أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. انتشر خلال الأيام الماضية خطاب الكراهية والعنصرية في السودان، نتيجة اتهامات وُجهت للجيش السوداني باستهداف مواطنين على أساس الهوية. وبينما اعتبر الجيش تلك التصرفات تجاوزات فردية لا علاقة لها بالقوات المسلحة، نددت قوى سياسية بهذه الأفعال، داعية في الوقت نفسه إلى ضرورة المحاسبة والمحاكمة.
وفي هذا السياق، أجرت “أفريقيا برس” حوارًا مع الدكتور أيوب محمد عباس، الأمين العام للمبادرة السودانية للسلام المجتمعي والتعايش السلمي، حيث ناقشت معه مهددات خطاب الكراهية، وكيفية تعزيز التعايش السلمي، وآليات محاربة الكراهية.
في ظل احتقان واسع في الشارع السوداني وخطاب كراهية متزايد بين السودانيين، حيث يتهم البعض الجيش بتصفية مواطنين على أساس الهوية في مدني، بالرغم من تورطهم في جرائم وكانوا جزءًا من قوات الدعم السريع. كيف تنظر إلى هذا الأمر؟
الحرب الدائرة الآن بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع خلفت أكبر أزمة إنسانية في العالم ووضعًا كارثيًا. ارتكبت مليشيات الدعم السريع جرائم حرب، تطهيرًا عرقيًا، إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية. كما مارست السلب، النهب، القتل، تخريب ممتلكات الدولة السودانية، الاغتصاب، ونشرت الفوضى وروعت المواطنين العزل الأبرياء. هذه الحرب أفرزت تشردًا، لجوءًا، نزوحًا، وفقرًا، مما ولد أحقادًا وضغائن بين المواطنين، وأحدث شرخًا وفتوقًا في النسيج الاجتماعي واحتقانًا شعبيًا، وظهر خطاب الكراهية.
نحن في المبادرة السودانية للسلام المجتمعي والتعايش السلمي نعمل على محاربة خطاب الكراهية، رتق النسيج الاجتماعي، ودعم الحوار بين المجتمعات السودانية. كما نسعى إلى تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القومية السودانية، تضميد الجراح، تخفيف المرارات الناجمة عن الحرب، وتحقيق السلام المجتمعي والتعايش السلمي. نركز على نبذ العنصرية والجهوية، خفض التوتر الاجتماعي والاحتقان السياسي. قمنا برأب الصدع والحد من الخلافات، كما عقدنا مصالحات مجتمعية بين مكونات المجتمع السوداني في الولايات المتأثرة بالصراع مثل الجزيرة وسنار ومناطق أخرى في السودان.
وماذا عن الاتهامات التي تطال الجيش بشأن استهداف مواطنين على أساس عرقي؟
الجيش السوداني جيش مهني، قومي، ووطني، ولا يقوم بمثل هذه الجرائم والانتهاكات. ومع ذلك، هناك بعض العناصر المستنفرة في المقاومة الشعبية التي ارتكبت تجاوزات، وهي تصرفات فردية نرفضها. نؤكد على ضرورة محاكمة من ارتكب تلك الانتهاكات خارج القانون، وكذلك محاكمة المجرمين، القتلة، اللصوص، والمرتزقة من قوات الدعم السريع الذين ارتكبوا جرائم القتل والسرقة.
يجب الاحتكام إلى القانون، حيث يمثل القانون أحد أهم عوامل تحقيق العدالة والمساواة، وحفظ النظام العام والأمن في المجتمع السوداني.
سودانيون في جنوب السودان تعرضت محلاتهم التجارية للنهب، وهناك من قُتل وأُصيب على يد جنوبيين، بسبب ما وصفوه باستهداف مواطني الجنوب في السودان من قبل الجيش. ما موقفكم من هذه الأحداث؟ وما الذي ينبغي على الدولة فعله؟
الدولة السودانية تتبنى سياسة حسن الجوار، وفي الوقت ذاته تعمل على حماية مواطنيها في دول المهجر، مع الحفاظ على مصالحهم وممتلكاتهم.
نحن في المبادرة السودانية للسلام المجتمعي والتعايش السلمي نرفض وندين بشدة ما قام به مواطنون من دولة جنوب السودان ضد السودانيين المقيمين هناك. لقد تعرضت محلاتهم التجارية للنهب، وقُتل المواطنون العزل الأبرياء وأُصيبوا، رغم أنهم ضحايا للعنف ولم يرتكبوا أي جريمة ضد الإخوة الجنوبيين. فهم ليسوا طرفًا في النزاع، بل هم لاجئون ومقيمون في جنوب السودان، ويجب حمايتهم وفق القانون الدولي.
نؤكد اهتمامنا في المبادرة بحماية المواطنين السودانيين في جنوب السودان، ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم. كما نطالب حكومة السودان بالقيام بواجبها في حماية السودانيين هناك، ورد الاعتبار لهم، والعمل على تجاوز الأزمة وعودة العلاقات بين الشعبين على أسس الاحترام المتبادل.
ما الأدوار التي ستقوم بها المبادرة السودانية للسلام المجتمعي في ظل تفشي خطاب الكراهية والعنصرية في السودان؟ وما جهودكم لمعالجة النسيج الاجتماعي في البلاد؟
نعمل على إدارة الخلاف والتنوع الديني والثقافي والإثني في السودان، إضافة إلى تسوية النزاعات وحلها، وتوحيد إرادة الشعب السوداني لبناء مجتمع سوداني معافى وخالٍ من الشوائب والأمراض المجتمعية. نسعى للتواصل مع المجتمعات السودانية وتوجيهها نحو التغيير الإيجابي من خلال تزويدها بالأفكار والقيم والخبرات والمواقف والمعارف.
نعمل أيضًا على إشراك السكان وقيادات المجتمع السوداني في إنشاء لجان مصالحات، وهو أمر بالغ الأهمية لتجنب أعمال الانتقام التي تطيل أمد الحرب والعنف. كما نسعى لتوحيد القوى السياسية والمجتمعية تحت رؤية وبرنامج وطني جامع، مع التركيز على عقد مصالحة وطنية تسودها روح التسامح والتعايش السلمي، بعيدًا عن الإقصاء والعزل، بهدف الوصول إلى أرضية مشتركة يلتقي عندها الجميع.
ربما انتقلت قوات الدعم السريع إلى خطة جديدة باستهداف المنشآت الحيوية، حيث دمرت محطة الكهرباء في مروي ومحطة الشواك في الفشقة، مما أدى إلى انقطاع شامل للكهرباء. كيف تفسر هذه الخطوة؟ ولماذا تتجه قوات الدعم السريع لقصف منشآت المواطن؟
قوات الدعم السريع انهزمت سياسياً وعسكرياً هزيمة نكراء في جميع محاور القتال ومسارح العمليات العسكرية في العاصمة والولايات. استطاع الجيش السوداني سحق كتلتها الصلبة، والقضاء على الآليات والمعدات العسكرية، وتدمير مقرات ومعسكرات مليشيات الدعم السريع الإرهابية، وقتل أكثر من مائة ألف من عناصرها، بالإضافة إلى تحييد أغلبية قياداتها الميدانية.
ما تقوم به مليشيا الدعم السريع من استهداف لضرب السودان وتدمير المنشآت المدنية يُعد إفلاساً عسكرياً يعبر عن حالة نفسية سيئة للغاية. هذه الأفعال تعكس اليأس، والإحباط، والفشل الذي وقع على مليشيا الدعم السريع المجرمة، وتمثل الانهيار والهلاك ونهاية حتمية لعصابة آل دقلو الإرهابية.
الإدارة الأمريكية فرضت عقوبات على البرهان. ما مدى تأثيرها مستقبلاً على مسيرة البرهان في الحكم؟ وهل تؤثر على مجريات الحرب؟
الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، يمثل رمز سيادة السودان والدولة والجيش والشعب السوداني وكرامته. لذا، فإن العقوبات الأمريكية تعد عقوبة للشعب السوداني بأكمله.
العقوبات الأمريكية تُظهر فشل إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن في حل المشكلة السودانية، وإيقاف الحرب، وتحقيق السلام في السودان. كما يمكن اعتبارها خطوة لعرقلة جهود الإدارة الأمريكية القادمة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب لحل الأزمة السودانية.
هذه العقوبات لن يكون لها تأثير على البرهان ولا على السودان، ولا على مجريات الحرب فيه. بل على العكس، أدت إلى وحدة السودانيين خلف قائدهم ورئيسهم البرهان، ومنحته تأييداً وسنداً شعبياً وسياسياً غير مسبوق، مما أحدث التلاحم بين القيادة والشعب السوداني.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس