تباين كبير في آراء السودانيين بشأن المحاولة الانقلابية

128

بقلم : أحمد جبارة

افريقيا برسالسودان. أثار إعلان الجيش السوداني عن أحباطه لمحاولة انقلابية، جملة من التساؤلات، أهمها ما مدى حقيقة الانقلاب؟  ومن يقف خلفه؟ وكيف تم التخطيط له؟ ولماذا فشل؟

إعلان الانقلاب

أستيقظ السودانيون صباح الثلاثاء على نبأ محاولةٍ إنقلابيةٍ أعلنها التلفزيون الرسمي، قبل أن يؤكدها الجيش السوداني، عبر بيان قال فيه: ” تم إحباط محاولة انقلابية والأوضاع الآن تحت السيطرة”،  فيما دعا عضو مجلس السيادة الانتقالي؛ محمد الفكي سليمان المواطنين إلى الخروج للدفاع عن البلاد والفترة الانتقالية وقال في تدوينة على صفحته على “فيسبوك”: ”هبوا للدفاع عن البلاد و حماية الانتقال”، قبل أن يطمئن في تدوينة أخرى و يقول : “الأمور تحت السيطرة و الثورة مستمرة”، في وقت تداول فيه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر انتشار دبابات تابعة للقوات المسلحة بمدخل إحدى الجسور.

محاولة خبيثة

ما إن تم الإعلان عن المحاولة الانقلابية، حتى بدأت ردود الفعل تتوالى، فعلى الصعيد الدولي أدانت دول ومنظمات حقوقية المحاولة، كما اعتبرتها قوى سياسية في السودان بأنها محاولة خبيثة لإعادة السودان إلى المربع الأول.

موقف الحكومة

في السياق ذاته، قال وزير الثقافة والإعلام حمزة بلول، إنه تمت السيطرة فجر الثلاثاء على محاولة انقلابية فاشلة، قامت بها مجموعة من ضباط القوات المسلحة من فلول النظام البائد، وأكد بلول في بيان له، أن الحكومة الانتقالية والأجهزة النظامية تعمل بتنسيق تام، وأضاف: “نطمئن الشعب السوداني أن الأوضاع تحت السيطرة التامة، حيث تم القبض على قادة المحاولة الانقلابية من العسكريين والمدنيين ويتم التحري معهم حالياً، بعد أن تمت تصفية آخر جيوب الانقلاب في معسكر الشجرة”.

ماذا قال حمدوك؟

أما رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، قال على هامش الاجتماع الاستثنائي الذي عقده مجلس الوزراء السوداني عقب الإعلان عن إحباط المحاولة الانقلابية؛ إن تلك المحاولة الفاشلة هي “درس مستفاد” منه، مشيراً إلى أنها كانت تستهدف الثورة، وتسعى لتقويض المسار الديمقراطي، متهما “فلول النظام السابق” من داخل وخارج القوات المسلحة، بالتدبير لها على حد قوله.

البرهان على الخط

البرهان في زيارة لسلاح المدرعات بعد فشل محاولة الانقلاب

في الأثناء زار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان برفقة نائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” سلاح المدرعات في الخرطوم حيث التقى بالقادة والجنود، وفقا لما أظهرته صور نشرها إعلام مجلس السيادة عبر فيسبوك، ودعا البرهان القوات المسلحة للمحافظة على وحدتها وسلامة الانتقال السياسي في البلاد وصولا إلى تسليم مقاليد الأمور لحكومة ينتخبها الشعب، وشدد البرهان في أول خطاب له بعد إعلان الجيش إحباط المحاولة الانقلابية؛ على أن القوات المسلحة هي التي ستحمي الفترة الانتقالية، وأضاف إن المكون العسكري في الحكومة الانتقالية على استعداد للجلوس مع جميع الأطراف والقوى الوطنية لمناقشة كل القضايا لإنقاذ البلاد، ولم يوجه البرهان أصابع الاتهام لجهة سياسية بعينها حول ضلوها في المحاولة الانقلابية، قبل أن يثمن جهود ضباط المدرعات في التعامل بحكمة مع المحاولة الانقلابية، مؤكد أنهم جنبوا البلاد أرقة الدماء.

