بقلم : خالد الفكى
أفريقيا برس – السودان. ثمة سحب كثيفة قد تحجب ضوء الشمس من عتمتها، تعبر سماء المشهد السياسي السوداني، بعضها مصحوب بالرعود الصاخبة والمخيفة، وأخرى يأمل الكثير أن تمطر خيراً وبركة وتنقل حال الوطن لإنفراجة تمثل بداية للتحول الديمقراطي ووضع بنيان الدولة المدنية بعد إنهيار حكم البشير تحت أقدام شباب ثورة ديسمبر، ولعل من تلك السحب تبرز مبادرة للوفاق الوطني طرحها الرئيس بالإنابة للحزب الإتحادي الديمقراطي (الأصل) محمد الحسن الميرغني، إلا أن المخاوف والشكوك تحوم حول مصير نجاحها وقدرة الحسن على قيادة قطارها لبر الأمان.
أدوات المبادرة
محمد الحسن الميرغني رئيس قطاع التنظيم بالحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل، وصل الخرطوم بعد غيبة طويلة من البلاد. الحسن استقبله عدد من قيادات الحزب على رأسهم عبد الله الميرغني والتوم هجو عضو مجلس شركاء الفترة الإنتقالية وعبد العزيز عشر ممثل حركة العدل والمساواة السودانية وعدد من قيادات الاحزاب.
نائب رئيس قطاع التنظيم بالحزب، مالك درار يقول أن محمد الحسن الميرغني جاء لطرح مبادرة الحزب للوفاق الوطني، مشيرا لعقد لقاءات مرتقبة بقيادات الأحزاب وكل المكونات السياسيه ومعرفة آرائهم.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الدكتور مصطفى الجميل، يوضح لـ “أفريقيا برس”، بشأن الأدوات التي تحتاجها القوى السياسية لوحدة رأيها، وخلق الوفاق الوطني بالقول ” أنه من الصعوبة بمكان الحديث عن وحدة رأي لان كل تنظيم له فلسفته ورؤيته تجاه المشكلة السودانية”. ولفت الجميل لوجود مشتركات على رأسها التحول الديمقراطي والسلام، مضيفا: إن اتفقت القوى السياسية في النقطتين هاتين تكون قد قطعت نصف المسافة.
ويعود القيادي بالحزب الاتحادي الاصل مالك درار ليفيد بأن المبادرة تأتي وفق توجيهات محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الإتحادي الأصل الذي يؤيد الوفاق الوطني والتكاتف في المرحلة الانتقاليه وصولا الى انتخابات حرة. وسبق وأن قدم الميرغني خلال عهد البشير مبادرة جمع الصف الوطني لتجميع شتات القوى السياسية وصناعة منصة وطنية لمجابهة التحديات. وأبدي درار آمال كبيرة على تحقيق مرحلة الوفاق الوطني باعتبارها مرحلة جديدة يقودها الحزب من أجل مصلحة السودان.
بالمقابل عبد العزيز نور عشر القيادي في حركة العدل والمساواة السودانية يلفت النظر إلى ادوار الحسن التي وصفها بـ (المميزة)، في تحقيق السلام. ويرى عشر أن وجود الحسن في البلاد يدفع الى الاستقرار وتنمية السودان.
أمينة المرأة بالحزب الإتحادي الأصل، شذى عثمان الشريف، تقول أن الميرغني أكد على أهمية توحيد الكلمة وتناسي الجراحات من أجل وطن يسع الجميع. وأوضحت إن المبادرة مطروحة للجميع، داعية لضرورة نبذ العنف، مؤكدة الدعم الكامل للحكومة الإنتقالية التي تعمل على تحقيق شعار الثورة.
شخصية الحسن
يعتقد الكثيرون بأن شخصية محمد الحسن الميرغني ربما تقف عقبة في طريق نجاح المبادرة بالنظر لمواقفه خاصة داخل تيار الإتحاديين والتقاطعات التي حدثت خلال توليه أمر الحزب.

الصحفي والمحلل السياسي علي الدالي، المهتم بشأن تيار الإتحاديين يرد على سؤال “أفريقيا برس”، حول هل الحسن هو الشخصية المناسبة للوفاق بين السودانيين قائلاً “الحسن تلاحقه وصمة مشاركته في النظام السابق”. ويمضي الدالي للقول” بل وأنه تقلد أرفع المناصب مساعدا أول للرئيس المخلوع هذه المشاركة استمرت حتى سقوط النظام”.
ونوه بأن الحسن شهد كل جرائم النظام الأخيرة من قتل وسحل واعتقال وتعذيب للثوار ابان مواكب ثورة ديسمبر المجيدة واستمر متمسكا بمشاركته حتى آخر يوم من سقوط المخلوع.
