المعلن تسود علاقات السودان وروسيا بعد أن أعلنت القوات المسلحة السودانية رسميا الشروع في مراجعة اتفاقية أبرمها نظام الرئيس المعزول عمر البشير لبناء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر لصالح الروس، بالمقابل ذكر نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أن السودان لم ينسحب، مضيفا “أعتقد أنه يمكن دائما التوصل إلى حل وسط”|وأضاف”لم يستنكروا الاتفاق ولم يسحبوا توقيعهم. اكتفوا بالقول إن بعض الاسئلة ظهرت”.

مراجعة

وقال رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين، إن الاتفاق على بناء القاعدة البحرية الروسية تم توقيعه في عهد حكومة الرئيس السابق عمر البشير، وأن الزيارة الأخيرة للوفد الروسي كانت عبارة عن محادثات لإعادة النظر في الاتفاقية لتحقق مصالح السودان، موضحا أن مراجعة الاتفاقية سببه أن بعض بنودها إلى حد ما مضرة بالبلاد، وتابع” طالما لم تعرض الاتفاقية على المجلس التشريعي، ولم يتم التصديق عليها فهي غير ملزمة بالنسبة لنا”، مؤكدا في الوقت نفسه تعاون بلاده العسكري لن يقتصر، بعد الآن، على روسيا والصين”.
بالمقابل قال الخبير في المجالات الاستراتيجية الدكتور لواء امين إسماعيل، أن القوات المسلحة السودانية عمدت لمراجعة الاتفاقية لعدد من الأسباب من بينها انها جاءت تبرعا من الرئيس المخلوع البشير مجانا إلى الحكومة الروسية حيث أن السودان لم يستفيد منها أي شيء، بالإضافة إلى أن هذه الاتفاقية تمس السيادة السودانية بحسبان فترتها تصل إلى 25 عاما ولا توجد أي ولاية قضائية للحكومة السودانية طيلة هذه الفترة داخل القاعدة الروسية على الأراضى السودانية، كما انه غير مسموح إطلاقا السماح بالتصديق لانشاء أي قاعدة لاي دولة أخرى من قبل الحكومة السودانية في إطار التعاون الثنائي، مضيفا: وقطعا هذه أمور تمس السيادة السودانية وتعد انتهاكا صريحة لها.

وأشار إسماعيل خلال حديثه لـ “أفريقيا برس” بأن علاقة الخرطوم وواشنطن بعد رفع اسم السودان من لائحة دولة الإرهاب لها تأثير مباشر وواضح على علاقات السودان مع الدول الاخرى خاصة في المجالات العسكرية والامنية، لافتا إلى إنشاء المملكة العربية السعودية آلية أمنية لحماية منطقة البحر الأحمر وجعله بحيرة عربية، وتابع” لذا لاتوجد أي رغبة للأطراف الإقليمية وحلفاءها بوجود نفوذ لدول غير مرغوبة بتواجدها في منطقة الدول المشاطئة للبحر الأحمر”.

وكان الطرفان الروسي والسوداني أطلقا في مايو 2019 اتفاقية ثنائية حول التعاون العسكري لمدة 7 سنوات، ولم تتحفظ الحكومة السودانية بعد إسقاط نظام البشير على هذه الاتفاقية، ودعا رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان خلال زيارة إلى روسيا في أكتوبر 2019 إلى توطيد التعاون بين البلدين.

ونفى الخبير الإستراتيجي اللواء أمين إسماعيل، أن يكون التقارب السوداني الأمريكي مؤثر على علاقات الخرطوم بكل من موسكو وبكين، مدللا على ذلك بأن السودان له الحق في أن يحدد مصالحه من الجهات التي يريد أن يتعامل معها رغم انه كان تحت العقوبات الأمريكية وخلالها كانت لديه علاقات جيدة ومتسارعة من كل من روسيا والصين، واصفا الأمر بالعادي وان موسكو وبكين قد استفادتا من السودان خلال تلك الفترة، وأن الصين تملكت أراضى زراعية واستفدت من مجالات الطاقة والتعدين ولديها ديون ضخمة على السودان، كما أن روسيا استفادت من خلال واجهات شركاتها الأمنية بالاستثمار في مجالات اليورانيوم والذهب على الأراضى السودانية.

