بقلم : أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. أثار حديث لجنة إزالة التمكين، عن وجود قائمة مستهدفة بعمليات اغتيال تشمل سياسيين في قوى الحرية والتغيير وأعضاء من لجنة التفكيك مخاوف في السودان من تجذر ثقافة الاغتيالات في بلد لم يعرف هذا السلوك قط، ولكن ثمة متغيرات طرأت على الساحة السياسية السودانية، أبرزها ظهور تنظيم داعش، وحالة الاحتقان السياسي التي تشهدها البلاد، جعلت الخبراء والمحللين، يتكهنون بحدوث اغتيالات سياسية في السودان، بيد أن آخرين منهم استبعدوا عمليات الاغتيالات على اعتبار أن الخلافات السياسية بين السودانيين عادة ما تنتهي بالتراشق وتبادل الاتهامات، كما أن ذات المجتمع السوداني السياسي يرفض العنف من أساسه.
قائمة المستهدفين

وكشف عضو سكريتارية لجنة إزالة التمكين والقيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق الثلاثاء الماضي عن وجود قائمة تشمل أسماء سياسيين في تحالف قوى الحرية والتغيير وأعضاء في اللجنة، تشمل وجدي صالح وصلاح منّاع، كمستهدفين بعمليات اغتيال، قائلاً: “هذه القائمة ليست الأولى وسبق أن تلقينا قائمة بأسماء شخصيات بارزة مستهدفة بعمليات اغتيال”.
حالات اغتيال نادرة
بالنظر لتاريخ الاغتيالات السياسية في السودان، نجد أن هنالك اغتيالات ربما كانت نادرة، كانت للدبلوماسي الأمريكي جون مايكل غرانفيل، حيث قتل المسؤول في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وسائقه السوداني عبد الرحمن عباس في عام 2008، في الخرطوم لتُسجَّل بذلك كأول حادثة اغتيال على يد مجموعة تابعة لتنظيم داعش. كذلك تنطبق ظاهرة الاغتيالات السياسية على حادثة رئيس حركة العدل والمساواة السابق خليل إبراهيم في 2011 ، حيث قتل في غارة جوية نفذها الجيش السوداني، وقتها كانت حركة العدل والمساواة تعارض البشير وتتخذ المقاومة المسلحة منهجا لمناهضة النظام السابق.
خلال المرحلة الانتقالية نجا رئيس الوزراء عبدالله حمدوك من حادثة تفجير إرهابي وإطلاق رصاص، وذلك أثناء ذهابه إلى مكتبه لمزاولة عمله في مقر مجلس الوزراء، وتعد الحادثة الأولى من نوعها بعد الإطاحة بنظام البشير. أيضا، تلقى المستشار السياسي لرئيس الوزراء، ياسر عرمان، الأسبوع الماضي تهديدات بالقتل، وبحسب مصادر فإن الجهات التي تقف وراء التهديد هي نفسها التي تفكر حالياً بشكل صارم وصعب لإبعاد محمد الفكي سليمان وخالد عمر يوسف وصلاح منّاع ووجدي صالح عن مناصبهم الحكومية.
ظواهر جديدة

يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية الدكتور عبد الوهاب الطيب البشير في إفادته لـ “أفريقيا برس”: “إن طبيعة الصراعات بين المكونات السياسية الداخلية في السودان -حكومة ومعارضة- سوف تؤدي إلى حدوث ظواهر جديدة لم تكن مألوفة في الساحة السياسية السودانية أو النسيج السياسي الاجتماعي السوداني وذلك على شاكلة الإرهاب وما تصطحبه من تفجيرات وتدمير للمنشآت، وظاهر الاغتيالات السياسية للرموز السياسية والزعمات السياسية ذات الوزن الثقيل في العملية السياسية. ويضيف الطيب البشير: “تاريخ ظاهرة الاغتيالات السياسية في السودان ظاهرة غير معروفة على اعتبار أن طبيعة الشخصية السودانية والإنسان السوداني المرتكزة على قيم وأسس دينية صوفية تتميز بالتسامح والتعايش الاجتماعي، إضافة إلى ترسيخ القيم من عادات وتقاليد وأعراف تغذي قيم الاعراف والترابط”، مستدركا في القول: “لكن هذه القيم والأعراف تغيّرت الآن والتحولات في تركيبة النسيج الاجتماعي السوداني أصبحت تعتمد على الطبقية والإثنية الدينية والتمايز السياسي وهو الأمر الذي أدى إلى استحكام الغبن وانتشار ثقافة الكراهية وعدم قبول الآخر”، مؤكداً أن كلها عوامل تؤدي إلى ظاهرة الاغتيالات السياسية في المشهد السياسي.
عبدالوهاب أشار إلى أن هنالك أسباب سياسية أخرى تقود إلى عملية الاغتيال السياسي والتي أهمها؛ التحول الكبير الذي حدث بعد الثورة سيما بين عناصر النظام السابق والقوى الثورية الجديدة ومبدأ المحاسبة التي ظهرت فيه، في مقابل مبدأ الممانعة والاحتجاج من قبل عناصر النظام السابق، محذراً بأنها تقود أيضاً إلى تصاعد حدة الصراع والتي يرى أنها بدأت بمؤشرات كثيرة مثل محاولة اغتيال حمدوك، وظاهرة تسعة طويلة وتهديد كثير من الشخصيات بالقتل، مروراً بضبط الخلية الإرهابية، وهو الأمر الذي بحسب عبدالوهاب يؤدي إلى تهديدات أمنية كبيرة تخدم مصالح داخلية وخارجية، وتابع عبد الرحمن بالقول: “لذلك فإن الوضع الآن مناسب لمرحلة الاغتيالات السياسية، لاسيما مع استمرار مؤشرات التصعيدات الأمنية التي تطرأ بين الفينة والأخرى.
صراع لجنة التفكيك

ويتفق مع ذات الطرح، المحلل السياسي الفاتح محجوب، إذ يرى في حديثه لـ”أفريقيا برس”؛ أن الاغتيالات في السودان لم تكن جزءً من الممارسة السياسية ولن تكون، مستدلاً بأن السياسيين السودانيين يتقبلون الآخر والاختلاف في الرأي، مؤكداً أن التسامح سيد الموقف في المجتمع السياسي.
وفي تعليقه على استهداف أعضاء لجنة إزالة التمكين وإنهم مهددون بالقتل، يقول الفاتح: “أعتقد أن لجنة تفكيك التمكين تعاني الآن بشدة بسبب سوء استخدام قياداتها لها في صراعاتهم السياسية مع العسكر ومع خصومهم السياسيين بدلا من جعلها جسماً حيادياً لأنها تمارس مهام القضاء والنيابة”، وأردف: “كذلك كان المطلوب من أعضاء اللجنة احترام مهامها وإبعادها عن الصراعات السياسية والابتعاد عن طريقة التشفي والاهتمام بإكمال دورة العدالة بتفعيل لجنة استئناف قرارات لجنة تفكيك التمكين وهو ما لم يحدث”، و أضاف الفاتح: “إذن أي أقوال عن تهديدات لأعضاء لجنة تفكيك التمكين في هذا الوقت الذي يشهد أفول نجم اللجنة بعد قيام القضاء بإلغاء العديد من قرارات اللجنة، يعتبر غالبا في نظر الكثيرين محاولة لجذب تعاطف المجتمع السوداني وليس بالضرورة تهديدات حقيقية ومع ذلك قد يكون حديث بعض أعضاء اللجنة عن تهديدات به شيء من الحقيقة لكن غالبا قد يكون ذلك أيضا جزءً من الصراع السياسي الحالي وبالتالي تهديد بغرض التخويف فقط”.
وفي حديثه عن الجماعات المتطرفة قال الفاتح: “أما بابنسبة للجماعات المتطرفة خاصة الأجنبية فهذه لم يسبق لها قط أن نفذت أي عملية لها في السودان ولذلك لا مصلحة لها في استهداف لجنة التفكيك التي كل أعمالها محصورة داخل السودان” .
كوابح تمنع الاغتيال

أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية صلاح الدين الدومة، يرى أن الاغتيالات السياسية في السابق كانت تقوم بها الدولة العميقة وعناصر النظام السابق، مستدركاً، “لكن الآن لايستطيعون القيام بعملية اغتيالات لأن العديد من وكلاء النيابة والقضاء يقفون ضدهم وليس مسيطرٌ عليهم”، منوهاً إلى أنهم كانوا في عهدهم يستغلون وجودهم في السلطة لتصفية الحسابات والاغتيالات السياسية.
واعتبر الدومة محاولة اغتيال حمدوك بأنها تمت من قبل الفلول وذلك بإيعاز من بعض المخابرات الأجنبية على اعتبار أنهم متضررين من شخصية وطنية مثل حمدوك، واستبعد الدومة في حديثه لـ”أفريقيا برس”؛ حدوث اغتيالات في السودان لأن هنالك كوابح أمنية تمنع عملية الاغتيال، واستدل بوجود تعاون أمني بين أجهزة المخابرات في السودان والأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة ، مؤكداً أنها تمنع أي عملية اغتيال، ونبه الدومة أيضاً إلى عوامل أخرى قال إنها تمنع جريمة الاغتيال، والتي هي “أن كل من كان يقوم بعملية الاغتيال في السابق كان يجيد الحماية والآن لا أحد يحميه حيث توجد دولة القانون والعدالة على حد تعبير الدومة.
فيلم سخيف

القيادي الإسلامي والأمين السياسي لحركة الاصلاح أسامة توفيق يذهب في حديثه لـ”أفريقيا برس”؛ إلى أن وجود داعش في السودان فزاعة، واصفاً ما جرى في الخرطوم بأنه تصفية حسابات مع أجهزة مخابرات غربية، وقال إن السودان بعد سقوط البشير أصبح “مطلوق” وكل أجهزة الدول الغربية والعربية تتهافت إليه لنهب موارده والتي يرى أنها المرحلة الوحيدة التي يمكن أن يستغلوها، لذلك ماجرى في جبرة كان بغرض إنهاء الوجود الأجنبي هذا، وبشأن كشف قائمة تضم لجنة التفكيك لاغتيال اعضائها، اعتبر أسامة الأمر بغرض استدراك عطف الجماهير، واصفاً ذلك بأنه “فيلم سخيف” واستمرار للكذب التي تقوم به اللجنة، وقال إن لجنة التفكيك ليس لها عداء مع داعش لكي يتم تهديد اعضائها، وتابع؛ إذا كان هنالك عدو لداعش يمكن أن يكون وزير العدل الذي ظل يغيّر قوانين الدين الإسلامي استرضاءً للغرب، واعتبر أن السودان لايعرف الاغتيالات السياسية، وأنه لن تحدث فيه عمليات اغتيالات لأن طبيعة مكوناتها السياسية متسامحة دينياً واجتماعياً وسياسياً.
استهداف حقيقي
مراقبون أشاروا إلى أن استهداف اعضاء لجنة التفكيك حقيقي سيما من عناصر النظام السابق ، مشيرين إلى الدور العظيم الذي تقوم به اللجنة من تفكيك للتمكين يجعل هؤلاء – أي عناصر النظام السابق – يضعون المتاريس أمام اللجنة سواء عن طريق اغتيال اللجنة معنويا أو تصفية اعضائها جسديا. ولم يستبعد مراقبون أن تتجذر ثقافة العنف والاغتيالات في السودان، مشددين على ضرورة تفعيل القوانين الصارمة في وجه كل من يحاول زرع الفتن في السودان.