وأشار إلى أن مبادرة الحسن لم يفصح عنها حتى الآن، وتابع “لا أتوقع أن تجد قبولاً واسعاً الا من بعض الذين استقبلوه في مطار الخرطوم وهم قيادات الصف الثاني من حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة”.
ويرى الصحفي والمحلل السياسي علي الدالي، المهتم بشأن تيار الإتحاديين، بأن الحسن مدعوم سعودياً بدليل تصريحات سفير السعودية بالسودان قبل أيام في تعليقه على مهرجان ما سمي بوحدة الإتحاديين في الخرطوم.
ويقول السفير السعودي وفقا للصحفي الدالي “الحسن مؤهل لوحدة الاتحاديين”، وهنا يعود على الدالي ليستطرد “لكن هذا الدعم لا يؤهله لإطلاق مُبادرة الوفاق الوطني. ولفت لعدم التوافق عليها حتى أبرز قادة حزبه المناوئين لتحركاته والرافضين لقيادته ابتداءا من شقيقه جعفر الميرغني وطه علي البشير وغيرهم من الذين لا يعترفون بقيادته للحزب.
تحديات الطريق
تقاطعات ومنعطفات يمكن أن تقف في طريق مبادرة نجل الميرغني، حيث يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية الدكتور مصطفى الجميل، بأن منهج الحوار من أبرز الأدوات والتحديات للمبادرة. كما أشار إلى تشظي القوى السياسية وتقاطعاتها وامتدادتها الخارجية. وتابع “هو أيضا تحدي كبير”.
وشدد الجميل على تنفيذ ما تم التوقيع عليه من اتفاقات ملزمة مثل اتفاق جوبا، مشيراً لتحدي قبول القوى السياسية ببعضها البعض. ويعتقد أن أهم ما يقف في وجه مبادرة نجل الميرغني كيفية اقناع القوى السياسية المعارضة غير الموقعة على اتفاقات سلام – الحلو وعبدالواحد نور.
وفي ذات الإتجاه يرى الصحفي علي الدالي، أن عوامل النجاح المطلوبة هي أن تطرح المبادرة من قيادات ساندت الثورة ومعروفة بمواقفها النضالية طيلة الثلاثين عاما الماضية. وأضاف” هذا أهم عامل لقبول المبادرة ، ابتداء من الشارع السوداني الثائر وثانيا أن لا تخرج المبادرة عن أهداف الثورة وشعاراتها”.
وحض الدالي على أن تستبعد كل ما لفظه الشارع وأسقطه مع النظام على الأقل في هذه المرحلة التي هي في الأساس مرحلة للمحاسبة والمساءلة والتأسيس ومعالجة الاختلالات وإرجاع أموال الشعب المنهوبة.
ويقول أنه لا يعتقد أن من ساند القاتل المدان بقضايا الإتجار بالنقد الأجنبي وتخريب الإقتصاد السوداني وهو رئيس جمهورية عمر البشير ، يمكن أن يطرح مبادرة تلقى القبول من الذين يريدون محاسبته.

بالمقابل عضو مجلس شركاء الحكم، التوم هجو، رئيس الاتحادي الديمقراطي – الجبهة الثورية، قال لـ “أفريقيا برس” أن المبادرة هي ما بين خط المفاصلة والمصالحة الوطنية. وأفاد هجو الذي يرأس مسار الوسط ضمن اتفاق سلام السودان بجوبا، أن الكثيرين يرسمون خطوط للاقصاء خلال الفترة الراهنة من تاريخ السودان كما فعل الإسلاميون سابقاً، متهماً الشيوعيين بالوقوف خلف تلك الخطوط.
وأوضح أنهم مع المبادرة التي تفتح قنوات للتلاقي دون إقصاء للكيانات والأحزاب التي يجب أن يحاسبها الشعب من خلال صندوق الإقتراع لاحقاً، مشدداً على محاسبة وملاحقة المفسدين من الأشخاص حال ثبوت تهم عليهم.
وأبدي القيادي السابق في الحزب الإتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني آمالاً في تحقيق مبادرة الحسن للنجاح المطلوب لكونها ترتكز على إنهاء التآمر الحزبي وقطع طريق الإنقلابات والدائرة الشريرة في المشهد السياسي.
وتابع قائلاً” نستهدف إقامة منهج حكم يستوعب الجميع وصولاً لتوافق وطني يخرج السودان من مشكلاته المتعددة ويرسي دولة الحقوق والمواطنة”. وأشار إلى أن محمد الحسن رمز معروف وأن قدومه له ما بعده من أجل وحدة القوى الحية، وزاد “مشاركتنا في استقباله تمثل دفع العمل المشترك من الوفاق من أجل خروج السودان من الوضع الحالي”.