علاقات الخرطوم والقاهرة .. قراءة في الملف العسكري والأمني؟

67
رئيس جهاز المخابرات العامة المصري الوزير اللواء عباس كامل

بقلم : خالد الفكى

أفريقيا برسالسودان. دون شك أن تداخل القضايا وتعقيداتها مابين السودان ومصر يرفع من درجة الوعي الأمني لكل من البلدين، حيث يُلاحظ أنه بعد الثورة السودانية تصاعدت علاقات البلدين إلى مستويات كبيرة في كافة المسارات وأنشطتها المتعددة خاصة المتعلقة بالأمن القومي الإستراتيجي والتهديدات الماثلة في منطقة القرن الأفريقي والإقليم، وأبدى مراقبون إهتماما بالزيارات الأمنية المتكررة من قيادات الدولتين ولعل آخرها زيارة رئيس المخابرات المصرية للخرطوم تزامناً مع إنهيار لمفاوضات سد النهضة وفتح الباب أمام سيناريوهات حرب الطائرات والمضادات العسكرية بما يهدد الشرق الافريقي والدول المتشاطئة على البحر الاحمر بإشتعال نيران حرب المياه المُحتملة.

رؤية أمنية

هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، هاني رسلان يقول لـ “أفريقيا برس”، بأن زيارة رئيس المخابرات العامة المصرية لكل الخرطوم سبقتها زيارتين لكل من طرابلس وأنجمينا، حيث أن هذه دوائر اقليمية تخص الأمن القومي المصري بشكل مباشر.

ويرى رسلان أن الزيارة إلى الخرطوم تعتبر الأكثر أهمية بالنظر إلى قضية سد النهضة والتباين بين البلدان الثلاث حيث تمر أزمة السد بمفترق طرق مع اقتراب موعد الملء الثاني المعلن من قبل إثيوبيا بعد وصول المفاوضات لطريق مسدود، متوقعاً أن سبب الزيارة الرئيس بالتأكيد هو مزيد من التنسيق في المواقف المشترك مابين كل من الخرطوم والقاهرة.

ويحتفظ كل من السودان ومصر برؤية مشتركة على المستوى الأمني، وخصوصاً ملف أمن الحدود وفرض السيطرة على النطاق الحدودي الرابط بين مصر والسودان وليبيا، لإنهاء عمليات التهريب المستمرة في هذا المحور، والتي تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد السوداني، في حين ترى مصر أن السودان يمثل – كما ليبيا – خاصرة لأمنه القومي.

وقال الخبير في العلوم الامنية والسياسية الدكتور طارق محمد عمر، في تصريح لـ “أفريقيا برس” بأن زيارة كامل للخرطوم ناقشت ملفات مشتركة تمثل مصدر قلق للبلدين من الناحية الأمنية تحديداً في ظل مستجدات الاوضاع الإقليمية بتطورات ملف أزمة النهضة وقضايا أخرى.

وأوضح عمر أن ملف ضبط الخلايا الإرهابية التي ربما تستهدف زعزعة أمن المنطقة، بالإضافة إلى ضبط وتقنين الحركة في الحدود السودانية الاثيوبية بالنظر إلى الآثار السلبية بسبب الاوضاع الداخلية في أثيوبيا والهجرات بسبب النزاع القبلي بين القوميات من جانب والحكومة و إقليم تغراي من جانب آخر، أوضح أنها محل أولويات لدى أجهزة الأمن والمخابرات في كل من السودان ومصر، مؤكداً أن ملف الأمن المائي يعتبر ذات خصوصية في ظل تباعد المواقف بين البلدان الثلاث.

ويرى مراقبون بأن مصر اتخذت مؤخراً مسارات لتحصين سياج الأمن الاستراتيجي مع السودان بتحركات لتأمين الحدود المشتركة بشكل كافٍ، و إطلاق عدة مشروعات بين البلدين لإضافة زخم إلى التحركات على جانبي الحدود، من بينها معابر حدودية جديدة، وتفعيل اتفاقية الحريات الأربع التي تم توقيعها بين البلدين في العام 2004، والتي تنص على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، يضاف إلى مشروعات أخرى، منها مناطق تجارية وصناعية مشتركة واتفاقية تم البدء بتنفيذها في أبريل 2014 للربط الكهربائي بين الجانبين.

سيناريو محتمل

درجة التنسيق والتناغم في المجالات العسكرية والأمنية خلال الفترة الأخيرة بين كل من الخرطوم والقاهرة، خاصة التدريبيات الجوية دون شك سيلتقطها الجانب الإثيوبي، حيث أن أديس أبابا درجت أخيرا على اتهام طرف ثالث يدفع العسكريين في السودان إلى خوض حرب مع أثيوبيا.

