عروة الصادق: لا حوار مع من فجّر الحرب وأجهض الثورة

4
عروة الصادق: لا حوار مع من فجّر الحرب وأجهض الثورة
عروة الصادق: لا حوار مع من فجّر الحرب وأجهض الثورة

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. أكد القيادي في تحالف “صمود” عروة الصادق أن الحرب في السودان ليست معركة ضد التمرد، بل انقلاب على الثورة يقوده الإسلاميون لاستعادة السلطة. وقال إن الحديث عن الحوار مع الإسلاميين محاولة لشرعنة وجودهم دون محاسبة.

وأضاف في حديثه مع “أفريقيا برس”، أن أي تسوية حقيقية يجب أن تبدأ بتفكيك بنية الحرب، لا بمكافأة من أشعلوها. وشدد على أن الحل لا يكون بإقصاء قوى الثورة، بل بتمكينها من قيادة مسار مدني ديمقراطي. كما أوضح أن منع تجديد جوازات قيادات صمود هو انتقام سياسي تمارسه بقايا النظام البائد، مؤكدًا أنهم مستمرون رغم القمع.

كيف تعلّق على حديث أحمد هارون عندما قال إنهم دعموا الجيش وحاربوا معه من أجل بقائهم في السلطة؟

هذا التصريح ليس مجرد زلّة لسان أو تقدير سياسي خاطئ، بل هو إقرار خطير ومكشوف بأن ما يجري في السودان منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل ليس معركة لحماية الدولة، وإنما صراع واضح تقوده مكونات النظام البائد – وعلى رأسهم الإسلاميون – لاسترداد سلطتهم التي أسقطها الشعب بثورته المجيدة.

حين يُصرّح أحمد هارون، المطلوب للعدالة الدولية، بأنهم دعموا الجيش للحفاظ على السلطة، فهو لا يتحدث عن “الجيش كمؤسسة وطنية”، بل عن تحالف داخل الجيش يمثل امتدادًا عضويًا للنظام البائد، ويعمل على إعادة تشكيل السلطة وفق شروط ما قبل الثورة. وهذا اعتراف يفضح زيف الرواية الرسمية التي حاولت تسويق الحرب كحرب ضد التمرد، بينما كانت في حقيقتها حربًا ضد الثورة، ضد المدنية، وضد التغيير.

نحن لا نتحدث هنا عن “دعم سياسي” فحسب، بل عن مشاركة تنظيمية وفكرية ومالية وعسكرية، عبر شبكات الإسلاميين التي أُعيد تنشيطها داخل مؤسسات الدولة منذ انقلاب البرهان وبرعاية مباشرة منه، وبدعم مباشر من بقايا الحركة الإسلامية التي لم تقبل يومًا بخسارة سلطتها.

تصريح أحمد هارون لا ينبغي أن يُقرأ كموقف فردي، بل كمستند اتهام صريح يستوجب التحقيق والمحاسبة، ويضع الحرب السودانية في سياقها الحقيقي: انقلاب على الثورة بسلاح الدولة وبأجندة التنظيم المنحل.

إن كان الإسلاميون والمؤتمر الوطني هم من أشعلوا الحرب.. لماذا لا تريدون الحوار معهم حتى تقف الحرب؟

دعنا نبدأ من الحقيقة الجوهرية: لا يمكن أن يُطلب من ضحايا الجريمة أن يتحاوروا مع الجناة تحت تهديد السلاح، خاصة حين تكون الجريمة ما تزال مستمرة. فالإسلاميون لم يشعلوا الحرب فحسب، بل سعوا من خلالها إلى تصفية ثورة ديسمبر، واغتيال رموزها، ومحو ذاكرتها، وتدمير قواها، وإعادة هندسة الدولة على مقاسات مشروعهم الإقصائي، تحت كنف الفساد والاستبداد وببندقية الجيش السوداني.

والحديث عن “الحوار معهم” هو محاولة لشرعنة وجودهم وإعادة دمجهم سياسيًا دون مساءلة ولا محاسبة، وهو ما يتناقض مع أبسط مبادئ العدالة الانتقالية. نحن لا نرفض الحوار من حيث المبدأ، ولكننا نرفض أي حوار يعيد إنتاج الأزمة، ويقفز فوق دماء الشهداء وأشلاء المدن المدمرة.

