
بقلم : خالد الفكى
أفريقيا برس – السودان. دون سابق إنذار إنطلق دوي الأسلحة الرشاشة فى محيط “حي جبرة” جنوبي العاصمة الخرطوم، ليتفاجأ السكان بأن الأجانب فى إحدى الشقق السكانية ينتمون لجماعات إرهابية مُلاحقة من قبل جهاز المخابرات العامة، والذي فقد خمسة من منسوبيه خلال تبادل الرصاص مع الخلية الإرهابية التي أعادت للذاكرة قصص لحوداث عاشها مواطنى أحياء بالخرطوم خلال العهد المنصرم، حيث كان نظام البشير يوفر الماؤى لقادة جماعات وفصائل جهادية وإرهابية، وهذا جعل المجتمع الدولي يفرض سلسلة إجراءات أضرت الشعب السوداني، وذلك قبل أن تأتي الثورة وتفك الكثير من القيود على رأسها؛ رفع اسم السودان من لائحة دول رعاية الإرهاب.
حوار المتشددين
جهاز المخابرات العامة أوقف عدداً من المنتمين للجماعات التفكيرية والإرهابية، وعمد لعقد سلسلة حوارات للمراجعة الفكرية والعدول عن فكرة الغلو والإرهاب.

الخبير في مجال علوم الجريمة الدكتور طارق عبدالله، يقول لـ’’أفريقيا برس’’، لفتت الانتباه العملية التي نفذها جهاز المخابرات العامة وانتهت باستشهاد 5 من عناصره لعودة الجماعات الارهابية مضيفاً؛ أن تلك الجماعات تعود للسطح بعد نحو 14عاما من السيطرة عليها من قبل الأمن الوطني بعد توقيف خليتي الدندر والسلمة. وقال عبد الله:” لايمكن القول بأن هذه الجماعات وفدت حديثا للسودان فهي موجودة ولكن تحت سيطرة الأجهزة الامنية واهتمام الحكومة السابقة التي تعاملت معها كقضية فكرية”.
وشهد السودان عدة عمليات ارهابية منها مجزرة بيت الضيافة في 22 يوليو 1971 واقتحام منزل السفير السعودي اثناء حفل استقبال وقتل السفير الامريكي ونائبه وآخرين بواسطة منظمة ايلول الأسود الفلسطينية عام 1973.
وأشار عبد الله إلى فتح الحوار مع أولئك الشباب المتشددين دينياً، ووصلت معهم لوسطية الدين وغادر الذين يتمسكون بافكارهم والانضمام لداعش ومنهم على سبيل المثال قصي الجيلي الذي قتل في ليبيا. معتبراً أن المتغيرات الجديدة على المستوى الدولي والمحلي اعادت ظهور تلك الجماعات مرة اخرى من الداخل. وقال عبد الله: “أضحى عين التنظيم العالمي ينظر للسودان ليكون موطأ قدم له بعد الضربات التي تعرض لها في العراق وافغانستان وليبيا ومحاصرة التنظيم”.
ونوه الخبير في مجال علوم الجريمة بأن التنظيم خدمته ظروف التغيير في السودان بسقوط الحكومة القابضة، مستدلا على باستهداف جهاز الامن والمخابرات الوطني والسعي لهيكلته وحله تماما، وظهرت الخلافات السياسية والاضطرابات الأمنية وصنع الواقع السوداني بيئة خصبة لتنظيم يبحث عن أرض.
ويرى عبدالله أن التنظيم أنطلق السودان لنشر دعوته باقامة دولة الخلافة ولن يجد التنظيم افضل من السودان بموقعه الحغرافي وحدوده المفتوحة وتدين مواطنيه موضحا بأن ظهور الجماعات الارهابية والمتشددة في السودان في هذا التوقيت نتيجة طبيعية على اعتبار ان هناك استهداف للدين الاسلامي وزعزعة أمنية وعدم استقرار سياسي.
سيطرة أمريكية

السودان شهد اغتيال عالم الدين الشيعي عبد الحكيم الصدر بفندق هلتون بواسطة المخابرات البعثية العراقية، وتفجير فندق اكروبول والنادي السوداني 1988، بواسطة قوات فلسطينية.
الخبير في الدراسات الأمنية الدكتور طارق محمد عمر، يفيد لـ “أفريقيا برس”: “أن الإرهاب لا وطن ولادين له. ويعتقد عمر أنه لأسباب عقائدية وسياسية وأطماع اقتصادية وتوسعية وشهوات سلطانية .. اطلق الغرب بقيادة أميركا لفظ الحركات الارهابية على التنظيمات السياسية ذات البعد الديني لتحول دون تحقيق أحلام المسلمين في دولة الخلافة الاسلامية الراشدة”.
“الاصل في كشف وتعقب التنظيمات الارهابية” وفقاً للخبير الامني طارق عمر من اختصاص الشرطة الحنائية في جميع البلدان ويجري ذلك بالتنسيق مع الشرطة الدولية “الانتربول”. وأضاف محمد عمر “لكن المخابرات الامريكية المتزعمة لعمليات محاربة الحركات الاسلامية التي تصنفها ارهابية تجاوزت الشرطة، وارغمت احهزة مخابرات معظم الدول على افراد ادارات داخلها للمشاركة في عمليات المكافحة”. وأفاد أن اجهزة المخابرات اكثر مرونة ولاتتقيد بالقوانين المنظمة لعمل الشرطة مثل قوانين الاجراءات الجنائية والاثبات والعقوبات.
ويقول عمر بأن أميركا تريد حرباً على التنظيمات الإسلامية خارج أطر القانون، مضيفاً: “عمليات المكافحة تتطلب معلومات حقيقة وتفصيلية عن التنظيمات وعضويتها ومسرح عملياتها وتحركها وجهات تمويلها وتسليحها”. ويعتقد محمد عمر أنه ليس من الحكمة أن تتولى مجموعة الضباط والافراد المكلفين بتعقب خلية معينة مداهمة وكرها والقبض على المتهمين، إنما يتولى هذا الاجراء قوات خاصة مدربة ومؤهلة على حرب المدن وإقتحام المباني والتعامل مع المتفجرات.. وفي الغالب تتبع للجيش”.
وخلال تسعينيات القرن الماضي وقعت بالسودان حادثتي الاعتداء على المصلين بمنطقة الجرافة والثورة الحارة الاولى، واختطاف طائرتين سودانيتين، وضبط خلية الدندر وقتل الدبلوماسي الأمريكي غراند فيل.
تأثيرات الإنتقال
ثمة تعقيدات تمر بها فترة حكم الانتقال وإحداها شراكة بين العسكر والمدنيين، بيد أن مشكلات طفت على السطح تتعلق بالهشاشة الأمنية وأخرى متصلة بقضايا الإقتصاد والسياسة.

المدير الأسبق للمباحث الجنائية في وزارة الداخلية السودانية، اللواء معاش عابدين الطاهر يُبين لـ’’أفريقيا برس’’، بأن المرحلة الانتقالية لا تتحمل اي انفلاتات أمنية مهما كان حجمها. ويٌشير إلى إنه من المتوقع أن يتم استغلال نشاط هذا الفكر الارهابي في زعزعة استقرار الفترة الانتقالية.
وأقترح الطاهر إن تستبق حكومة الفترة الانتقالية هذه التوقعات بإنشاء جهاز الأمن الداخلي ليكون جهازاً مقتدراً وحائط صد ووسيلة منع لتمدد هذا الأنشطة الإرهابية. وأضاف: ” بالطبع خلو الساحة من جهاز مقتدر ومحترف وعالي المهنية سيكون عامل تشجيع لتمدد مثل هذه الأنشطة الهدامة داخل المجتمع وسهولة تحركات اعضائه وممارسة نشاطهم خاصة الاجانب منهم”. كما أوصى الطاهر بشدة أن يولي مجلس الوزراء هذا الامر أهمية متزايدة وعاجلة درءً لأي حوادث مستقبلية يتم التخطيط لها.
ويوضح الطاهر؛ بأن مثل هذه المجموعات يزداد نشاطها في ظل غياب المتابعة المحترفة والمقتدرة، مضيفاً: “الارهابيون والمتطرفون وسائل متاحة في ايدي اجهزة المخابرات”. وأردف الطاهر بالقول: “لا استبعد أبداً ازدياد نشاطهم بالبلاد في الأيام القادمة بهدف زعزعة الأمن وتحقيق اهداف معينة خلال الفترة الانتقالية”.
ووفقا لمعلومات متداولة فان عناصر خلية “جبرة” الإرهابية التي قتلت ضباط وضباط صف المخابرات العامة يحملون جنسيات مصرية.

بالمقابل يرى عضو الجبهة الثورية، اللواء أحمد عيسى، خلال حوار مع “أفريقيا برس” أن هناك تحركات لإنشاء دولة وإمارة إسلامية داعشية في السودان. ويعتقد عيسى أن هذا قد يكون بالتحالف مع التنظيمات المتطرفة السودانية مثل “نصرة الشريعة، حملة أختونا، الزحف الأخضر، النظام البائد واتباعه وشركاءه”.
وأضاف اللواء أحمد عيسى قائلاً: “تلك التحركات تستهدف إعادة إنتاج المؤتمر الوطني بشكل جديد لتضمن لهم المصالح السياسية والإقتصادية والعسكرية والرعاية، وهذا بجانب الدعم للجماعات التكفيرية العالمية خاصة بعد نجاح طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان”.
ولم يتردد عيسى في القول أن الارهاب في السودان يسعى لإيجاد مرتع خصب وملاذ آمن للتنظيمات المتطرفة بهدف للانطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية في دول الجوار والعالم. ولفت عيسى لممارسة ضغوط على الحكومة الانتقالية لإجبارها على مشاركة تنظيمات إخوانية راديكالية حلفاء وشركاء النظام البائد في السلطة الإنتقالية بواجهات ومسميات جديدة. مضيفا بالقول: “يأتي هذا لإعادة إنتاج التمكين وبعث وتجديد النظام البائد تحت غطاء الديمقراطية والإنتخابات المبكرة”.