الجماعات الإرهابية.. أسئلة عن وجودها بالسودان

94
نيابة مكافحة الارهاب تعلن عن القبض على عناصر ينتمون لتنظيم القاعدة

بقلم : خالد الفكى

أفريقيا برسالسودان. مثل ملف الارهاب عقبة كؤود أمام تطور وتقدم السودان خلال فترة الرئيس المعزول عمر البشير، وفرض المجتمع الدولي على حكومته حصاراً سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً بسبب إرتباطها الايديولوجية مع جماعات متشددة ، بل امتد الأمر لتوجيه ضربات عسكرية لمواقع داخل الاراضي السودانية بحجة تمويل بعض الجماعات بأسلحة وآليات عسكرية. وبعد الثورة تسربت أنباء بظهور جديد لتنظيمات يُعتقد أنها ذات صلة بداعش والقاعدة مع بروز مخاوف من توغل جماعة بوكو حرام والمتطرفين في كل من مالى ونيجيريا للسودان في ظل الهشاشة الأمنية الماثلة خاصة في دارفور.

حقائق مثيرة

ثمة تساؤلات ملحة تبرز على المشهد السوداني بشأن الجماعات المسلحة مثل القاعدة وداعش وهل الظروف مناسبة لظهورها بالسودان بما تمثله من امتداد في تشاد والنيجر ومالي، كما أنه ودون أي شك فان ملف الارهاب يرتبط بالولايات الامريكية المتحدة التي أطلقت حملة دولية لمحاربته، خاصة وان البعض يرى أن أمريكا تعيش على الاضطرابات الداخلية للدول، وربما يبرز هنا سؤال هل تعزيز وجودها يزيد من مخاطر ظهور داعش في السودان؟

صورة للمتهمين بقتل الدبلوماسي الأمريكي غرانفيل الذين حكم عليهم بالاعدام في اكتوبر 2009

الخبير العسكري والاستراتيجي، الدكتور عميد، الصوارمي خالد سعد، يحذر من حالة التراخي مع مثل هذه الجماعات وترك المساحات الواسعة لها لنشر فكرها وتمددها بين أفراد المجتمع، موضحاً لـ ’’أفريقيا برس”، أن على الاجهزة الاستخباراتية والامنية عدم التغافل وغمض الاعين، مضيفاً “ربما يكون هناك خلايا نائمة لهذه الجماعات والتنظيمات تعمل في الخفاء وترتب للسيطرة على رقعة جغرافية فى احدى الولايات الطرفية كما حدث في العراق أو ليبيا”.

وأشار سعد بأن داعش يُمثل جماعة إرهابية اقتصادية برزت في مواقع النفط وسيطرت عليها وتعاملت مع كبريات الشركات في هذا المجال حيث مولت نشاطها من تجارة النفط، لذا من الصعب أن يكون لها وجود في السودان لكونها تضع الموارد في بالها أولاً، مشيراً إلى أن تنظيم القاعدة يمثل امتداد للجماعات “الجهادية” التي تمركز بشكل رئيسي فى باكستان وأفعانستان وربما انضم اليها سودانيين في وقت سابقاً مثلما انتمى طلاب جامعات سودانية لداعش والتحقوا بالتنظيم في سوريا وليبيا وتركيا، حيث أن الاستقطاب يكون من الداخل للعمل خارج السودان وليس بالعكس.

وأضاف سعد ” أعتقد أن السودان كأرض لا يخدم الاستراتيجية والرؤية الكلية لكل من داعش والقاعدة وربما حتى جماعة بوكو حرام”، بيد أن سعد نوه إلى مستجدات وتقلبات الأوضاع في الإقليم والقرن الافريقي مما يستوجب على الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية التحسب لكافة السيناريوهات المهددة للأمن القومي السوداني في ظل مزاعم البعض للانتماء الفكري والايديولوجي للجماعات الاسلامية.

