عروة الصادق لـ”أفريقيا برس”: مبادرة تركيا ستواجه تحديات وخلافات كبيرة عند التنفيذ

54
عروة الصادق: مبادرة تركيا ستواجه تحديات وخلافات كبيرة عند التنفيذ
عروة الصادق: مبادرة تركيا ستواجه تحديات وخلافات كبيرة عند التنفيذ

احمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. دخلت تركيا بقوة في مساعي حل الأزمة السودانية، حيث طرحت مبادرة تهدف إلى طي الخلافات بين السودان والإمارات. وفي هذا السياق، وصل نائب وزير الخارجية التركي، برهان الدين دران، إلى بورتسودان لمتابعة تنفيذ المبادرة. وقد أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، موافقته على المبادرة التركية.

“أفريقيا برس” أجرت حواراً مع القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، عروة الصادق، لفهم أبعاد المبادرة التركية ومدى نجاحها في اختراق الأزمة السودانية. تناول الحوار قدرة المبادرة على تجاوز التقاطعات الإقليمية والمحلية التي تعيق الحل، كما استعرض موقف الإسلاميين من المبادرة ووجهة نظر “تقدم” حيالها.

هناك أحاديث عن تسوية قادمة بحيث يتم وقف الحرب وتعود الشراكة مجددًا بين قوى الثورة والجيش. فهل هذه الفرضية واردة؟

بالنظر إلى ديناميكية الوضع الميداني واستمرار القتال وتغير خريطة السيطرة بشكل مستمر، يؤثر ذلك مباشرة على فرص التوصل إلى تسوية أو تحقيق السلام والاستقرار. فكلما طال أمد الحرب وزادت الخسائر، أصبح التوصل إلى اتفاق يُرضي جميع الأطراف أكثر صعوبة. كما أن الدعم الدولي والإقليمي لأحد الأطراف أو الضغط عليها قد يحفز التفاوض. إلا أن تناسل المبادرات الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار وتسهيل الحوار غالبًا ما يصطدم بجدار التعنت والرفض.

قدرة القوى السياسية والعسكرية على تقديم تنازلات والتحلي بالمرونة تُعد شرطًا أساسيًا للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب، ويستجيب للرأي العام السوداني والدولي الذي يلعب دورًا مهمًا في الضغط على الأطراف المتحاربة للجلوس إلى طاولة المفاوضات. كما أن عدم تدخل القوى الخارجية في الصراع السوداني بصورة تعقد المسار التفاوضي يُعد عاملاً مهمًا لتسهيل الحل، إذ يعتمد ذلك على طبيعة هذا التدخل وأهدافه.

تتباين الآراء بشأن هذا الموضوع؛ فهناك من يرى أن استمرار الحرب يضر بجميع الأطراف، وأن التوصل إلى تسوية هو الخيار الأفضل للجميع، مشيرين إلى أن الإنهاك الشعبي من الحرب والضغوط الدولية ربما تدفع الأطراف نحو التفاوض. في المقابل، يرى آخرون أن عمق الخلافات بين الأطراف المتحاربة، وانعدام الثقة المتبادلة، يزيدان تعميق الأزمة ويجعلان التوصل إلى اتفاق مستدام أمرًا صعبًا، إن لم يكن مستحيلاً. هذه الفرضية يعززها التدخل الخارجي الذي يغذي الحرب، ويعقد الأمور، ويطيل أمد الصراع.

البعض يتحدث عن قبول الدعم السريع بالاستسلام والعودة للمعسكرات. هل يمكن أن يحدث ذلك؟

هذا الأمر تحكمه عدة عوامل، منها مدى استنزاف قوات الدعم السريع عسكريًا، وشح أو توفر الإمدادات والعتاد لها، ومدى قدرة القوات الحكومية على الضغط عليها. كما يعتمد على استمرار أو انحسار تأييد القبائل والشعب السوداني لها، وما إذا كان هذا الدعم سيستمر في ظل استمرار القتال.

