المصادقة على نظام روما.. إنفتاح دولي أم تصفية خصوم؟

119
السودان..رئيس مفوضية العدالة يؤكد على تسليم “البشير” إلى الجنائية الدولية

بقلم : أحمد جبارة

أفريقيا برسالسودان. ما إن أعلنت الحكومة السودانية عن مصادقتها لمشروع قانون يقضي بالإنضمام لنظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ، حتى بدأت ردود الأفعال تتوالى ، فعلى الصعيد الدولي رحبت الولايات المتحدة بالخطوة ، كما اعتبرتها قوى سياسية في السودان ، بأنها خطوة كبيرة وشجاعة نحو تسليم المتهمين بجرائم حرب للمحكمة الجنائية الدولية ، وبين هذا وذاك ، يبرز سؤال عريض لدى المراقبين فحواه : هل قرار إنضمام السودان لنظام روما بغرض الانخراط أكثر مع المجتمع الدولي ومعاهداته؟ أم لأجل تصفية الخصوم السياسيين؟

نظام روما في سطور
ونظام روما الذي صادقت عليه الحكومة السودانية هو النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي بموجبه سيتم تسليم كل المطلوبين للجنائية ، كما إنه وقعت عليه 43 دولة أفريقية وهو الامر الذي جعل أفريقيا المنطقة الأكثر تمثيلا في تشكيل المحكمة حسب مسؤوليها ، ولان تسليم المتهمين للجنائية الدولية يتطلب توقيع الدولة المعينة على نظامها الأساسي ، كان لزاما على الحكومة في السودان أن توقع على ذات النظام وهو الأمر الذي تمثل في الوثيقة الدستورية -التي تحكم الفترة الانتقالية في السودان- إذ نصت على مصادقة كافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية الداعية لصياغة حقوق الانسان والسلم العالمي ، وبالطبع ميثاق روما الأساسي يعد أحد تلك الاتفاقيات الدولية والتي تعول عليها حكومة السودان لجهة إنه ينهي حالة الحرب والانتهاكات في البلاد.

نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية PDF

تجازو للتشريعي

محمد علي فزاري، محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية

الكاتب الصحفي محمد علي فزاري ، اعتبر المصادقة على نظام روما ، تجاوز كبير للمجلس التشريعي الذي يجيز القوانين ، وأضاف ، أما عمليا فإن القرار يعد استكمال فقط لخطوات سابقة ، حيث بالرغم من أن السودان موقع على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية ، بيد إنه لم يصادق عليها ، وقال فزاري لـ أفريقيا برس “إنه في القانون الدولي هنالك ثلاثة مراحل تمر بها أي اتفاقية وهي مرحلة التوقيع أي أبداء حسن النية ، وكذلك مرحلة التحفظ إذ كان هنالك قوانين تخالف عادات ومعتقدات نظام البلد المعني ، بجانب المصادقة على القانون ، ولفت إلى إنه ليس مستغربا أن توقع الحكومة على ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لجهة أن هذه الخطوة قد بدأت في فترات سابقة ، كما أن الحكومة وقعت عليها ولكنها لم تسحب توقيعها وعليه بحسب فزاري فإنه قانونيا يلزمها المضي قدما والمصادقة على القوانين المنشية للمحكمة الجنائية.

وقال فزاري ، إن الحكومة تبنت الانفتاح مع المجتمع الدولي وبالطبع فإن المحكمة الجنائية الدولية هي واحدة من أهم المنظمات الدولية التي ينبغى أن تتعاون معها الحكومة السودانية و أن لا تتجزأ في التعامل والتعاطي مع المجتمع الدولي الذي أبدى دعما سخيا للحكومة الانتقالية.

وحول إن كان قرار المصادقة على القانون بغرض تصفية الخصوم السياسيين ، قال فزاري ، إنه ليس تصفية حسابات مع الخصوم وإنما هو في إطار الانفتاح التي تبنتها الحكومة مع العالم ، كما أن الوثيقة الدستورية نصت على أنه يجب أن يتبنى السودان علاقات متوازنة مع كافة الدول ، وتابع ، معلوم عندما تنفتح مع العالم يجب أن تخضع لكل المعاهدات والإتفاقيات الدولية ، مستدلا بعد مجيئ المجلس العسكري قال في بيانه الأول إنهم سيلتزمون بكل المعاهدات والالتزامات السابقة ، واعتبر قرار المصادقة إستحقاق لأسر الضحايا وكذلك إستحقاق دولي من سياسة السودان الخارجية تجاه المجتمع الدولي.