اجتماع مجلس الأمن والدفاع

مساء الثلاثاء، عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن والدفاع برئاسة عبد الفتاح برهان لاستعراض الموقف الأمني في البلاد بعد محاولة الانقلاب، وذكرت وكالة الأنباء السودانية “سونا” أن الاجتماع عقد بعد أن وردت لدى الأجهزة الأمنية معلومات بالتخطيط والتنفيذ لمحاولة انقلابية بقيادة اللواء ركن عبد الباقي الحسن عثمان “بكراوي” ومعه 22 ضابطاً آخرين برتب مختلفة وعدداً من ضباط الصف والجنود، وأوضح وزير الدفاع ياسين إبراهيم  في تصريح صحافي أن “التحريات والتحقيقات الأولية للمحاولة الانقلابية أشارت إلى أن الهدف منها كان الاستيلاء على السلطة وتقويض النظام الحالي للفترة الانتقالية”، وقال: “تمت السيطرة الكاملة على المحاولة والقبض على كل المشاركين الذين وردت أسماؤهم في التحقيقات ويجري استكمال استجواب هذه المجموعة لبيان تفاصيل هذه المحاولة”، مؤكداً أنه تم إجهاض المحاولة في زمن وجيز، بيقظة وتضافر الأجهزة الأمنية، وذلك دون حدوث أي خسائر في الأرواح والممتلكات.

تشكيك في المحاولة

العميد ياسر أحمد الخزين، الناطق الرسمي بإسم قوات السلام السودانية

خلال حوار أجرته “أفريقيا برس” مع الخبير العسكري ياسر أحمد الخزين والحديث عن عدم وجود محاولة انقلابية، قال: “إن تعقيدات المشهد السياسي داخليا وخارجيا لاتجعل عاقلا يفكر في انقلاب خلال هذه المرحلة، مع ما صاحب عملية تنفيذها، فلا يعقل أن وحدتين من وحدات القوات المسلحة تقومان بانقلاب، أضف لذلك ماتردد من أنباء عن زعم أحدهم أن مجموعة من العسكريين والمدنيين طلبوا تشغيل موسيقى عسكرية بتلفزيون السودان ورفضه لهم”.

وطرح الخبير العسكري تساؤلاً مشككاً فيه بجدية عملية الانقلاب قائلا: “كيف تخطت المجموعة كل القوات الموجودة بل الاستقبال مع عدم القبض والتحفظ على أعضاء المجلس السيادي من العسكريين أو مجلس الوزراء، بجانب استعجال الناطق باسم الحكومة المدنية وإعلان الانقلاب وإتهام جهة بعينها ووقوفها خلف الانقلاب واستباق جهة الإختصاص المعنية بالشأن وهي الجانب العسكري، وأضاف:  “وإذا غضضنا الطرف عن كل ذلك، كيف لشخص يمتطي ظهر دبابة ويتمرد على دولة ويعلم يقينا أن مصيره “الدروة”، كيف يستسلم ليضع أياديه بالكلباش؟”.

وختم الخزين قائلا: “يقيني من وراء الأكمة ما بعدها، وأشتم رائحة طبيخ على نار هادئة بين مكوني الحكومة من الشقين المدني والعسكري نسأل الله الأمن والاستقرار والسلام لبلادنا”.

