هل تعود العلاقات السودانية التركية إلى مربع المصالح المشتركة؟

100

بقلم : أحمد جبارة

أفريقيا برسالسودان. حطت طائرة رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان رحالها في مطار أسطنبول في زيارة ليومين ، تلبية لدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. و رافق البرهان خلال الزيارة وزراء الدفاع يس إبراهيم يس، والخارجية مريم الصادق المهدي، والمالية جبريل إبراهيم، والزراعة الطاهر حربي، ومدير المخابرات العامة الفريق الركن جمال الدين عبدالمجيد، وعدد من المسؤولين السودانيين.

مباحثات ثنائية
وناقش الفريق البرهان مع الرئيس التركي عدد من القضايا أبرزها العلاقات الثنائية بين البلدين والتعاون المشترك، فضلاً عن بحث أزمة سد النهضة بين كل من السودان ومصر و أثيوبيا ، كما استعرض الجانبان الاتفاقيات الموقعة سلفاً بين الحكومتين والتي تبلغ 22 اتفاقية اقتصادية وسياسية.

وفي ختام المباحثات عقد الرئيسان مؤتمرا صحفيا حيث اثنى فيه رئيس مجلس السيادة الإنتقالي على المواقف التركية الداعمة للسودان خلال الفترة الانتقالية ودعمها للتغيير الذي أحدثه الشعب السوداني من الحرية والعدالة والسلام ، مشيرا إلى المكانة المرموقة التي تحتلها تركيا على المستوى الإقليمي والدولي. وقال البرهان إن قيم العدالة والحرية والسلام التي ينشدها السودان عبر ثورة ديسمبر جسدتها تركيا من خلال التعايش السلمي بين كافة مكوناتها المجتمعية ، فيما وصف البرهان زيارته إلى تركيا بأنها نقطة انطلاق لتوطيد دعائم التعاون والبناء الأخوي بين البلدين والشعبين الشقيقين ، متعهدا بإنزال الاتفاقيات التي وقعها السودان مع تركيا إلى أرض الواقع بما يعود نفعه علي السودان وتركيا.

ماذا قال أوردغان؟


من جانبه ، أوضح الرئيس التركي أن المباحثات تطرقت للعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والتحول الكبير الذي يشهده السودان بفضل ثورة ديسمبر ، وأشار الى الاتفاق على تفعيل أعمال اللجنة العليا واللجان الوزارية المشتركة وتطوير التعاون في مجالات الطاقة والصناعات الدفاعية ، وأكد أن أنقرة ستظل داعمة للسودان في المرحلة المقبلة خاصة في مجال البنى التحتية وسيبقى التشاور بين البلدين قائما لتحقيق المصالح المشتركة، وقال أردوغان أن السودان بلد صديق لتركيا ربطتهما ثقافات مشتركة منذ ماضي بعيد و أن الزيارة ستحمل البشرى لمرحلة جديدة في علاقات البلدين، وأضاف أن السودان في المرحلة التي يقودها البرهان حقق إنجازات كبيرة وسيصل الى مكانته المرموقة في القريب العاجل، وحث على ضرورة معالجة القضايا الحدودية بين السودان وإثيوبيا سلمياً بما يحقق الاستقرار في الإقليم.

تاريخ العلاقات
الشاهد أن العلاقات التركية السودانية ابان النظام السابق قد شهدت تطورا ملحوظا وتعاون مثمر في جميع المجالات ويرجع الأمر إلى التطابق الايديولوجي لدى النظامين إذ كلاهما يتبعان لمنظومة الاسلام السياسي ، كما وقّعت تركيا مع نظام عمر البشير عدة اتفاقيات تعاون في مجالات التعليم والزراعة والصناعة والتجارة وصناعة الحديد والصلب والتنقيب والطاقة والكهرباء، والذهب، وصوامع الغلال والصحة ، بيد إنه عقب الاطاحة بنظام البشير، شهدت العلاقات حالة من الجفاء، كما زاد التوتر حدة بعد إيواء تركيا عددًا كبيرًا من قادة الإسلاميين السودانيين، الذي فروا إليها بعد سقوط حكمهم، والسماح لهم بمعارضة الحكومة الانتقالية، وتسخيرها منصة إعلامية مناوئة للخرطوم ، لكن نائب رئيس مجلس السيادة الفريق حميدتي كسر الجمود في العلاقات بزيارته لتركيا وصفت وقتها بالمفاجئة ، ورافقه فيها ، وفد مكون من وزراء الزراعة والطاقة والثروة الحيوانية والنقل والتنمية العمرانية، واتفق الطرفان خلال الزيارة على تحديث الاتفاقات الموقعة بين البلدين دون ذكر تفاصيل.