هل خيار الاستسلام مطروح للدخول في مفاوضات سياسية قد تفضي إلى اتفاق ينهي الصراع؟ وهل ستدعم القوى الإقليمية والدولية خيار الاستسلام، أم أنها ستواصل تقديم الدعم المالي والعسكري لقوات الدعم السريع؟

برأيي، القراءات الحالية تشير إلى استمرار الحرب، خاصة بعد موسم الخريف وانتهاء مواسم الحصاد. وما يُلاحظ من تحشيد قبلي ومناطقي، لا سيما بعد الإجراءات التمييزية التي اتخذتها حكومة بورتسودان ضد قطاعات مناطقية متهمة بأنها حواضن اجتماعية للدعم السريع، يجعل من الصعب التنبؤ بإمكانية قبول قوات الدعم السريع بالاستسلام في الوقت الحالي.

ومع ذلك، فإن الخسائر المتراكمة في الأرواح والمقدرات، بالإضافة إلى الضغوط الدولية والقوات الحكومية، قد تدفع نحو التفكير في خيار الاستسلام. ومن جهة أخرى، قد تصر القيادة على مواصلة القتال إذا كانت ترى فرصة لتحقيق انتصار عسكري أو الحصول على تنازلات سياسية.

البرهان وافق على المبادرة التركية بشأن حل الأزمة السودانية وطي الخلاف بين السودان والإمارات. كيف ترى موافقة البرهان؟

كل الحيثيات في السودان تشير إلى أن القبول بأي مبادرة تسهم في إنهاء الصراع أصبح ضرورة ملحة، خاصة مع تنامي الدور الإقليمي لتركيا، التي تمتلك نفوذاً متزايداً وتمددًا جيوسياسياً في المنطقة. تركيا تعد شريكاً تجارياً مهماً للعديد من الدول الأفريقية، بما في ذلك السودان، وتتبع منهجية فعالة يقودها هاكان فيدان، والتي أثبتت نجاحها في ملفات مثل سوريا.

يرى البرهان في التعاون مع تركيا فرصة لتحقيق مكاسب أمنية، عسكرية، اقتصادية، وسياسية، خصوصاً أن تركيا لا تتحرك بمعزل عن منظومة دولية وإقليمية. هذه الظروف تضغط باتجاه قبول البرهان بمبادرة تسهم في استقرار السودان والمنطقة، وتمنع فوضى في البحر الأحمر، وتحد من وصول العنف إلى السواحل السودانية أو مياهها الإقليمية والدولية.

موافقة البرهان على المبادرة تمثل جزءاً من استراتيجية تسعى لإظهار مرونة وفتح باب التعاون مع الشركاء الدوليين والإقليميين لكسب المزيد من الاعتراف الدولي.

ما موقفكم من المبادرة التركية؟ وهل يمكن أن تصلح تركيا لتبني قضاياكم في “تقدم”، وأبرزها عودة الحكم المدني في السودان؟

أولًا، نحن في “تقدم” طرحنا أجندتنا أمام البرهان وحميدتي دون أي استعانة بدور خارجي أو إقليمي أو دولي، وكان ذلك جهدًا سودانيًا أثمر إعلان المبادئ. كما قدمنا تصوراتنا السودانية لدول عربية وأفريقية. واليوم، ننتظر لنرى ماهية تفاصيل المبادرة التركية، وما هي الآليات المقترحة لتنفيذها، وكيف ستتعامل الأطراف المتحاربة في السودان معها، وهل ستقبل بها جميع الأطراف؟ وما هو دور المجتمع الدولي في دعم هذه المبادرة؟

إذا كانت المبادرة تهدف إلى دعم السلام، فهي تمثل فرصة حقيقية لوقف إطلاق النار وإنهاء الصراع في السودان، مما سيسمح ببدء عملية انتقال سياسي. من المؤكد أن هذه المبادرة يمكن أن ترفع مستوى العلاقات الثنائية بين السودان وتركيا، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي، وتساهم في حل الخلاف السوداني الإماراتي.