لماذا الانقلاب؟

الفاتح محجوب، أستاذ العلاقات الدولية

لكن المحلل السياسي الفاتح محجوب يذهب بعيدا عن حديث الخزين، إذ يؤكد لـ”أفريقيا برس”؛ أن المحاولة الانقلابية حقيقية كما تبين لاحقا، منوها إلى إنه عمل عسكري محدود قام به ضباط متذمرون من الوضع المعيشي الخانق ومن الوضع الراهن للقوات المسلحة التي باتت لا تمتلك حصانة لجنودها المكلفين بحماية مواقع استراتيجية مثل القيادة العامة، ويضيف؛ مايؤكد أن الانقلاب هو ما جاء في تسجيل مسرب لقائد الانقلاب اللواء عبدالباقي حسن بكراوي والذي قال إن له رأياً في وجود قوات الدعم السريع ومع ان بيانات المكون المدني في الحكومة جاءت متعجلة بالصاق تهمة التخطيط للانقلاب لقادة النظام البائد إلا ان المكون العسكري اختلف معها اذ إنه وفق ما جاء في بيانات القوات المسلحة فإن الضباط لا يقف خلفهم اي تنظيم سياسي وهذا يتفق تماما مع آراء قائد الانقلاب في التسجيل المسرب اذ أنه أوضح انه ينطلق من رؤية مستقلة ومن غيرة مهنية لا من خلال تبنيه لأي توجهات سياسية، ولذلك كان الانقلاب فاشلا منذ البداية لانه أفتقر للتخطيط المتكامل مع الأجهزة الإعلامية وفشل في أن يسيطر على الجسور أو على القيادة العامة، بل فشل حتى في التحرك خارج قيادة المدرعات التي سيطر عليها بحكم أن قائد الانقلاب هو نفسه قائد المدرعات بالإنابة.

وتابع محجوب: “أفضل ما في هذا الانقلاب أنه بدأ سلميا وانتهى سلميا بالمفاوضات والسبب يرجع إلى كونه فعل تذمري في حقيقته أكثر من كونه انقلاباً فعلياً، بمعنى أن منفذيه لم يقصدوا فعلا الاستيلاء على السلطة بل فرض شروط ما على القيادة العسكرية غالبا تتعلق بمطالب مهنية أكثر من كونها سياسية وربما لو لم يعلن المكون المدني عن الانقلاب لربما لم يسمع به أحد لأن طبيعة ما تم من إجراءات حقيقية على الأرض كان محدودا جدا ووسيلة ضغط أكثر من أن يكون تحركاً بقصد الحصول على السلطة، والأيام القادمة كفيلة بكشف الكثير عن خفايا هذا التحرك العسكري المحدود الذي تمت تسميته بالانقلاب الفاشل”.

بيئة مواتية للانقلاب

الفريق حنفى عبدالله، خبير استراتيجي وأمني

الخبير الاستراتيجي والأمني الفريق حنفى عبدالله اعتبر ان منفذي المحاولة الانقلابية حاولوا الاستفادة من سوء الأوضاع الاقتصادية وحالة السيولة الأمنية التي تمر بها البلاد، بجانب أحداث شرق السودان، واعتبارها بيئة مواتية لنجاح المحاولة، لافتا إلى أن نجاح أو فشل أي محاولة انقلابية يتوقف على مدى الحراك والدعم السياسي الذي تتمتع به، مستدلا بأن ذلك كان واضح منذ عهود بعيدة في تاريخ الانقلابات بالسودان، وأشار إلى ان التحقيقات ستكشف عن الذراع السياسي المتورط في هذه المحاولة وعما اذا تورطت جهة خارجية أو لا.

وعن سبب فشل الانقلاب، أرجع عبد الله الفشل للعمل الاستخباراتي الإستباقي حسبما ظهر من خلال الإعتقالات التي تمت للمشاركين في المحاولة بمعنى أن السلطات كانت فطنة ومتحسبة ومراقبة للأوضاع، مشيرا في حديثه “للانتباهة”؛ إلى إنه تمت عملية اعتقالات لأشخاص كانوا بصدد المشاركة في المحاولة الإنقلابية وينتمون لفرق أخرى غير المدرعات، وأضاف: ” الواضح أنه في السنوات السابقة تمت اجراءات أمنية بتوزيع المدرعات بين الفرق المختلفة مما حال دون نجاح المحاولة وكشف بأن هذه المحاولة قام بها أشخاص يفتقدون للخبرة مما أسهم في إجهاضها بهذه السرعة”.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here