ثم لنسأل: ما هو شكل السودان الذي يطرحه هؤلاء كبديل؟ إنه دولة أمنية مركزية، بلا ديمقراطية، بلا تنوع، بلا محاسبة، تحكمها ذات الشبكات التي ارتكبت جرائم إبادة وفساد ممنهج على مدى ثلاثين عامًا وخمس سنوات عجاف. فهل يُعقل أن يُطلب منا أن نتحاور مع من يرى في الحرب وسيلة مشروعة لاستعادة السلطة؟

الحل في السودان لا يبدأ من صفقة مع من صنعوا الحرب، بل من تفكيك بنيتها، ونزع أدواتها، وبناء عملية سياسية شاملة تقودها قوى الثورة والقوى الوطنية المدنية الرافضة للحرب، لا من لوثت أيديهم بدماء السودانيين.

خلال أيام سيتم انعقاد اجتماع للرباعية تحت الرعاية الأمريكية.. برأيك، هل هذا الاجتماع سيخترق جدار الأزمة السودانية ويوقف الحرب؟

من حيث المبدأ، أي جهد دولي جاد يسعى لوقف الحرب وإنقاذ السودان من الانهيار نرحّب به، لكن السؤال الحقيقي لا يتعلق بـ”الاجتماع” كحدث، بل بجدية الإرادة الدولية، وبطبيعة الأطراف التي يُراد تمكينها من الحل. فالرباعية (أمريكا، السعودية، الإمارات، وبريطانيا) تتحمّل مسؤولية أخلاقية وسياسية مضاعفة، لأنها كانت جزءًا من ترتيبات ما بعد الثورة، وشريكة – بالصمت أو بالتواطؤ – في الانقلاب الذي مهّد لهذه الحرب.

وإذا أرادت هذه الدول أن تلعب دورًا حقيقيًا، فعليها أن تتجاوز عقلية “إدارة الأزمة” إلى العمل الجاد على معالجتها من جذورها، عبر دعم مسار سياسي شامل لا يقفز فوق الثورة ولا يعيد إنتاج قوى الحرب والخراب.

وهل سينجح الاجتماع؟

هذا مرهون بأمرين:

أولًا، الاعتراف بأن هذه الحرب ليست صراعًا بين جيش وتمرد، بل انهيار سياسي ناتج عن انقلاب عسكري أعاد تمكين الإسلاميين داخل الدولة، ويستوجب إنهاء حالة الانقلاب وتفكيك بنية النظام الأحادي الذي يسعى للهيمنة على البلاد واستعادة كرسي السلطة.

ثانيًا، الاستماع بجدية إلى صوت قوى الثورة الحقيقية، لا تمثيل مصالح العواصم الإقليمية عبر واجهات مدنية مزيّفة أو تحالفات نفعية، خصوصًا من فلول النظام السابق وسدنة انقلاب أكتوبر 2021 الذين يحاولون شرعنة الوضع الحالي.

وإذا كان الهدف من الاجتماع هو فرض تسوية نخبوية تضمن مصالح اللاعبين العسكريين والإقليميين، فسيكون مجرد محطة أخرى لإعادة تدوير الأزمة. أما إذا كان هدفه تفكيك بنية الحرب وإعادة بناء مسار مدني ديمقراطي بقيادة السودانيين، فحينها يمكن الحديث عن اختراق حقيقي لجدار الأزمة.

وهل ستشارك حركة صمود في الاجتماع؟

سواء شاركت صمود أم لم تشارك في الجلسات، فإن رؤيتها السياسية مكتوبة وواضحة، وقد تم تسليمها رسميًا إلى الرباعية الموسعة، بما في ذلك قطر وبريطانيا؛ فالجميع لا يخوضون هذا الصراع بحثًا عن المقاعد أو الشرعيات الشكلية، بل دفاعًا عن جوهر المشروع الوطني الذي يحفظ وحدة السودان وعدالة قضيته.

صمود وغيرها قدموا رؤية متكاملة، مجتمعين أو منفردين، تبدأ من الوقف الفوري للحرب على أسس جادة، مرورًا بترتيبات انتقالية مدنية جديدة، وتصل إلى عملية سياسية تُؤسّس لدولة ديمقراطية تشاركية تنهض على ركام هذه الكارثة. ورؤيتنا ليست رد فعل، وإنما مبادرة استراتيجية واضحة المعالم، وقد أصبحت اليوم على طاولة كل الأطراف الفاعلة، ونرى هناك أيضًا من تتطابق رؤاه معها.