ومع ذلك، ستواجه هذه المبادرة تحديات كبيرة في التنفيذ، خاصة في ظل الانقسامات السياسية العميقة في السودان، لا سيما داخل معسكر الحركة الإخوانية الداعمة للحرب، التي تشهد خلافًا بين مجموعة تركيا ومجموعة القاهرة.

ثمة من يقول إن الإسلاميين في الجيش والدعم السريع يعملون بالتنسيق للقضاء على ثورة ديسمبر، وذلك عبر إشعالهم للحرب وتهجير السودانيين حتى يعودوا طواعية لحكم العسكر بعد إنهاء الحرب. ألا تتفق مع هذا الحديث؟

إن لم يكن هناك اتفاق معلن على أجندة تصفية الثورة، فهو حقيقة تضمرها نفوس كافة عناصر الحزب المحلول داخل الدعم السريع والجيش والحركات المسلحة، مثل عناصرهم في حركة العدل والمساواة. هؤلاء يمقتون الثورة وعناصرها ومؤسساتها، وعملوا جاهدين على تصفية اعتصامها، واغتيال رموزها، وتشريد نشطائها، أو إرغامهم – بالترغيب أو الترهيب – على العمل أو الانخراط في صفوف الحرب.

وما تشهده الساحة من حملات إعلامية هجومية ضد مشروع الثورة يؤكد أن الإسلاميين في كلا الطرفين لا يدخرون جهدًا للنيل من الثورة. ومع ذلك، فإن التنسيق في هذه الظروف يعرضهم للخطر، خاصة في ظل العداء القائم بين قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع. وأي تنسيق رسمي قد يُعتبر خيانة. لكن، في نهاية المطاف، تتوافق نتائج أفعالهم تمامًا مع المنهج الكلي للحركة والتنظيم المحلول.

المعلوم أن هناك فصائل إسلامية تقاتل مع الجيش السوداني، مثل كتائب البراء وغيرها، كما أن هناك ضباطًا في الجيش محسوبين على الإسلاميين. في رأيك، هل التيار الإسلامي داخل الجيش سيوافق على المبادرة التركية، مع الأخذ في الاعتبار علاقة تركيا القوية بالإسلاميين في السودان؟

يرى التيار الإخواني أن المبادرة التركية تهدد المكتسبات التي حققوها خلال السنوات الماضية، سواء عن طريق انقلاب أكتوبر 2021 أو الحرب الحالية. فهم يعتبرون أن المبادرة قد تقطع سلاسل إمداد حرب عشوائية بين كارتيلات وتحولها إلى نزاعات رسمية بين دول، مما قد يؤثر على نفوذهم التجاري والاقتصادي، وكذلك على قدرتهم في التحكم بالقرار السياسي والديني.

ويرى البعض داخل التيار أن المبادرة قد تكون فرصة للوصول إلى السلطة بطريقة سلمية، إذا تضمنت آليات تضمن مشاركتهم في الحكم. ومع ذلك، يشعر آخرون بالقلق من أن يتم تهميشهم في أي تسوية سياسية مستقبلية، مما يدفعهم إلى معارضة أي مبادرة لا تضمن حقوقهم.

وكما أشرت، هناك تباين في وجهات النظر داخل التيار الإسلاموي نفسه. تركيا معروفة بدعمها لبعض الجماعات الإسلاموية في المنطقة، وقد يكون لهذا الدعم تأثير إيجابي على موقف التيار الإسلامي في السودان. ومع ذلك، تخشى بعض العناصر الإسلاموية أن تؤدي المبادرة التركية إلى تغييرات جوهرية في النظام السياسي السوداني، قد تُبعد قياداتهم الحالية وتستبدلها بأخرى على خلاف مع الطاقم الحالي، وتكون منحازة لتيارات ذات صلات مصرية وإماراتية.

إضافة إلى ذلك، هناك عناصر داخل الجيش تضغط على قادة عسكريين آخرين لقبول المبادرة، خاصة أولئك الذين يرفضون استمرار الحرب ويريدون الوصول إلى أي تسوية في أقرب وقت ممكن.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here