وأوضح أن مستجدات ومتغييرات الأوضاع في السودان عقب الثورة من الطبيعي أن يحدد النظام الجديد مساراته في العلاقات الدولية والاقليمية ومع من يكون التحالف الاستراتيجي وفقا لمصالح البلاد وشعبها، وأضاف قائلا ” السودان يعتبر دولة ضعيفة لذا من الطبيعي أن يتجه نحو الاقوياء وهنا يكون تحديد الخيارات هل أمريكا أو دول الاتحاد الاروربي أو روسيا أم الصين، أو مجموعة البريكس كمجموعة متكاملة”.

الصراع الاستراتيجي

الباحث المهتم بالشؤون الاستراتيجية، الدكتور عصام بطران يقول بشأن لـ “أفريقيا برس”، بشأن هل السودان الآن يرفض الاتفاق كليا ويتجه نحو أمريكا وحلفاءها في المنطقة العربية خاصة الإمارات والسعودية؟ يقول قبل الدخول في الإجابة مايهم أولا هو الجانب الروسي الذي أكد أن السلطات السودانية لم تقم بأخطاره رسميا بهذا الشان إلا أن موسكو اعترفت بوجود خلاف مع السودان حول مصير القاعدة البحرية وطلبت حلا وسطا. أي أن تصريحات الجانبين الروسي والسوداني تقع في خانة المناورة حتى الآن.

وشدد بطران على أنه بالتأكيد البحر الأحمر منطقة صراع استراتيجي يتحكم في الملاحة العالمية و له عمق استراتيجي دولي و لكنه ليس من نصيب العرب فقط بل للأفارقة ثلاثة دول هي: “جيبوتي و أريتريا والصومال” وعدد الدول الإفريقية العربية دولتان هما “السودان ومصر” بينما عدد الدول العربية المطلة عليه من جانب الشام وجزيرة العرب هي ثلاثة دول : “اليمن والسعودية والأردن” بجانب أطلالة لـ “إسرائيل” وهي مصدر الصراع في منطقة العبور البحري داخل الممر الاستراتيجي المهم. مقابل ذلك تعلو عوامل الشأن العسكري والأمن القومي والاستخباري والتحكم في حركة التجارة الدولية بالإضافة إلى جعلها قواعد استراحات لصيانة السفن والقطع البحرية العابرة.

ونصّت اتفاقية إقامة القاعدة العسكرية في بورتسودان على منح روسيا الحق في نشر سفن حربية على ألا تزيد عن 4 سفن في نفس الوقت، وأن يبلغ تعداد الفرقة العسكرية الروسية في القاعدة 300 شخصا، وأن تكون الاتفاقية سارية لمدة 25 عاما ويتم تجديدها تلقائيا لفترة 10 سنوات لاحقة، إذا لم يقم أي من الطرفين بإخطار الطرف الآخر كتابيا عبر القنوات الدبلوماسية قبل عام واحد على الأقل من انتهاء الفترة التالية بنيته إنهاء الاتفاقية.

يرى المراقبون الاستراتيجيون وفقا لبطران خلال حديثه لـ “أفريقيا برس”، أن هنالك أحلاف بدأت تتشكل معالمها بقوة في منطقة البحر الأحمر ولكن من أهمها على الإطلاق في المرحلة القادمة هو تشكل حلف “روسي/ تركي/ قطري/ سوداني” وحلف آخر “أمريكي إسرائيلي/مصري/اماراتي/ سعودي/يمني” بينما هناك محور “ايراني/يمني حوثي”. وبالأمس القريب أعلنت إثيوبيا نيتها لانشاء قاعدة عسكرية أثيوبية في البحر الأحمر على الرغم من أنها دولة مغلقة ولا تطل على البحر الأحمر ويبدو أن تواجدها سيكون عبر طرف ثالث لتسجيل بطاقة ضغط ضد السودان ومصر حول سد النهضة من جانب الامارات التي تضع أعينها في منطقة الفشقة المتنازع عليها بين السودان و أثيوبيا.

وأضاف قائلا : “سيحرك السودان ورقة الاتفاق مع روسيا من أجل المناورة للوصول إلى تفاهمات تمكنه من حلحلة عدد من الملفات الاستراتيجية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية والمحيط العربي الفاعل في تقديم الحلول الاقتصادية المتعثرة في السودان”.