إن حضرنا، فنحن شركاء في القرار، وإن لم نحضر، فمشروعنا حاضر. أما من يظن أن غياب قوى الثورة عن مقعد التفاوض يعني تغييبها عن المشهد، فهو لم يفهم بعد أن الثورة لا تُدار من القاعات، بل من ميدان الشعب وإرادته التي لا تقبل أن تُختطف مرة أخرى.

أصدرتم بيانًا بشأن منع قيادات في “صمود” من تجديد جوازاتهم من قبل السفارات السودانية في عدد من الدول.. برأيك من يقف وراء هذه الخطوة؟ ولماذا؟ وكيف تعالجون هذا الأمر؟

من يقف خلف هذه الخطوة هو ذات العقل الأمني الذي ما زال يختطف مؤسسات الدولة، ويديرها بعقلية القمع والانتقام السياسي. هذا القرار، وغيره من القرارات التعسفية، لا يصدر من مؤسسات دولة سيادية تُدار وفق القانون، وإنما من جيوب النفوذ المتبقية داخل الدولة العميقة، وتحديدًا من كوادر النظام البائد الذين عادوا للتمكين بعد انقلاب 25 أكتوبر.

القضية ليست “جواز سفر”، بل محاولة لقطع أوصال الفعل الثوري، ومعاقبة من يرفعون الصوت ضد الحرب والديكتاتورية. والهدف هو ترهيب قيادات المقاومة، وتجفيف مصادر دعمها، وتضييق حركتها الدولية، في ظل ساحة سياسية يتم فيها التلاعب بالمواطنة كأداة للانتقام.

أنا شخصيًا – كمثال – تم منعي من السفر منذ انقلاب أكتوبر 2021 بورقة خطية من مكتب البرهان، وتم تجديد البلاغات الكيدية ضدي بتوقيع مباشر من الفريق البرهان، وتحركت النيابة العامة لتنفيذها تحت ضغط عناصر المؤتمر الوطني المندسين في أجهزة الدولة، الذين يحظون بحماية شخصية من رأس الدولة نفسه. هذه ليست حالات معزولة، بل سياسة ممنهجة.

أما كيف نعالج هذا؟

فبثلاث أدوات رئيسية:

1. الفضح السياسي والإعلامي لهذا التواطؤ، وكشف من يقف خلفه داخليًا وخارجيًا.

2. التحرك القانوني والحقوقي عبر منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية، لكشف الطابع الانتقامي لهذه الإجراءات.

3. تفعيل التضامن الشعبي والوطني، والربط بين هذه السياسات القمعية وبين المشروع الاستبدادي الذي يسعى لإسكات صوت الثورة.

لكن البعض يرى أن خطوة السفارات بمنع تجديد الجوازات صائبة، لأن “صمود” متهمة بالتحالف مع الدعم السريع، الذي ارتكب فظائع في حق الشعب السوداني؟

هذا محض افتراء سياسي رخيص، لا يسنده منطق ولا واقع. فنحن – في السودان – لم نغادر أوطاننا، ولم نكن يومًا طرفًا في أي محور مسلح، حتى الذين خرجوا، لم يخرجوا إلا بعد شهرين أو ثلاثة، بعد أن تم التضييق عليهم وقصف بعضهم بالطيران. وشخصيًا أتحدث إليك من أم درمان، من قلب وطن يحترق، ولم أبرحه يومًا. فأين هذا “التحالف” المزعوم؟ وكيف يُتَّهم من يقاتل من أجل وقف الحرب بأنه جزء منها؟

هذا الاتهام جزء من حملة تشويه ممنهجة، وسردية الحرب التي تقودها بقايا النظام البائد لتشويه كل صوت ثوري مستقل لا ينحاز للعسكر، ولا يخضع لابتزاز المنظومة الأمنية. وحين تنكشف ورقة “الجيش الوطني” باعتباره أداة لقوى سياسية إقصائية، تبدأ ماكينة التخوين بالعمل، لأنهم لا يستطيعون مواجهة خطابنا بالحجّة، فيلجأون إلى السلاح الوحيد الذي يجيدونه: تلفيق التهم والتزوير.

