أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. أثار خطاب قائد الجيش السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الموجه للإسلاميين تساؤلات عديدة، أبرزها: هل ستشهد المرحلة القادمة قطيعة بين التيار الإسلامي وقائد الجيش؟ وكيف يقرأ الخبراء هذا الخطاب؟
وجّه البرهان رسالة إلى حزب المؤتمر الوطني الإسلامي، قائلًا: “لا فرصة لكم لتحكموا على أشلاء السودانيين”، منبهًا إلى أن من يريد القتال تحت لافتة سياسية عليه إلقاء السلاح.
كما أعلن البرهان العفو عن كل من يتخلى عن دعم قوات الدعم السريع سياسيًا، إلى جانب ترحيبه بكل من يصحح موقفه من السياسيين، في إشارة إلى قيادات تقدم المتهمة بمساندة قوات الدعم السريع.
ماذا قال المؤتمر الوطني ؟
ولم تمضِ سوى أقل من ساعة على خطاب البرهان حتى جاء الرد عنيفًا من قبل حزب المؤتمر الوطني، إذ قال رئيس الحزب المحلول، أحمد هارون، إن المعركة لم تنتهِ بعد، وإن المحافظة على وحدة الصف الوطني مهمة حيوية لمعركة الوطن الوجودية.
وأضاف هارون “الوطن لدينا مُقدَّم على المصلحة الحزبية، وهو أغلى من أن يُقايض بمغنم أو يُطلب عنه ثمن”، مشددا بالقول “شعبنا الصابر الصامد، عهدنا لكم ألا نعود إلى الحكم إلا عبر تفويضكم الانتخابي الحر”.
وتقاتل كتائب إسلامية عديدة مع الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، وهو ما فسره البعض بأن الإسلاميين، من خلال قتالهم هذا، يسعون للعودة إلى السلطة.
خطاب مكرر
رئيس حزب بناة المستقبل، فتح الرحمن الفضيل، قال لموقع “أفريقيا برس” إن خطاب البرهان مكرر ويشبه خطاباته في عهد حكومة “قحت”، منوهًا إلى أن البرهان يراوغ بهذا الخطاب، وقد تقود هذه المراوغة، بحسب الفضيل، إلى اشتعال الحرب من جديد.
وطالب الفضيل البرهان بتأسيس حكومة جادة، بعيدًا عن أي انحياز لطرف سياسي. وأضاف أن الحرب لا تزال مستمرة، وكان الأولى بالبرهان أن يرعى حوارًا يدعو إليه جميع القوى الوطنية التي دعمت القوات المسلحة، ليكون حوارًا جادًا يقود إلى خلاصات محترمة، أدناها الاتفاق على أساس دستوري جديد لمرحلة جديدة، وإنهاء حالة الترهل في مجلس السيادة، الذي يتسم بحجم كبير ومهام لا تحتاج إلى أكثر من ثلاثة أعضاء.
خطة البرهان
الباحث السياسي أواب كرار علّق على خطاب البرهان بالقول “إن البرهان، بعد أن حسم الملف العسكري للحرب، يخطط لإعداد مسرحه لما بعد الحرب، والمتابع لتحركاته السياسية منذ اليوم الأول للحرب يلاحظ أنه لا يعادي بالمطلق، بل يعمل على التحييد”.
وأضاف لموقع “أفريقيا برس”؛ “البرهان شخص لا يمكن معرفة ما الذي يريده أو يفكر فيه، وما مرامي حديثه؟ فقط يفاجئك بأفعاله، وأفعال البرهان هي النقطة التي يمكن الإمساك بها”.
ويرى كرار أن بيروقراطية الجيش هي التي هزمت الجنجويد، مشيرًا إلى أن العقل الماكر للبرهان، يقف على رأس البيروقراطية القابضة، مقابل سيولة الدعم السريع، وفوضاه، وغياب إدارته ومؤسسيته. وأوضح أن التحييد كان أداته الناجعة، مستعينًا بخبرة الجيش التاريخية في السياسة، مستدلًا بتحييد كيكل وموسى هلال.