وهذا مايذهب نحوه الخبير العسكري والاستراتيجي الفريق أول محمد بسير سليمان، حيث يرى في حديثه لـ “أفريقيا برس”، بأن التمرينات التي جرت مؤخراً مابين القوات الجوية السودانية ونظيرتها المصرية تؤسس لعمل عسكري بأعلى درجات التنسيق والتفاهم، ويفتح الباب على مصراعيه للسيناريوهات المحتملة، مشيراً بأن تأمين ملف الأمن المائي والمهددات لشعبيي وادى النيل يمثل ذروة التكامل الأمني والعسكري للسودان ومصر.

بالمقابل يلفت رسلان والذي سبق وأن شغل مقعد رئيس وحدة دراسات السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام، إلى تفاهم القاهرة للمقترح السوداني بشأن الحل المرحلي من خلال التحركات الاقليمية والدولية للطرفين في ظل تأكيد مصر على أن كل الخيارات مفتوحة بما فيها الحل العسكري مما يفتح المجال واسعاً أمام التدخلات الدولية لإثناء مصر عن المضي في هذا الاتجاه وعدم جعله في رأس الخيارات خاصة وأن الحلول لم تظهر في الأفق، وأضاف”الاصرار المصري على هذا العمل قد يعجل بتفكيك عجلة الدولة الإثيوبية”.

يُشار إلى أن ذروة التطور المفصلي الأول في علاقة السودان ومصر عسكرياً وأمنياً كان في نوفمبر 2020، حين نفذ كلا الجانبين للمرة الأولى في تاريخهما مناورات جوية عسكرية مشتركة تحت اسم “نسور النيل – 1″، جرت فصولها على الأراضي السودانية، وخلالها، تدرب للمرة الأولى الطياران المصريان والسودانيان على تكتيكات استخدام المقاتلات الروسية الصنع في تنفيذ المهام الجوية كافة، بما فيها مهام الدورية القتالية، والاستطلاع الحر، وعمليات الاعتراض والقصف، إلى جانب التدرب على العمليات الفنية واللوجستية المصاحبة للمجهود الجوي.

العمق الإستراتيجي

الصحفي والمحلل السياسي، المتخصص في شؤون القرن الإفريقي، طارق عثمان يوضح لــ “أفريقيا برس”، بأن الملف السوداني لدى مصر تتولى إدارته المخابرات طوال العقود الماضية وهذا مرده إلى أن مصر تنظر للسودان كجزء من أمنها القومي وذلك لكثير من الاعتبارات المتمثلة أهمها تلك المتعلقة بمياه النيل بإعتبار السودان يمثل تأمين لحصة مصر في مياه النيل وكذلك لإعتبار الحدود الطويلة بين البلدين.

ويوافق الخبير العسكري والاستراتيجي الفريق أول محمد بسير سليمان، عثمان فى ماذهب إليه، حيث يقول أن القاهرة توقن بأن العمق الإستراتيجي لأمنها يبدأ من السودان، لذا نجد أن الملف الأمني يؤثر على الملفات الإقتصادية والسياسية وربما الإجتماعية بين البلدين، مبيناً أن مصر لا تقبل وجود معارضة وأنشطة هدامة مُضرة بقواعد الدولة تنطلق من الأراضي السودانية أو الجوار.

ويفيد عثمان بأن زيارة رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل للسودان تأتي في ذات الاطار، لا سيما وأن ما حدث في السودان من تغيير يمثل فرصة لمصر لاستعادة مساحتها في السودان والتي فقدتها طوال العقود الثلاث الماضية، بسبب عدم الثقة بينها وبين نظام عمر البشير، وبالتالي سعت الحكومة المصرية بكل جهد لإستمالة الحكومة الانتقالية في السودان من خلال عقد اتفاقيات عسكرية وأمنية ترجمتها إلى تعاون عسكري في مجال التدريبات المشتركة وغيرها.

وأضافأن “الزيارة يمكن أن تقرأ في اطار التحديات الأمنية المشتركة بين البلدين، بما فيها تلك المتعلقة بملف سد النهضة المتعثر في ظل تعنت أثيوبي حال دون الوصول الى توافقات بين الدول الثلاث”، كما يعتقد عثمان، بأن قضية سد النهضة هي العنوان الأبرز لهذه الزيارة خاصة مع اقتراب موعد الملء الثاني لبحيرة السد والمقرر منتصف يوليو المقبل، لا سيما وأن هناك مستجدات طرأت على الموقف السوداني فيما يلي عقد اتفاق مرحلي بين السودان وأثيوبيا بغرض تبادل المعلومات، فالحكومة المصرية تحرص على الاستقواء بالموقف السوداني.

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، هاني رسلان، يشير فى ختام حديثه لـ “أفريقيا برس”، إلى زيارة مشتركة لوزيري الخارجية والري المصريين قبل زيارة مدير المخابرات، لتخرج الخرطوم وعلى لسان وزيرة الخارجية مريم المهدي برغبة في تكوين لجنة مشتركة بين الدولتين لتنسيق المواقف، بجانب إرسال وفد مشترك إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة ملف سد النهضة والقضايا ذات الاهتمام المشتركة أقليمياً ودولياً.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here