الخبير العسكرى والاستراتيجى، الدكتور عميد، الصوارمي خالد سعد، يقول لـ ’’ أفريقيا برس’’ ان ملف الارهاب ووضع التدابير اللازمة من قبل الحكومة للتعامل معه يجب أن يجد الاهتمام حيث أن المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يعتقدان أن السودان ربما يمثل أرض عابرة للجماعات المتطرفة، حيث أن هناك تعاون وجهود في هذا الصدد بين كل شركاء مكافحة الارهاب، مجدداً الحذر من محاولات قد تمارس في الخفاء لإضعاف القوات المسلحة السودانية من جهات تريد تحقيق أغراضها.

تورط النظام السابق

الكاتب الصحفى والمحلل السياسي عبدالله رزق يوضح لـ ’’افريقيا برس’’، لا أعتقد أن هناك ظهور جديد لجماعات إرهابية، في السودان، رغم أن النظام السابق وفر الحماية لأسامة بن لادن زعيم القاعدة، وساهم في تكوين تنظيم بوكو حرام، وفق افادات الساسة النيجيريين، وسمح لتنظيم داعش بتجنيد طالبات للالتحاق بالحرب في سوريا، كما كان للنظام علاقاته بتنظيم الشباب الصومالي، وغيره.

ونوه رزق “ربما هناك مخاوف جديدة منبثقة من خروج مجموع التنظيمات التي كانت تحظى برعاية النظام، من حالة الكمون إلى حالة النشاط الجهادي، بعد الثورة، لافتاً إلى أن بعض هذه المخاوف يرتبط بالتطورات في ليبيا، واحتمال تسرب مسلحين منها إلى غرب السودان، الذي يعاني من هشاشة أمنية مزمنة. وأضاف “لقد عرف الناس بعضا من هذه الخلايا النائمة، في أحداث جامع الثورة الحارة الأولى، وخلية السلمة و أحداث الدندر، ومقتل غرانفيلد، وغيرها”.

وأوضح بأن وسائل الإعلام نشرت أخبارا عن قبض السلطات لجماعات إرهابية، كما حدث في الحاج يوسف.. لذلك يبقي الخطر الإرهابي قائما كاحتمال، في ضوء المعطيات القائمة على الأرض، بما في ذلك تحول بعض أنصار النظام السابق، الذين فقدوا امتيازاتهم، بانتصار الثورة، إلى العنف، باسم الجهاد، حيث تجري الآن، وبنشاط تهيئة المناخ لهذا الاحتمال.

وأفاد رزق لـ “أفريقيا برس”، بأن للسودان اتفاقات مع الولايات المتحدة، في مجال مكافحة الإرهاب، وبموجب الالتزام بهذه الاتفاقات، قادت الولايات المتحدة عملية إعادة السودان، للمجتمع الدولي، من خلال شطب اسمه من القائمة الأمريكية للبلدان الراعية للارهاب، مبيناً أن الولايات المتحدة، وبلدان الاتحاد الأوروبي، يعملان على دعم الفترة الانتقالية، لتحقيق السلام والتحول الديموقراطي، ولضمان وجوده كشريك رئيس في الحرب على الإرهاب. وتابع بالقول” تشكل الحرب على الإرهاب، أساس تعاون السودان مع بلدان الجوار العربي والأفريقية، والتي تضع مسألة محاربة الإرهاب في صدارة أولوياتها”.

غياب الإستراتيجية

الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، الهادي محمد الأمين يرد على سؤال لـ “أفريقيا برس” حول ظهور جديد لجماعات إرهابية ذات ارتباط بالقاعدة وداعش، وهل الجذور مازالت باقية رغم الحرب على الإرهاب داخليا وعالميا.. يرد بالقول “ليس هناك ظهور جديد، ومايحدث حالياً هو امتداد للماضي”.

وحول كيفية الامتداد ومساراته، ومن المستفيد من ذلك، يرى الأمين بانه داخليا لا يوجد حرب علي الارهاب ولا توجد في الأصل استراتيجية حكومية رسمية للتعامل والتعاطي مع الارهاب وأصبح هذا الملف متنازع وموزع بين الجيش كطرف والشرطة كطرف والدعم السريع كطرف، مضيفا بأن الارهاب هو وجود محلي مع إرتباطات إقليمية وامتدادات دولية عبارة عن تشكيلات وشبكات داخل وخارج الحدود مثلها مثل الجرائم المنظمة عابرة الحدود كالهجرة غير الشرعية وتجارة البشر ومافيا تجارة السلاح وعصابات المخدرات.. الخ ، حيث فيها تداخلان ما بين الوجود المحلي والإقليمي والدولي، مٌضيفاً “طابع الارهاب وبصماته محلية وخارجية”.

وقال الأمين لـ “أفريقيا برس” بشأن إحتمال أن يكون للنظام السابق أيدي وراء هذا الامتداد، .. النظام البائد لا يفعل لكنه لا يمانع إن فعل ذلك آخرون لان فرص النظام البائد في العمل السياسي المفتوح والسلمي حتى الآن متوفرة له ويستغلها بذكاء فلن يغامر أو يجازف في الدخول في المشروع التخريبي أو الارهابي بشكل واضح ومباشر، ومضى للقول “ممكن تكون آخر كروته حينما يحين وقتها فلن يحرق هذه الورقة في الوقت الراهن لكن سيظل محتفظا فيما يقاتل آخرون نيابة عنه”.

وقال أنه في بداية الحكم الانتقالي كان هذا الكرت حاضرا لكن بعد أن تكشف للمؤتمر الوطني حقيقة ضعف الحكومة وهشاشتها مع الاخطاء الفادحة في سياساتها مع صراعات مكونات الحرية والتغيير مع بعضها و المكون العسكري مع الشق المدني بدأ في تغيير تكتيكاته واتجه للعب السياسي المفتوح في المركز والولايات و عبر العمل الفئوي والجماهيري والضغط والحملات الاعلامية المنظمة، فبالتالي أصبح هذا الخيار بالنسبة له خيار مؤجل.

خلايا نائمة

سودانيات التحقن بتنظيم داعش

أستاذ العلوم السياسة في الجامعات السودانية، الدكتور محمد خليفة الصديق، يرى أن التأثيرات المحتملة جراء احاطة السودان بدول اقليمية تنشط فيها القاعدة و داعش، بأن الهشاشة الامنية التي تجتاح دول المنطقة مثل ليبيا وتشاد بجانب الصومال في الشرق الافريقي هي التي تساعد في نشاط القاعدة والتنظيمات الجهادية المتطرفة كـ” بوكو حرام والقاعدة وداعش”، وتلقي بظلال سالبة على السودان في صراع الضعف السياسي واشكالات أخرى داخلية ، مضيفاً .. أعتقد أن هذه محفزات ومشجعات بأن تسعيد تلك الجماعات المتطرفة نشاطها وتوقظ خلاياها النائمة لتعود لمنصات العمل مجدداً.

ونوه الصديق بأن مسببات نمو بذرة التطرف متوافر مما يعني تهديد السودان بصورة مباشرة، لافتاً إلى تدهور الوضع الامني الداخلي واندلاع صراعات في دارفور وشرق السودان ومناطق أخرى في الاطراف، وأردف بالقول” في ظل هذه الاجواء قطعاً تتسلل العناصر المتطرفة مختبئة لتدخل في العمق السوداني بعيداً عن أعين الاجهزة الرسمية التي هي لها انشغالات تتعلق بإطفاء نيران حرائق الصراعات القبلية والاثنية هنا وهناك”.

كما أفاد أستاذ العلوم السياسة في الجامعات السودانية، الدكتور محمد خليفة الصديق لـ “أفريقيا برس”، بان قرارات وإجراءات الحكومة الانتقالية المتعلقة بقبول إقرار العلمانية والتوقيع على اتفاق سيداو، بجانب اتفاقات أخرى تُناهضها الجماعات الاسلامية، هو دون شك مدعاة إلي أن تتحرك تلك الجماعات المتطرفة وتُعلن موقفها الرافض لتطبيق قوانين وتشريعات ترى إنها مٌخالفة للشرع والشريعة الاسلامية.

ويُشير الصديق إلى أن الحكومة الانتقالية مٌطالبة بالتوازن في إقرار مثل كهذا قوانين تصادم المعلوم من الدين بالضرورة، وتصدم عقيدة المسلمين، حيث أن هذا كلها يشجع على أعمال التطرف وخروج الجماعات ذات الفكر التطرفي إلى العلن، مستغلة حالات الهشاشة الأمنية والخلافات السياسية وغياب هيبة الدولة، مشيراً إلى سهولة الدخول والعبور من الاراضي السودانية في ظل الاسباب المذكورة أعلاه يمثل تهديد بالغ الخطورة على الأمن القومي السوداني.

ولفت إلى أن حالة التراجع الاقتصادي ومعاناة أغلب السودانيين من تردي الاوضاع المعيشية ربما توفر حاضنة سياسية وإجتماعية لجماعات التطرف الديني وذلك من خلال الاغراء بالمال وإستغلال حاجة البعض إليه خاصة في أطراف البلاد، داعياً الاجهزة والمؤسسات الرسمية في الدولة لإطلاق حملات عملية ومهنية لكبح جماح التطرف وتجفيف منابعه ورسم سيناريوهات لمالآت الاوضاع لكي لايقع السودان وشعبه في أحضان التطرف الذي قد يٌنفذ عمليات انتحارية أو تصفيات وتفجيرات تُحيل السودان إلى جحيم وبلاد دون آمن وسلام.

مُعالجات فكرية

أعضاء ينتمون لداعش تم الإفراج عنهم بعد مراجعات فكرية – حزيران 2017

ربما قاد تغلغل نشاط الجماعات الارهابية والتكفيرية خلال عهد الرئيس المخلوع عمر البشير إلى استحداث مركز للمراجعات الفكرية والمنطلقات الايدولوجية لمن أنتمى من أفراد المجتمع لداعش أو القاعدة من السودانيين خاصة طلاب جامعات.

ويقول مدير مركز التحصين الفكري لمكافحة الارهاب الدكتور الزبير محمد علي، بأن المراجعات الفكرية لإصحاب الأفكار المتطرفة والمتشددة من الذين إنتموا لتلك الجماعات ولم يكونوا مطلوبين في تهم وجرائم جنائية تكون من خلال لجنة مُتخصصة تضم علماء دين وأطباء في الطب النفسي وعلم الإجتماع وذلك حتى يكون العلاج شاملا، مُقراً بتعاون كبير ومثمر مابين دائرة مكافحة الارهاب بجهاز الامن والمخابرات والمركز في هذا الصدد.

وأبدى محمد علي خلال حديثه لـ “أفريقيا برس” أسفه لانقطاع التواصل بين الطرفين بسبب الظروف السياسية في السودان، وانتشار فيروس كورونا، بيد إنه بشر بحوار مرتقب لإعادة التواصل والتعاون مع جهاز المخابرات إستكمالاً للخطط السابقة والمتعلق بملف الارهاب.

ونفى بشدة أن يكون أصحاب النشاط الفكري “داعش أو القاعدة” ميالين إلى العنف أو القتل والتفجيرات لكون أن المجتمع السوداني مُتسامح ولم يعرف أي ظاهرة شاذة ومقلقة بشكل منظم أو ممنهج، مشيراً إلى إنه بعد الثورة لم تكن هناك أي مراجعات فكرية وأن التواصل مع بعض أصحاب الأفكار المتعلقة بالارهاب مازال متصل وأن قل بسبب الاوضاع العامة في البلاد.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here