بقلم: خالد الفكى
أفريقيا برس – السودان. اعتبر البعض خطاب رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك بـ”صب الماء البارد على الرؤوس”، واعتبر آخرون الخطاب الذي جاء إستباقاً لمواكب 16 أكتوبر، بأنه من ثنايا الدبلوماسية، ويحمل القوة في أجمل التجليات، لتتعدد القراءات لمتن الخطاب مابين مُشيد وناقد، مع شبه إجماع من المراقبين بأن حمدوك وضع نفسه على مسافة واحدة من الجميع ورسم خارطة طريق تجعل كل الاطراف في مأزق بعدم الإقبال عليها.
مطالب العسكر
حملت كلمات الخطاب بين السطور مؤشرات لكل مشكلات الراهن السياسي، وأبدى البعض سخرية من لغة المخلوع البشير التي سميت إعلامياً بـ”البركاوي”، وسلسة اللغة الحمدوكية بحسب وصفهم.
ووفقاً لمراقبين فإن مناصري النظام البائد توقعوا صدور قرار بحل الحكومة تلبيةً لطلب البرهان كما تسرب في منصات التواصل، ولكن لم يحدث هذا.

في المقابل الباحث في الشؤون السياسية، الدكتور الطاهر حسن الطاهر يقول لـ’’أفريقيا برس’’: ” تحدث حمدوك باعتبار لقاعدته الشخصية دون عباءة قوی التغيير”.
كما يؤكد الطاهر أن حمدوك تحدث بشخصية المحايد الذي يلعب دور الوسيط لحل الأزمة القائمة بين المكونيين العسكري والمدني.
ونوه لإقرار رئيس مجلس الوزراء بوجود أخطاء في قرارات لجنة التمكين تستوجب المراجعة، مع ضرورة قيام المحكمة الدستورية والبرلمان والمجالس التشريعية.
وأضاف الطاهر:” هي نفس مطالب المكون العسكري”، مشيراً إلى تأكيد حمدوك بالمضي في إجراءات التحول الديمقراطي.
هذا وقال حمدوك “إن تفكيك نظام الإنقاذ هدف وطني، كما أعلن التمسك باصلاح المنظومة العسكرية”.

وبشأن العلاقة بين حمدوك والمكون العسكري يوضح الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية اللواء أمين اسماعيل، بأن الرجل بعث برسائل إيجابية للعسكر.
ونوه إسماعيل خلال حديثه لـ’’أفريقيا برس’’، بضرورة قرن القول بالفعل من قبل حمدوك عبر منع قيادات الحرية والتغيير من التعدي اللفظي على النظاميين.
وشدد بأن يكون هناك تنسيق وتفاهم مابين المكونين العسكري والمدني بشأن إجراءات إعادة الهيكلة والتفكيك بعيداً عن البروباغندا.
وأفاد إن الشروع الفعلي في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية سيحمل الكثير من الجدل الدائر حالياً في المشهد السياسي ويقود لمثل تلك المخاشنات.
حمدوك في خطابه شدد بعدم السكوت على أي فعل إنقلابي على الثورة، وضرورة تنفيذ بنود الوثيقة الدستورية، مؤكداً بقطع طريق الواهمين حسب حديثه.
وقال أمين سر قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي علي الريح السنهوري، بأن عناصر في مجلس السيادة تغلّب مصالح ضيقة. وأضاف السنهوري:” وتستقوي بالعدو الصهيوني والقوى الميتة في المجتمع لإعاقة تصفية ركائز التمكين والتحول الديمقراطي”.
وتر الأزمة

الكاتب الصحفي أحمد قاسم البدوي، يصف خلال حديثه لـ’’أفريقيا برس’’، خطاب حمدوك بــ”الخبث والمناورة”، ويقر بأنه خطاب ذكي جدا، منقوط الأحرف بعناية فائقة ومكر ودهاء شديدين.أ
وأضاف البدوي:” من جانبه نجح في العزف على وتر الأزمة بمهارة والخروج منها كمحايد ليس طرفا فيها”.كما يعتقد بأن حمدوك من خلال خطابه أستخدم “عصا الأستاذية”.
وأضاف البدوي خلال حوار مع ’’أفريقيا برس’’: “وضع العسكر والمكون المدني في خانة التلاميذ المشاكسين بالخبث والدهاء”.
وقال حمدوك “إن محاولات نشر الأحاديث عن الفشل أو زرع الإحباط لم تعد سلعة تصلح في وقت استقر فيه سعر الصرف، وتوفرت فيه الاحتياجات الضرورية”.

