تقول إحدى الحكايات المعبرة إن أحد الباشوات دار عليه الزمان وجار فاستدار حاله مائة وثمانين درجة، هبطت به من مقام الباشا العالي والرفيع إلى مجرد بائع يفترش الأرض وينادي على بضعة حزم من الفجل والجرجير، فرغم أن ذاك الباشا فقد الباشوية ومعها السلطة والهيبة، وتدهورت أوضاعه ورقّ حاله حتى لم يجد ما يفعله غير أن يصبح بائعاً للخضار مع كامل الاحترام للخضرجية، إلا أنه مازال يتصرف مثل الباشا الآمر الناهي، فلم يكن ينادي على بضاعته بالأساليب الجاذبة التي اشتهر بها الباعة، وإنما كان يصرخ في المارة (فجل يا حوَش يا نَورَ وجرجير يا كلاب يا بجم)..
وفي ذات المعنى قال الشاعر حِنْبِرة قباض الطير تحت عنوان دنيا فرندقس (دنيا عجيبة جداً في أسرارها الدفينة، ناس في سعادة دايمة وناس باكية وحزينة، ناس تشوي وتحمِّر وناس كل يوم سخينة، وناس رصيدها فايض وناس ما اتحل دينها)..
وقال المجيد حُميد (حكم انقلابات التساب دوارة دنيا فرندقس، نتجارى فيها سبق سبق نخسر بعض في هين تراب، نتلاوى عند فتح اللبق فاكرين برانا أهل عقاب، تاري البحر عوافي عندو معانا حق، يا الدنيا زي سكرة وتفك من راسو فك، بعض المسافات اتلغت، الفارغة طنبجا والملانة اتفرغت)..
صحيح أن الدنيا دوارة وفرندقس والزمان دفيس الما عندو غنماية يحلب التيس، كما يقول أهلنا في الغرب الحبيب، أو كما يقول أهلنا الحَمر (بفتح الحاء)، الدنيا أم دروب تدلي الراكب وتركب الأقروب، والأقروب هو الذي يسير راجلاً… فها هم من كانوا ملء السمع والبصر وملأوا الدنيا وشغلوا الناس بأحاديثهم وتصريحاتهم ، وكانوا يرعبون الناس بتسلطهم وجبروتهم فلا يجرؤ أحد على قولة (بغم) في حضرتهم، ها هم الآن بعد أن خلعتهم الثورة وفارقوا صولجان السلطة وأبهتها ، قد انحسرت عنهم الأضواء وخبأ منهم ذاك البريق، ولم يعودوا بتلك الأبهة والسطوة، لقد كانوا في مقام عزيز كافوري على رأي طرفة فناننا الضخم معنى ومغنى ومبنى المرحوم أبو داؤود، غير أنهم الآن أصبحوا أذلاء قوم بما اقترفت ايديهم، وطرفة أبو داؤود التي حكاها عن نفسه مؤداها أنه نال قرضاً من البنك الزراعي، امتلك بموجبه بعض الفدادين بضاحية الحلفاية زرعها برسيماً، ولكن المشروع فشل وكبده خسائر فادحة، ورغم ذلك لم ترأف إدارة البنك بحاله وظلت تلاحقه لتسديد القرض وإلا فسوف يرى، فكتب إليهم أبو داؤود يستعطفهم (أنا عندما عملت المزرعة دي كنت قايل نفسي حأبقى زي عزيز كافوري، ولكن للأسف بقيت عزيز قوم ذل)، وهذا بالضبط هو حال قيادات النظام البائد الآن…و ..الدنيا فرندقس والسلطة ضل ضحى، والكلام ليك يا حكومة ويا مجلس سيادة ويا قحت ويا حركات، والسعيد من اتعظ بغيره..