قفزة في الظلام

عبدالرحمن أبو مجاهد، خبير في الشؤون السودانية

من جانبه ، قال المحلل السياسي عبدالرحمن أبو مجاهد لـ “أفريقيا برس” : إن التوقيع على ميثاق روما لا أعتقد أن له تاثير كبير على المشهد الحالي فيما يختص بالقضايا المتعلقة بدارفور لجهة أن الملف أصلا قد تم تحويله من مجلس الأمن إلى محكمة الجنايات الدولية وذلك بقرار من المجلس وتم اجراء كافة التحريات وتوجيه التهم بواسطة المدعي العام السابق اكامبو ، كما قطعت شوطا بعيدا في إصدار أوامر قبض ضد المتهمين الذين على رأسهم الرئيس السابق عمر البشير وأحمد هارون وعلي كوشيب – سلم نفسه طوعيا للمحكمة – وتابع ، أما البقية فيقبعون في سجن كوبر في انتظار ماستفسر عنه الأيام القادمه ، واعتبر القرار خطوة استباقيه تمهيديه لتكوين المجلس التشريعي والذي قال إنه سيكون بأغلبية من المكونات الثورية المتشددة ، كما اعتبر أبو مجاهد الخطوة بأنها قفزه كبيرة في الظلام من عبدالله حمدوك ، متسائلا ، لماذ؟ قبل أن يجيب بنفسه قائلا : لانه صاحب مبادرة جمع الصف الوطني وهذه الخطوة ستثير إحتقانا لانعرف عواقبه كما إنها ستؤثر سلبا على جمع الصف الوطني الذي يدعو له.

وفي رده على سؤال ، هل قرار المصادقة بغرض تصفية الخصوم؟ يجيب أبو مجاهد قائلا : هو انصياع لمتطلبات مرحلة جديدة فالمجتمع الدولي يدرك حجم المعاناة التي يمر بها الشعب السوداني لذلك يريد أن يستغلها بالضغط على السودان بأن يوقع على ميثاق روما ، مستغربا في ذات الوقت من ترحيب الولايات المتحدة بالقرار لجهة أنها ذاتها لم توقع على ميثاق روما.

خطوة جوهرية

الفاتح محجوب محلل سياسي سوداني

واعتبر المحلل السياسي الفاتح محجوب ، التوقيع على ميثاق روما بأنه خطوة جوهرية قبل تسليم من تطالب بهم الجنائية الدولية ، كما أنها بحسب الفاتح أول إشارة جدية للتأكيد على التزام الحكومة الانتقالية باتفاقية جوبا للسلام التي نصت على تسليم المطلوبين الجنائية الدولية واستدرك قائلا ، لكن مع ذلك يبقى أمر التسليم في خلاصته النهائية أمر سياسي قابل للمساومة خاصة وأن قانون المحكمة الجنائية الدولية نفسه ينص على أولوية محاكمة المتهمين داخل دولتهم إلا في حالة عجز نظامها القانوني عن فعل ذلك. ولم يستبعد الفاتح الذي تحدث لـ “أافريقيا برس” أن يكون قرار المصادقة بغرض الإنتقام من المؤتمر الوطني ورموزه عن طريق المحكمة الجنائية الدولية لجهة أن الحكومة بها تيارات يسارية تهدف للإنتقام ، مستدركا ، لكن التيار الأساس في حكومة حمدوك يرغب في التماهي مع المجتمع الدولي وكسب ثقته والتحالف معه وفعل كل ما يساعد على ذلك وهو الأمر الذي جعله بحسب الفاتح أن يتبنى المصادقة على ميثاق روما لإرضاء الإتحاد الأوروبي وفرنسا. وتابع ، أما أمريكا فهي ليست مهتمة بقصة الجنائية الدولية من الأساس.

إلتزام جوهري

البخاري الجعلي، خبير في القانون الدولي

الخبير في القانون الدولي البخاري الجعلي يذهب في حديثه لـ “أفريقيا برس” إلى أن قرار مجلس الوزراء بشأن المصادقة على قانون روما عمليا لا جديد فيه، كما إنه يعد تحصيل حاصل ولايستحق هذه الضجة ، وأوضح الجعلي ، أن الإجراء من المنظور القانوني يدخل في سياق المحافظة على السلم والأمن الدوليين ، مؤكدا عندما يقرر مجلس الأمن بشأن تدابير تحت الفصل السابع، فإن كل أعضاء الأمم المتحدة والتي من بينهم السودان يكونوا ملتزمون بتنفيذ تلك التدابير كما نصت عليها المادة 25 و48 من الميثاق ، وتابع كذلك من جانب آخر يمكن القول ، إن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية نصوصه تلزم الدول الأعضاء ، كما إنه يجب على هذه الدول أن تتعاون تعاونا كاملا مع مجلس الأمن، وبالتالي فإن دول الأعضاء يقع عليها التزام جوهري.

ختاما ، كان مجلس الأمن أحال التحقيق في جرائم الحرب في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية في عام 2005 ، وأصدرت المحكمة وقتها قرارا في مارس 2009 بالقبض على البشير واثنين من كبار معاونيه ، هما أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين واستندت على أن الرئيس المخلوع ، الذي اُطيح به من سدة الحكم في أبريل 2019، هو المسؤول الأول عن جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ، كذلك عادت المحكمة الجنائية في أكتوبر 2010 لتصدر مذكرة توقيف ثانية ضد البشير بتهم ارتكاب إبادة جماعية في دارفور ، في وقت ظلت حكومة النظام السابق ترفض اتهامات المحكمة ، وترى أن التقارير التي تتحدث عن حوادث قتل جماعي في دارفور غير صحيحة ، كما رفضت الإعتراف بالمحكمة وقالت إنها جزء من مؤامرة غربية.

1 تعليق

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here