لماذا الزيارة؟

الرشيد محمد أحمد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية

أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الرشيد محمد أحمد يذهب في حديثه لـ “أفريقيا برس” إلى أن زيارة البرهان إلى تركيا تأتي في سياق الإنفتاح الدولي التي تبنته حكومة الفترة الانتقالية ، لافتا إلى أن ذات الزيارة مراميها المصلحة الوطنية لجهة أن العلاقات تبنى على المصالح وليس الايديولوجيات ، متسائلا ، لماذا المكون العسكري هو أكثر حرصا على العلاقات مع تركيا مقابل المكون المدني الذي يمثل الجانب التنفيذي؟ قبل أن يجيب بنفسه قائلا : لان المكون المدني أسير للإيديولوجيات وينظر لتركيا بأنها إسلامية التوجه وأن هنالك عناصر من النظام السابق تأويهم تركيا. وبحسب الرشيد ، فإن هذه قضايا تدخل في إطار التنافس الحزبي ، مستدركا ، ولكن النظرة الاستراتيجية للمكون العسكري يعي عناصر قوة الدولة الشاملة لاسيما إذ نظرنا إلى مجمل الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع السودان ، مؤكدا أنها إتفاقيات مع دولة وليس مع نظام ، واستدل الرشيد بالإستثمارات التركية في السودان والتي أبرزها تمويل تركيا لكبري المك نمر ومشروع مياه المناقل. وأضاف ، كذلك بالمقابل فإن تركيا تحتاج للسودان في قضية القرن الأفريقي ولديها إستراتيجية مبنية على الإستقرار في كل من إثيوبيا والصومال لذلك تركيا تعتقد أن السودان القوي المستقر له القدرة على عمليات إسناد الاستقرار في الصومال والتي تهتم بها تركيا وكذلك إثيوبيا ، وتابع ، لذلك تعمل تركيا على إستنساخ تجربة إدارة مياه هضبة الاناضول في نهر دلجة والفرات وأن تستفيد هذه التجربه في سد النهضة لأن القضية ترى تركيا أنها قضية تقنية.

هرولة البرهان

صباح محمد الحسن، كاتبة وصحفية

لكن الكاتبة الصحفية صباح محمد الحسن لديها رؤية مختلفة عن الرشيد ، إذ ترى أن الزيارة لم تتجاوز الحديث عن إتفاقيات الإستثمار ، متسائلة بعد رفع إسم السودان من قائمة الارهاب وإنفتاحه العريض مع العالم في مجال الاستثمار ، هل هو بحاجة لسفر رئيس مجلس سيادته للبحث عن اتفاقيات إستثمارية في تركيا؟ و هل قام البرهان بزيارة أو لقاء بعض قيادات النظام المخلوع في تركيا، سراً كان أم علناً؟ وأضافت صباح في مقال لها : تركيا التي تريد ضمان وسريان اتفاقياتها مع النظام البائد فهي التي يجب أن ترسل وفودها إلى الخرطوم ولا نبالغ لنقول أن يزور رئيسها السودان ليلتقي البرهان ، وليس العكس ، فالعلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بين الدول بحسب صباح يجب وزنها من قبل الحكومة بكفتي ميزان العزة والكرامة التي تضاهي عزة شعبه وثورته ، وذلك حتى لانظل نقبع في دائرة (الدونية السياسية) التي صنعها المخلوع وأول أعراضها (الهرولة) إلى الدول للذي يستحق والذي دون ذلك.

زيارة عسكرية

تماضر الطيب ، أستاذة العلاقات الدولية بالجامعات السودانية

بينما ، ترى أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم ، تماضر الطيب ، أن زيارة البرهان إلى تركيا تأخد طابع عسكري في المقام الاول ، بجانب اتفاقيات تعاون ثنائية تشمل جانب إستثماري ، لذلك بحسب تماضر ، فهي زيارة للتعاون بين البلدين في عدة مجالات. وقالت تماضر لـ “أفريقيا برس” : إن زيارة الفريق البرهان إلى تركيا تعد زيارة لأكبر دولة حليفة للنظام السابق لجهة أن كل بقايا النظام البائد الآن يلجأون إليها ، مستغربة في ذات الوقت من عدم تطرق البرهان لهم ، وهذا يؤكد بحسب تماضر إلى أن الزيارة لم تتطرق لأي اتفاقيات قانونية بل ركزت فقط على الإستثمار التركي في السودان والعلاقات الثنائية.

 

 

زيارة اقتصادية

هيثم محمد فتحي، أستاذ الإقتصاد بالجامعات السعودية

من جهته يقول أستاذ الاقتصاد بالجامعات السعودية هيثم محمد فتحي في مجمل إفادته لـ “أفريقيا برس” : إن تركيا تسعى من خلال هذه الزيارة أن يكون لها سوق لمنتجاتها من المعدات والموارد الزراعية والتقنيات الزراعية في السودان، والتي بحسب هيثم ، فعلا يحتاجها القطاع الزراعي في السودان، منوها إلى إنه ومن خلال تلك الشراكة أيضا يمكن زيادة إنتاج محاصيل سودانية نقدية للسوق التركي لجهة أن السودان يتخصص في هذه الميزة التجارية ، وأضاف ، تركيا الان لديها امكانيات كبيرة في مجالات الزراعة والتصنيع الغذائي على صعيد تطوير الموارد البشرية والطبيعية وكفاءات التسويق ، لذلك السودان يمكن أن يستفيد منها وبالمقابل تركيا تستفيد منه.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here