وأضاف “البرهان مضى بعيدًا في تحالفه العسكري والسياسي، بينما يزداد الجنجويد أعداءً دقيقة بعد دقيقة، فالنصر العسكري يسبقه انتصار سياسي، ولا يمكن تحقيق انتصار عسكري بلا سند سياسي قوي. وقد كان لكسبه هذه الولاءات دور بارز في تحطيم الجنجويد”.
ويرى كرار أن تحالف قادة “قحت” أو “تقدُّم” مع البرهان يشوبه إعجاب خفي، رغم أنهم – بحسبه – تآمروا عليه أكثر من مرة، لكن في كل مرة كان ينكشف ضعفهم وجهلهم بقوانين اللعبة. وأشار إلى أن اللعب مع البرهان وفق قوانين يضعها بنفسه مهمة صعبة، ولم يستبعد أن يكون هناك تواصل تحت الطاولة بين البرهان و”تقدُّم”.
وأضاف “التواصل بينهما وارد جدا، وحديث البرهان يهدف إلى تهيئة الرأي العام للحكومة المرتقبة، فهو يحتاج لمؤسسات قصر، ويحتاج إلى شخص مثل جعفر حسن ليطوف السفارات وينظف صورته، وإلى عميل معدّ جيدًا في معمل العمالة الإمبريالية مثل عبد الباري ليكمل اللوحة، ويخرج لسانه للغرب قائلاً: “انظروا، إن ابنكم الوفي يعمل في حكومتي!” كما يحتاج إلى سيدة مثل مريم لأنها تنتمي لبيت ذي تأثير طائفي واسع”.
وأكد كرار أن لكل طرف دوره في المعادلة السياسية، ودور “تقدُّم” تحديدًا هو تخفيف الضغط الغربي عن البرهان، مشيرًا إلى أنهم بارعون في ذلك، ويمكنهم التحالف مع أي طرف، حتى لو كان الشيطان.
من جانبه، توقع المحلل السياسي محمد عبد الجبار في حديثه لموقع “أفريقيا برس” أن يكون هناك انقلاب من الإسلاميين على البرهان بعد هذا الخطاب، مشيرًا إلى أن الإسلاميين يسعون للوصول إلى السلطة، وهو ما دفعهم للقتال إلى جانب الجيش. وأضاف “كل التصريحات التي خرجت منهم لن تُنفَّذ على أرض الواقع، وسيأتي يوم يطيحون فيه بالبرهان من كابينة الدولة”.
تصريحات سابقة
بالنسبة للقيادي الإسلامي محمد فقيري، فإنه يرى أنه لا عودة للمؤتمر الوطني، وفقًا لتصريحات البرهان، التي تتشابه مع مقولته السابقة “لا عودة لما قبل 19 ديسمبر، ولا عودة لما قبل 15 أبريل”.
وفي تصريحه لموقع “أفريقيا برس”، أوضح فقيري أن خطاب البرهان لم يغلق الباب أمام الإسلاميين للوصول إلى السلطة كما يعتقد البعض، إلا إذا قرر البرهان إغلاق المنافذ أمامهم في حال مضوا قدمًا في تجديد أبنيتهم وهياكلهم التنظيمية، وهو أمر لا يستطيع فعله.
وأضاف أن تصريحات البرهان بشأن “تقدُّم” يمكن فهمها على أنه يرفض خيار المحاصصة من جديد، ويرى أن المطلوب هو أن تُترك “تقدُّم” ليحاكمها الشعب سياسيًا، بدلًا من إخضاعها لمحاكمات جنائية.
وتابع فقيري قائلًا “الكرة الآن في ملعب البرهان، فقد تخلص من ثقل الكفتين: ’تقدُّم‘ من جهة، و’المؤتمر الوطني‘ من الجهة الأخرى. ويمكنه أن يرسم الملعب السياسي بسلاسة، خاصة مع ارتفاع شعبيته، لكن هناك خطرًا واحدًا يهدده، وهو إذا راودته فكرة الحكم بالقوة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس