التجارة والأمن والمهاجرين.. أبرز ملفات جولة وزير الخارجية الجزائري للساحل (إضاءة)

2
التجارة والأمن والمهاجرين.. أبرز ملفات جولة وزير الخارجية الجزائري للساحل (إضاءة)
التجارة والأمن والمهاجرين.. أبرز ملفات جولة وزير الخارجية الجزائري للساحل (إضاءة)

أفريقيا برس – السودان. في أول جولة خارجية له منذ تعيينه وزيرا للخارجية الجزائرية، اختار أحمد عطاف، التوجه إلى دول الساحل الواقعة على الحدود الجنوبية مع بلاده، حاملا معه مشاغل أمنية واهتمامات اقتصادية، في ظل بداية انفلات الأوضاع في السودان، التي تعتبر الامتداد الطبيعي لدول الساحل من جهة الشرق.

وبدأ عطار، زيارته من موريتانيا في 25 أبريل/نيسان المنصرم، وختمها في النيجر يوم 27 أبريل قادما إليها من مالي، حيث سلم زعماء الدول الثلاث رسائل من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

ـ تداعيات محتملة لأزمة السودان على الساحل

فالحرب في السودان تهدد دول الجوار الجزائري الجنوبي رغم بُعدها النسبي، إلا أن سيناريو انهيار الجيش السودان أو دخول البلاد في حرب أهلية لن يكون له تداعيات فقط على دول جوار السودان بل يمكن أن تمتد إلى دول الساحل، من خلال انتشار الأسلحة والجماعات المسلحة وتجارة البشر والهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات.

والتجربة الليبية مثال على ما يساور الجزائر من قلق بشأن تداعيات الأوضاع في السودان على دول الساحل، فسقوط نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011، أدى إلى سقوط شمال مالي في يد الجماعات الانفصالية والإرهابية في 2012، وبعدها بعام تدخلت فرنسا في مالي، وبدلا من أن تقضي على الجماعات الإرهابية، انتشرت الأخيرة في النيجر وبوركينا فاسو، وتمددت في حوض بحيرة تشاد واستهدفت دول غرب إفريقيا.

وانسحاب القوات الفرنسية من مالي من شأنه ترك فراغ أمني في المنطقة، تحاول الجزائر ملئه على طريقتها، من خلال إحياء مجموعة دول الميدان، التي تضم كلا من موريتانيا ومالي والنيجر، وهي الدول التي زارها وزير الخارجية الجزائري الجديد.

لكن الجزائر تنوي تطوير آلية عمل مجموعة دول الميدان، فبدلا من الاكتفاء بالتنسيق الأمني والعسكري على الحدود المشتركة، سيتم تحريك دوريات مشتركة على الحدود، على الطريقة السودانية التشادية وأيضا بين السودان وليبيا، خاصة بعد أن تحرر الجيش الجزائري من نص دستوري يمنعه من القيام بعمليات عسكرية خارج الحدود.

فالتنسيق الأمني والعسكري بين دول الميدان لم يكن كافيا، في ظل ضعف القدرات العسكرية لجيوش المنطقة باستثناء الجزائر، وهذا ما سيحتم على الأخيرة مضاعفة نشاطها العسكري على الحدود المشتركة مع كل من مالي والنيجر وموريتانيا.

لكن الجانب العسكري، يجب أن يكون مرفوقا بمساعدات اقتصادية ومشاريع تنموية لمساعدة السكان المحليين على الاستقرار في مناطقهم، فليس غياب الأمن فقط ما يدفعهم للهجرة نحو الشمال، بل أيضا الفقر وغياب التنمية والجفاف الناتج عن الاحتباس الحراري.

الجزائر خصصت مليار دولار كمساعدات تنموية للدول التي تطلبها، وعلى رأسها دول الساحل المجاورة، وأيضا تسريع المشاريع التكاملية على غرار الطريق العابر للصحراء، وخط الألياف البصرية المرافق له، ناهيك عن أنبوب الغاز العابر للصحراء، وطريق معبد بين تيندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية.

وتعول الجزائر على هذه المشاريع لتنمية التجارة البينة مع دول جنوب الصحراء، وزيادة صادراتها خارج النفط والغاز، وتسعى لتعزيز ذلك عبر فتح فروع بنكية وخطوط جوية وبحرية لتحقيق هذا الهدف.

لكن زيارة عطاف، لكل من موريتانيا ومالي والنيجر، وإن حملت معها أهدافا مشتركا، إلا أن لكل بلد خصوصية معينة.

ـ موريتانيا.. تعزيز التبادل التجاري

طغى الجانبان الاقتصادي والأمني على زيارة عطاف لموريتانيا، نظرا للتهديد الأمني الذي يواجهه تجار البلدين على الحدود، وسعي الجزائر لتوسيع تجارتها الخارجية نحو دول غرب إفريقيا، يمر ذلك عبر البوابة الموريتانية.

لذلك كانت موريتانيا أول دولة يزورها عطاف، منذ تعيينه على رأس الدبلوماسية الجزائرية في 16 مارس/ آذار الماضي، ما يعكس رغبة البلدين في تعميق علاقاتهما الاستراتيجية على أكثر من صعيد.

وخلال لقاء عطاف، بالرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، تمت الإشادة بـ”الزخم الكبير الذي تشهده العلاقات الثنائية، وما أفضت إليه الدورة الـ19 للجنة المشتركة الكبرى، التي عقدت آخر اجتماع لها في نواكشوط في سبتمبر/أيلول 2022، من نتائج تفتح آفاقا واعدة نحو تحقيق شراكة استراتيجية، تقوم على مشروعات اقتصادية مهمة”.