في المقابل أستاذ الاقتصاد بجامعة الخدمات والتجارة في بولندا والمحلل السياسي البروفيسور نجم الدين كرم الله، يقول لـ’’أفريقيا برس’’: “الخطاب وُجه للنخب السياسية وليس للشعب”.
وأضاف كرم الله إن “ضرورة المرحلة جعلت الرجل لا يتعمد المواجهة المباشرة رغم التأكيد على ضرورة الانتقال السلمي ولكنه لم ينحاز لطرف دون الآخر”.
وأعاب كرم الله على حمدوك إخفاقه نقطة تسليم العسكر رئاسة المجلس السيادي في موعده وفقاً للوثيقة الدستورية، إضافة إلى عدم نقده إغلاق الطرق والموانئ في شرق السودان.
وأضاف كرم الله: ” خطاب حمدوك أثبت أنه رجل دولة يسعى لطي خلافات الجميع رغم بعض الملاحظات”.
وأشار استاذ الاقتصاد بجامعة الخدمات والتجارة في بولندا، بأن خارطة طريق “حمدوك” في إنتظار إقبال أهل الثورة قبل الآخرين للخروج من النفق المظلم.

وفي السياق يؤكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، محمد حامد جمعة نوار؛ أن حمدوك منح في خطابه الجميع اوراقاً وأمسك في الوقت نفسه بأوراق الجميع.
وقال نوار لـ’’أفريقيا برس’’: “الأهم أنه وللمرة الأولى يبرز في دور رئيس الوزراء الذي يمكن أن يقرر وأن يحسم اذا أراد” مضيفا: “هي نقطة يجب أن تكون في حسابات كل الاطراف”.
دعم الشارع
يقول حمدوك: “يجب أن ننهي كل أنواع الشقاق بين مكونات الحرية والتغيير، لتوسيع قاعدة الانتقال، لتكون قادرة على استيعاب كل قوى الثورة”.

ويُشير الصحفي والمحلل السياسي، عزمي عبد الرازق؛ بأن حمدوك دائماً يترك المجال مفتوحاً لأقصى مدى، ليهلك من هلك على غير بينة.
وأفاد عبد الرزاق خلال منشور له: ” الملاحظة الجديرة بالأخذ أنه -أي حمدوك- يحرص بتذاكي بات مفضوحاً، على الخروج في خطابات تلفزيونية في الليلة تعقبها دعوات لتظاهرات”.
وأضاف: “أو مواكب يشعر بأنها تشكل خطراً عليه، أو خطراً على حاضنته، فيتحدث طويلاً دون أن يقول شيئاً، فقط يشغل المحل بحركة المُناسبة”.
وأشار عبدالرازق أن “حمدوك في مجمل خطاباته المتلفزة تظهر قدراته، أو بالأحرى جيش المستشارين حوله، بمهاراتهم الصحفية، في تشخيص الأزمة، دون طرح حلول لها”.
وأوضح “أنه في أفضل تجلياته يلتمس الأعذار لحكومته، مثل ظروف الانتقال الصعب، والتحديات الاقتصادية التي تستوجب الصبر”.
وقال حمدوك “رسالتنا لكل أطراف السلطة الانتقالية، إن الأوطان لا تبنى بالحزازات الشخصية والانفعالات العابرة، بل تبنى باحترام القوانين والمؤسسية وتقديم التنازلات”.
ويرى عبدالرازق إن أكثر ما يتجنبه حمدوك هو الإشارة لمواقيت وجداول زمنية يمضي بها نحو أهدافه، كالإجابة على سؤال متى؟ متى ينصلح الحال؟ متى يتوفر الخبز والدواء؟.
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، محمد حامد جمعة نوار، يختلف مع عبدالرازق، ويعتقد أن الخطاب من أذكى خطابات حمدوك وأقواها وأفضلها.
ولفت نوار لمحددات اللغة، والأفق الذي يفتحه والإحاطة بظرف سياسي ملتهب، مضيفاً “الرجل ببساطة أجرى عملية ترسيم ووضع علامات بين أطراف الأزمة الثلاثة”.
وأشار إلى المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير “أ” والحرية والتغيير “ب”، حيث ثبتت بذلك حقوق كل طرف ورؤيته وارتكازه على الأرض.
ويوضح بأن “حمدوك أبطل توتر حسابات الخسارة عنده وهو كذلك قبل تحفظات كل طرف وعالجها بمعطى خاطب شواغل العسكر حول المهددات الأمنية الداخلية والخارجية وعدم جعل تلك القضايا في سوق العرض المفتوح، وأظنه يلجم بذلك تيار التفكيك والهيكلة”.
نوار أشار لحديث حمدوك أنه “للمرة الأولى تحدث عن الانتقال الديمقراطي بالانتخابات بقيد زمني لا يتجاوز العامين وتبعات ذلك من تجهيزات”.
ويرى أنها نقطة بخلاف الشعب والأطراف التي تريد مد الانتقالية ويمكن إعتبارها ورقة في بريد الخارج الداعم لهذا التوجه.
نوار يعتقد بأن حمدوك بدأ أقرب ما يكون للرابح الوحيد حتى الآن من الأزمة الحالية مع عدم خسارته كيفما انتهت لهذا الطرف او ذاك او خلصت إلى تسوية بالتراضي.
ويؤكد بأن الرجل يدخل المرحلة المقبلة بكل الفرص لشخصه، وسيحرص الجميع بأن يكون هو الأساسي وبدعم لن ينكر من الشارع الذي استعاد المبأداة فيه.