نحن لا نتحالف مع من يرتكب الفظائع، بل نطالب بالعدالة لكل من ارتكب جرمًا، سواء تحت راية الدعم السريع أو الجيش أو أي تشكيل آخر. لا نقدّس أحدًا، بل نطالب بمحاكمة الجميع وفق قانون وطني نزيه، في إطار عملية عدالة انتقالية شاملة تطال إجراءاتها حتى ساحتنا، ونحن مستعدون للمثول أمامها. ولكن من يرفض وقف الحرب هو من يحول دون نصب موازينها.

والاختباء خلف شماعة “أننا متحالفون مع الدعم السريع” هو تهرب من مواجهة الحقيقة: أن من أشعل الحرب وأدخل السودان في أتون الخراب هو من يريد إقصاء الثورة، لا من يقاتل من أجل حمايتها.

هل يمكن أن تدخلوا في تسوية مع الجيش إذا وافق على إنهاء الحرب؟

نحن لا نبحث عن تسويات ثنائية تنقذ النخب وتترك الوطن غارقًا في مستنقع الدم والخراب، بل نبحث عن حل سياسي شامل، جذري وعادل، ينهي الحرب بالفعل، لا بالمناورات، ويعيد بناء الدولة على أسس جديدة، لا على توازنات السلاح.

وإذا كان المقصود بـ”الجيش” مؤسسة وطنية مهنية خاضعة للسلطة المدنية، فهذه هي رؤيتنا منذ اليوم الأول. أما إن كان المقصود هو قيادة عسكرية انقلبت على الثورة، وتواطأت مع النظام البائد، وتورّطت في حرب شاملة لتثبيت سلطتها، فهذه لا يمكن أن تكون شريكًا في صناعة السلام قبل أن تخضع للمساءلة وتتنازل عن مشروعها الانقلابي.

ولا يمكن إنهاء الحرب بنفس العقول التي أشعلتها، ولا يمكن الحديث عن سلام حقيقي دون تفكيك بنية السلطة التي صنعت هذه الكارثة. ما نطرحه ليس صفقة، بل مشروع وطني شامل يعيد تأسيس العلاقة بين المركز والهامش، بين الجيش والمدنيين، بين الدولة والمجتمع، ويضع حدًّا للدورات المتكررة للانقلابات والحروب.

الجيش – كمؤسسة وطنية – له مكان في مستقبل السودان، لكن دوره يجب أن يُعاد تعريفه تحت مظلة سلطة مدنية كاملة، تضع الحرب خلفها وتفتح باب العدالة والمواطنة والحرية. أما التسويات المبنية على إفلات الجناة من العقاب، وإعادة تدوير القتلة كـ”ضامنين للسلام”، فهي وصفة للانفجار القادم، لا للسلام الدائم.

كيف يمكن دعم المنتج المحلي ليكون منافسًا فعّالًا في الأسواق، خاصة بعد عودة عدد كبير من المصانع إلى دائرة الإنتاج في الخرطوم والولايات الآمنة؟

دعم وتشجيع المنتج المحلي وتحفيز الصناعات الوطنية ينبغي أن يكون من الأهداف الاستراتيجية لوزارة المالية والاقتصاد الوطني. ويتمثل ذلك في الإعفاءات الجمركية، والرسوم، والضرائب على جميع مدخلات الصناعة.

كذلك، على الحكومة وضع خارطة استثمارية لتحديد الصناعات التي تحتاج إليها الدولة في الفترة المقبلة. ويجب الاستفادة من أخطاء الماضي من خلال تحديد أولويات واضحة تُبرز الفجوات الصناعية، والتركيز على تأمين إنتاج الضروريات محليًا مثل مصانع الدقيق، والزيوت، والأدوية، وغيرها.

هل هناك إصلاحات ملموسة تُطبّق حاليًا؟ وإن وُجدت، هل بدأ المواطن يلمس نتائجها؟

من وجهة نظري الخاصة، فإن الأداء الاقتصادي لا بأس به إذا أخذنا في الاعتبار ظروف الحرب. يُحسب لوزارة الاقتصاد أنها حافظت على استقرار العملة ومنعت انهيارها، وكذلك حافظت على مستوى معقول من التضخم.

كما أن هناك إشراقات اقتصادية تمثلت في ارتفاع الإنتاج الزراعي في ولايات القضارف، والشمالية، والنيل الأبيض، بالرغم من ظروف الحرب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here