وعلى رأس هذه المشاريع مباشرة عملية فتح بنك جزائري في نواكشوط، وإقامة معرض دائم للشركة الجزائرية للمعارض والتصدير، واستغلال حصص الصيد البحري المتاحة من طرف موريتانيا للجزائر، ناهيك عن مشروع الطريق بين مدينتي تندوف والزويرات، وفتح معابر حدودية.

والمفارقة أن هذه الزيارة الأولى التي يكون فيها الوفد الجزائري مرفوقا بمسؤول أمني بحجم مدير الوثائق والأمن الخارجي (المخابرات) اللواء جبار مهنى، ما عكس الطبيعة الأمنية للزيارة إلى جانب الجوانب السياسية والاقتصادية.

سبق وأن تعرضت شاحنات بضائع لقصف بالصواريخ مرتين في المناطق الحدودية بين الجزائر وموريتانيا وإقليم الصحراء، الأول في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، والثاني مطلع العام الجاري، بالإضافة إلى هجمات أخرى استهدفت منقبين موريتانيين على الحدود، وخلفت هذه الهجمات عدة قتلى وجرحى جزائريين وموريتانيين وصحراويين، وفق وسائل إعلام جزائرية وموريتانية.

وهذا الوضع المتوتر على الحدود، دفع الجهات الدبلوماسية والأمنية في الجزائر وموريتانيا لتعزيز التنسيق بينهما لتأمين طريق التجارة، وحماية مواطنيهما، وتجسد ذلك في توقيع البلدين مذكرة تفاهم لتأسيس آلية مستدامة تهدف لتعزيز التنسيق السياسي.

مالي.. إنقاذ اتفاق الجزائر من الانهيار

تعتبر مالي أكثر دول الجوار الجزائري عدم استقرارا، لذلك جاءت زيارة عطاف، إلى هذا البلد لإنقاذ “اتفاق الجزائر” بين الحكومة المركزية وجماعات الطوارق، والذي لوحت الأخيرة بالانسحاب منه، نظرا لعدم التزام باماكو بتنفيذ بنود الاتفاق الموقع في 2015، خاصة ما تعلق بإدماج المقاتلين الطوارق في الأجهزة الأمنية والعسكرية للبلاد.

وانتزع عطاف، وعدا من طرفي النزاع بالالتزام بـ”اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر”، وفق ما أكده بيان للخارجية الجزائرية.

أمن الحدود الجزائرية المالية، كان أيضا هدفا رئيسيا من زيارة عطاف لباماكو، في ظل انتشار الجماعات الإرهابية في شمال مالي قرب الحدود مع الجزائر، التي تسعى لتعزيز التنسيق الأمني الثنائي أو بإشراك أطراف أخرى ضمن دول الميدان، على غرار لجنة الأركان العملياتية المشتركة (CEMOC).

لكن لم يشر بيان الخارجية الجزائرية إلى تسيير دوريات مشتركة على الحدود، بالنظر إلى عدم تواجد لقوات مالية على الحدود مع الجزائر، رغم انسحاب قوات برخان منها، ما يجعل الوضع الأمني على الحدود هشا.

وتربط علاقات حسنة بين الجزائر ومالي، رغم الانقلابين الذين شهدتهما البلاد في 2020 و2021، ورفض الجزائر الانضمام إلى العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا على باماكو.

النيجر.. الهجرة والتنمية وأمن الحدود

الملف الأكثر أهمية الذي بحثه عطاف، مع رئيس النيجر محمد بازوم، وكبار مسؤولي البلاد، ملف الهجرة وتفعيل برامج تمويل المشاريع التضامنية التي تشرف عليها الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، التي خصص لها ميزانية مليار دولار.

أصبح تدفق المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء إلى الجزائر يثير قلق البلاد، خاصة مع انتشار الجريمة المنظمة وتهريب السلاح والمخدرات على الحدود، ناهيك عن تحركات عناصر إرهابية في الصحراء الكبرى، ما يهدد أمن البلدين والدول المجاورة.

تسعى الجزائر لتطوير التنسيق الأمني بين البلدين ليشمل تحريك دوريات عسكرية مشتركة على الحدود، لمواجهة الجماعات المسلحة وعناصر الجماعات المنظمة، خاصة في وجود تقارير غير رسمية تتحدث عن تحرك عناصر قبلية من مالي والنيجر للمشاركة في القتال بإقليم دارفور غربي السودان، إلى جانب قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

الملفات الاقتصادية كانت حاضرة هي الأخرى، وبالأخص، أنبوب الغاز العابر للصحراء، والذي أكملت نيجيريا 70 بالمئة من المقطع الخاص بها، ويبقى المقطع الخاص بالنيجر، والذي التزمت الجزائر بتمويله، لتسريع تصدير غاز نيجيريا إلى أوروبا، في ظل ارتفاع الطلب بعد تراجع الصادرات الروسية.

ناهيك عن إتمام مشروعي الطريق وخط الألياف البصرية العابرين للصحراء، وهي مشاريع تعول عليها الجزائر لتعزيز التعاون جنوبا، وتوفير فرص عمل وحياة أفضل لسكان المناطق الصحراوية المهمشة، من خلال تنشيط التجارة حول هذه المشاريع، وتقليص حجم الهجرة غير النظامية وتجارة البشر والجريمة المنظمة وتهريب السلاح والمخدرات.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here