بقلم : خالد الفكى
أفريقيا برس – السودان. سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ربما جعل العلاقات مابين الخرطوم وبكين تتدرج من قمة أولويات الحكومة السودانية الانتقالية، وهذا التدرج يرى مراقبون أن له مبررات ربما تكون واقعية ترتكز على المتغيرات الداخلية والدولية بالنظر للتنافس المحموم على منطقة القرن الإفريقي والتي يُعد السودان مفتاحها الرئيس، ولكن مؤخراً بدأت بكين خطواتها لتنشيط علاقاتها بالخرطوم وقدمت لها معدات وآليات عسكرية، فتحت الباب لتساؤلات بشأن هذا الغزل الصريح من خلال المؤسسة العسكرية.
استثمارات
ثمة ملفات علاقة ما بين السودان والغرب بشكل عام، كانت مدخلاً لـ “التنين الأصفر”، إلى أرض السودان والتي كانت تُعانى حصاراً سياسياً ودبلوماسياً و إقتصادياً، حيث مدت حكومة البشير يدها بقوة نحو الصين وفتحت أبواب الإقتصاد على مصرعيها.

عدد من المراقبون يجمعون بأن حكومة البشير كانت ذكية حينها، وهى تتوجه نحو دول آسيا الناهضة إقتصادياً خاصة الصين وإيران لحل عقدة الحصار الغربي. ويرى المختص بشؤون اقتصاديات الصين، الصحفي عبدالوهاب جمعة، أن الصين أكبر شريك اقتصادي للسودان، وتعد أكبر مستثمر أجنبي بالسودان بإستثمارات تفوق 20 مليار دولار معظمها بقطاع النفط. ونوه بانه رغم من التغيير الذي حدث بعد ثورة ديسمبر- أبريل 2018، والأزمة الاقتصادية التي ضربت السودان خلال أعوام 2018 و2019 و2020 و2021ـ فأن الصين لاتزال على قائمة أكبر شركاء السودان التجاريين. وأفاد جمعة خلال حديثه لـ “أفريقيا برس”، بأن حكومة الفترة الإنتقالية، تعتمد على الصين في تأهيل الموانئ السودانية.
وحازت الشركات الصينية على حصص كبيرة في أهم اتحادين نفطيين “كونستوريوم” في السودان، فالشركة الوطنية الصينية للبترول تساهم بـ 40% في شركة النيل الكبرى. وحسب آخر تقارير بنك السودان للربع الأول من العام الحالي (2021) فان الصين تعد ثاني شريك تجاري للسودان على مستوى الصادرات. وأضاف”بلغت الصادرات الى الصين (322) مليون دولار بينما بلغت الى الامارات (651) مليون دولار. لكن الصين تعد أكبر مورد للسودان بقيمة (572) مليون دولار تحل بعدها الامارات بـ (98) مليون دولار”. وتصل مديونية السودان لصالح الصين إلى نحو 2.5 مليار دولار.
وأوضح جمعة أن صادرات وواردات السودان تُعد مؤشر حيوي على تربع الصين على قائمة أكبر الشركاء التجاريين للسودان رغم التغيير والازمة الاقتصادية في السودان. ووفقاً لجمعة والذي يشغل منصب رئيس تحرير موقع المشهد الصيني، فأن العلاقات الاقتصادية بين الصين والسودان ستظل في زخمها الكبير نسبة لعوامل كثيرة منها ضخامة الاستثمارات الصينية في قطاع النفط والبنية التحتية. وتقدر استثمارات الصين في السودان بنحو 15 مليار دولار، بحسب آخر إحصائيات حكومية.
صراع الأحلاف
الموقع الاستراتيجي الذي يقع فيه السودان يجعل منه مرغوباً من قبل كافة دول العالم خاصة الدول الكبرى، وهذه أرضية النزاع الدولي على القرن الإفريقى حيث الموارد المتجددة وغير المستغلة. يُنظر للسودان أنه الأرض البكر التي مازالت تحتفظ بثرواتها وخيراتها، لذا نرى في كل مرة تجدد لصراع الأحلاف في المنطقة وداخل السودان من خلال المحاور الإقليمية والدولية.