وبشأن احتمال نشوب صراع أمريكي روسي في البحر الأحمر بسبب تعطيل السودان لاتفاق قاعدة فلامنجو، يقول بطران أنه لا يتوقع ذلك فالتقاطعات والمصالح الامريكية الروسية في العالم أكبر من اشعال صراع بين الدولتين حول إقامة قاعدة في البحر الأحمر، وتابع “كثير من بطاقات الضغط تجيد الدولتان استخدامها ضد الأخرى وسبل المقايضات والتسويات بينهما تجعل من تقديم التنازلات أمرا سهلا”، مبينا أن هذا خلاف أن منطقة البحر الأحمر تعتمد عليها كلتا الدولتين في مصالحهما الاقتصادية والاستراتيجية حيث الممر إلى قناة السويس وليس من المصلحة لكليهما تعطيل الممر بسبب إنشاء قاعدة في فلامنجو.

اللجؤ للقانون

الفريق حنفي عبدالله المحلل الأمني والاستراتيجي، يرد على سؤال “أفريقيا برس”، بشأن هل السودان الآن يرمي الاتفاق كليا ويتجه نحو أمريكا وحلفاءها في المنطقة العربية، انه وبطبيعة الحال حسب القانون الدولي للاتفاقيات والمعاهدات الخطية يتوقف الأمر وفقا لوضع الاتفاق حول المحطة اللوجستية، إذا كان التوقيع بالأحرف الأولى يمكن بسهولة إعادة النظر، مضيفا: أما إذا كانت قد وقعت واعتمدت عبر المؤسسات الرسمية للحكومات والمجالس التشريعية يمكن أن يتم التعديل ولكن الطرف المتضرر يلجأ للقانون الدولي.

ويعتقد عبدالله أن هناك وفقا للتسريبات نقاط ليست في صالح السودان منها ما ذكر بحصر منح الإمتياز فقط لروسيا وعدم قيام أي منشأة لدولة أخرى وكذلك نقطة الاستخدام الطويلة 25 سنة وان ليس للسودان سلطة داخل موقع المحطة بمعنى خروجها من السيادة فضلا عن عدم وجود مقابل مادي للإيجار.

وكانت وثيقة الاتفاق السوداني الروسي الموقع خلال عهد البشير أشارت إلى أنه يلبي أهداف الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، وهو دفاعي بطبيعته ولا يستهدف الدول الأخرى، كما منح الاتفاق الجانب الروسي الحق في استيراد وتصدير أي أسلحة وذخيرة ومعدات ومواد وممتلكات أخرى لازمة لتعزيز وحماية القاعدة.

هذا ويري الباحث المهتم بالشؤون الاستراتيجية، الدكتور عصام بطران، أن علاقات الخرطوم وموسكو على المستويين الدبلوماسي والسياسي خلال المرحلة المقبلة، ستكون وفقا لوضوح معالم السياسة الخارجية في الفترة الانتقالية والتي تميل لصالح الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي.

وأضاف” هذا أمر يتضح بجلاء للمتتبع لمسارات العلاقات الخارجية خلال العامين الماضيين”، مستطردا بالقول. ولكن المحور الروسي يمتلك وثائق اتفاقيات ملزمة النفاذ من الحكومة السابقة وللروس علاقات متميزة مع السودان في الجانب العسكري خاصة أن معظم التسليح وقطع الغيار العسكرية خلال العشرين عاما الماضية روسية وصينية الصنع ومن العسير جدا حدوث انتقال سريع في نمط التسليح حتى يتيح للسودان قطع أو انسحاب كلي في علاقته
مع روسيا في القريب العاجل. هذا مع النظر إلى تقلبات الشأن السياسي لما بعد الفترة الانتقالية.

وأوضح الفريق حنفي عبدالله المحلل الأمني والاستراتيجى، أنه ربما لظروف الحصار الذي كان على السودان اعتقد الأمر فرض على السودان وربما مقابل دعم عسكري أو حماية السودان من أي عدوان وهذا ما برز خلال لقاء البشير مع بوتين والذي ذكر فيه انه يطلب الحماية من موسكو تجاه التهديد الامريكي ذلك اللقاء الذي عمدت روسيا أن يكون مباشرا خلافا لكل الأعراف الدولية التي تحجب مثل هذه اللقاءات وربما أرادت روسيا توصيل رسالة لواشنطن.

وتابع عبدالله” واضح أن تحرك السودان لتفاوض جديد مع روسيا جاء بضغط أمريكي”، مشددأ على أن السودان يملك وضعا لموارد ضخمة جيواستراتيجيا متميزا وعليه تسويقها وفق مصالحه الحيوية.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here