بقلم :أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. مع اقتراب موعد تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، بدأت حمى الصراعات بين شركاء الحكم في السودان تتصاعد بحدة، ما جعل مراقبون يتكهنون ويضعون في الحسبان سيناريوهات عديدة بشأن تسليم رئاسة السيادي للمدنيين، فمنهم، من رأى أن تسليم رئاسة السيادي للمدنيين حق دستوري ونصت عليه الوثيقة الدستورية، بينما ذهب البعض الآخر، إلى أن “العسكر” غير راغبين في تسليم المجلس السيادي للمدنيين، مستدلين بخطاب البرهان وحميدتي الأخير والذي أشاروا فيه إلى إنهم أوصياء على البلاد، إضافة إلى التفلتات الأمنية، وأحداث الشرق، مؤكدين أن كل هذه العوامل تمهد لرئاسة عسكرية جديدة في المجلس السيادي.
نص دستوري
والمجلس السيادي – الذي يترأسه المكون العسكري حاليا – شكل في عشرين أغسطس من العام 2019 وبحسب الوثيقة الدستورية، فإنه يمثل رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها، ويتولى المجلس قيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية التي تمتد لمدة 39 شهرا من تاريخ التوقيع عليها، ليعقبها إجراء انتخابات عامة في البلاد. وتنص الوثيقة الدستورية على مناصفة في مشاركة رئاسة مجلس السيادي بين المكون العسكري والمدني، وبحسب ماهو مقرر في نص الوثيقة الدستورية، فإن نوفمبر القادم يفترض أن تسلم رئاسة مجلس السيادي للمدنيين.
اختبار جدية “العسكر”

الشاهد أنه راجت أحاديث وتواترت تحليلات، تتحدث عن إتفاقية جوبا بأنها لم يشار فيها إلى تسليم الرئاسة للمدنيين وأنها نصت على إطالة أمد رئاسة السيادة “للعسكر”، الأمر الذي جعل عضو مجلس السيادة محمد الحسن التعايشي -أحد الموقعين على الاتفاقية- يخرج للأعلام وينفي ما راج عن إتفاقية سلام جوبا، إذ قال: “إن الوثيقة الدستورية هي المترجم القانوني للإتفاق السياسي، وهي القانون الأعلى الذي يحكم البلاد، إلى جانب اتفاقية جوبا للسلام التي تم إدراجها أصلًا في الدستور والتي لم تُغير كثيرًا في الميثاق السياسي والإستحقاقات الدستورية المرتبطة به ،بما في ذلك إنتقال رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين وفق ماهو منصوص عليه قبل وبعد دمج إتفاقية جوبا في الوثيقة الدستورية وهو أمر معلوم بالضرورة”.
وأضاف التعايشي عبر مقال له: “ليس هناك أي مشكلة دستورية أو قانونية حول متى وكيف يتم الانتقال، موكدا أن انتقال الرئاسة للمدنيين في مجلس السيادة هو إختبار مهم لجدية الشراكة وللانتقال المدني الكامل لأول انتخابات قادمة”.
ورقة ضغط

مراقبون أشاروا في حديثهم لـ”أفريقيا برس”، إلى أن المدنيين لم يثيروا مسألة تسليم رئاسة السيادة لهم، وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون، أن ذات المدنيين لايرغبون في رئاسة السيادي، مشيرين إلى أن المكون المدني يريد أن يستخدمها كورقة ضغط على المكون العسكري متى ماسنحت الفرصة.
وهنا يوجه أستاذ العلوم السياسية الرشيد محمد إبراهيم، إنتقادات لاذعة للمكون المدني، يقول لـ” أفريقيا برس”: حتى الآن لم يحسم المدنيين رئاسة مجلس السيادة”، وأضاف: “إن كان ثمة جدية من المكون المدني لجدد خليفة البرهان، ولم يستبعد الرشيد، أن لا تذهب الرئاسة للمدنيين لجهة أن الوضع الامني وقضايا الشرق وحديث البرهان عن إنهم وصايا على البلاد، كلها تسوق للمكون العسكري بأن يكون رئيساً للسيادة في الفترة القادمة.
جهود إضافية

ويتفق مع ذات الطرح، المحلل السياسي راشد التجاني، إذ يرى أن المدنيين لن يتحملوا رئاسة السيادي لجهة أن رئاسة المجلس تتطلب جهوداً أضافية كالمسؤولية الامنية والتواصل الخارجي وهو الامر الذي اعتبره التجاني بأنه غير متوفر في المدنيين، وأكد التجاني لـ”افريقيا برس”: إن رئاسة السيادة أمر ليس بالسهل، إذ تحتاج لشخص قادر على إدارة الحكم، كما إن امر تسليم السيادة للمدنيين فإنه أمر وارد وذلك بحسب نص الوثيقة الدستورية والعسكر لا مشكلة لديهم في تسليم الرئاسة للمدنيين بل الامر يكمن في قدرة المدنيين على تحمل الرئاسة.
إستحقاق دستوري

يقول الخبير القانوني والقيادي بقوى الحرية والتغيير، المعز حضرة: “إن تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين استحقاق دستوري نصت عليه الوثيقة الدستورية، ولا مجال للتنصل منها على اعتبار أن التنصل يعني الرفض لتنفيذ أمر دستوري، و مخالفة قانونية واضحة للوثيقة الدستورية التي تحكم كل الفترة الانتقالية”.
وفي رده على سؤال؛ هل ستكون هنالك مماطلة من العسكر في تسليم رئاسة السيادي للمدنيين؟ قال حضرة لـ”الجريدة”: “لا اظن ذلك لان الثورة والشارع السوداني لن يقبل برئاسة عسكرية جديدة لمجلس السيادة”.
كلفة باهظة

وفي رده على سؤال لـ”أفريقيا برس” حول مدى جدية المكون العسكري في تسليم رئاسة السيادي للمدنيين؟ قال الخبير العسكري العميد ياسر أحمد الخزين: “من خلال متابعتي للأحداث فإن المكون العسكري ملتزم تماما بالوثيقة الدستورية وجاهز لتنفيذ بنودها التي تم خرقها من المكون المدني منذ التعيين والمشاركة لبعض الوزراء بالحكومة الأولى والتي لو تقيد المدني بها لما عين واحدا منهم وفي هذا خرق، وأما عن السؤال؛ فإن المكون العسكري إذا قام بتسليم المكون المدني رئاسة السيادي سيدع له الجمل بما حمل على الصعيدين الأمني والسياسي، أتيقن من عدم حمله فالرئاسة ثمن باهظ وكلفة عالية لا يحمل المكون المدني مؤهلا لها أو تهيئة لحملها ودونك سحب المكون العسكري للحراسات قبل يومين وإيكالها لقوات الشرطة الواجب عليها القيام به” وفي حالة تسليم السيادي للمدنيين يقول الخزين: “ستبين الحقيقة وتضح الرؤية وينكشف عدم قدرات المدنيين على تحمل المسؤولية فما نشهده من أداء لمجلس الوزراء ينبئ بصدق توقعاتنا فالأيام حبلى بالغرائب يلدن كل عجيب فمتى ما أمسك الشق المدني بأذني المرفعين من السيادي ستنجلي الحقيقة، كذلك أرى ان المكون المدني هو مايفتعل المشكلات لإطالة أمد رئاسة العسكري عكس مايوصم به العسكري زورا من تشبث بالرئاسة”.