الخبير في التعاون الدولي والحوكمة، الدكتور أحمد حسين يقول لــ “أفريقيا برس”، بأنه بعد الثورة السودانية تقدمت مساحة تقارب العلاقات السودانية الغربية، والتي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد والاوروبي مقارنة بالصين. وأشار حسين إلى ماتم كان خصم على دول الإقتصاديات الصاعدة خاصة بشرق آسيا، عازياً ذلك لإرتباط واشنطن بكل القضايا العالقة التي كانت موروثة من النظام السابق في السودان. ورأى أنه بعد الثورة وبسبب تشتت مسارات السياسة الخارجية ربما أغفلت الدبلوماسية وضع التنين الأصفر على قائمة الدول التي يمكن الإستفادة منها خلال الانتقال.
ويرى عدد من المحللين أن التقارب الأمريكي مع السودان لن يكون له تأثير في علاقات السودان بالصين، باعتبار أن بكين دائما ما قدمت مشاريع تنموية ذات جدوى للخرطوم ولم تكن ذات يوم مهتمة بمن هو في السلطة بقدر ما تبحث عن مصلحة الطرفين.
وقال حسين أن الحكومة الإنتقالية حالياً تمضي في إتجاه التطبيع مع الغرب لوجود مكاسب أكثر مقارنة بالصين، على رأسها إدماج السودان في الأسرة الدولية وحلحلة كافة عقبات الانتقال كما ترى. ويعتقد بأن الصين تمد يدها للسودان، وليس صحيح ما يُشاع بأن بكين تفرض اشتراطاتها على الدول تحقيقاً لأجنداتها الخاصة ولاتسمح بعلاقات موازية لها، مبيناً أن العلاقات بين الخرطوم وبكين لا يوجد فيها كاسب وخاسر. وحذر حسين الحكومة الإنتقالية من الدخول في أحلاف أو تكتلات بعينها ربما تدخل السودان في مأزق ترجيج كفة على كفة بما يٌخل بالميزان الدبلوماسي والعلاقات الخارجية، وأكد أن الصين حتماً ستكون مفيدة للسودان بالنظر إلى وضعها الدولي سياسياً أو أقتصادياً.
تعاون عسكري
هذا ويعتقد مراقبون إن الصين، إضافة لمساعدتها الخرطوم سابقاً في اقتناء الأسلحة من الأسواق العالمية بواسطة ما يدره النفط من عائدات، هي، أيضاً، مورد أسلحة رئيسي للسودان وتقوم بمساعدته على تطوير الإنتاج المحلي للأسلحة بتقديم التكنولوجيا والمساعدة.
الخبير الأمني والإستراتيجي الفريق حنفي عبدالله، يوضح لـ “أفريقيا برس”، أنه كما يقول الخبراء العلاقات الأمنية والعسكرية تأتي في قمة ما يربط الدول في مجال العلاقات الثنائية. وأضاف “باعتبار العلاقة الاستراتيجية التي نسجت خلال فترة نظام عمر البشير أرى أن إتجاه الصين البدء بالعسكري هو في هذا الاتجاه”.
يُشير إلى أن أول بيع أسلحة صينية مُعلن إلى السودان مولته إيران أيام حكم الصادق المهدي في العام 1989-1986 بنحو 300 مليون دولار أمريكي، عبارة عن طائرتين مروحيتين، و100 قنبلة قصف من ارتفاع عال زنة كل منها 1000، رطل، وكمية كبيرة من الذخيرة.
وأضاف عبدالله “أن هناك مساعي لاستعادة العلاقات بين الخرطوم وبكين بزخمها الإقتصادي والأمني والعسكري والسياسي ويرى أن الصين تبعث للدول التي لديها اهتمام استراتيجي بعناصر متمرسة ومن بينهم السفير الحالي بالخرطوم” الذي أكد أن بلاده مستعدة للوقوف مع الحكومة السودانية الجديدة عبر استراتيجيات تعزيز التعاون بين البلدين وفقا للمميزات الخاصة لكل دولة.