الخنادق قبور للأحياء هرباً من موت “الدعم السريع”

18
الخنادق قبور للأحياء هرباً من موت
الخنادق قبور للأحياء هرباً من موت "الدعم السريع"

أفريقيا برس – السودان. تحمل السيدة السودانية أم شطة محمد صغارها كلما تسمع دوياً وتركض نحو حفرة في الأرض تم حفرها لتكون خندقا للاحتماء من القذائف التي تطلقها قوات الدعم السريع باستمرار صوب مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان. وفي الصراع العسكري المستمر بين الجيش السوداني و”الدعم السريع”، تحاصر الأخيرة عدداً من المدن، على رأسها الفاشر، التي أصدر مجلس الأمن بشأنها القرار رقم 2736 في 13 يونيو/حزيران 2024 مطالباً بوقف حصار المدينة وسحب جميع المقاتلين الذين يهددون سلامة وأمن المدنيين، لكن “الدعم” تجاهلت ذلك وواصلت حصار وقصف المدينة.

ومنذ منتصف إبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حرباً خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية. ودأبت “الدعم السريع” والمليشيات المتحالفة معها على مهاجمة مدينة الفاشر ومخيمات النازحين المقامة حولها، وأبرزها مخيمات زمزم وأبو شوك والسلام، وهي من المناطق التي تعاني انتشار الجوع، إذ أعلنت لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، المجاعة في مخيم زمزم في أغسطس/آب 2024، ثم أعلنت في 24 ديسمبر/كانون الأول 2024 امتداد المجاعة إلى مخيمي السلام وأبو شوك.

مبادرة لحفر الخنادق

وأعلنت غرفة طوارئ معسكر أبو شوك (مجموعة تطوعية) في ولاية شمال دارفور، في بيان يوم 20 فبراير/شباط الماضي، عن مبادرة لحفر الخنادق في مراكز إيواء النازحين للحماية من القصف المتواصل ولتقليل حدة الإصابات وسط المواطنين. وأضافت أن المتطوعين جمعوا مبالغ مالية لتنفيذ الخنادق بمراكز الإيواء، وأن تكلفة حفر أول خندق بلغت حوالي 250 ألف جنيه (الدولار يساوي حوالي 2000 جنيه سوداني). وأشارت إلى أن المعسكر يضم داخله عدداً من مركز الإيواء وساكنيه في حاجة ماسّة للحماية من القصف الجوي والمدفعي. وأكدت الغرفة أن النازحين في معسكر أبو شوك يعانون ظروفاً إنسانية بالغة التعقيد، وسط انعدام تام للخدمات الأساسية وحالة الجوع والعطش والقصف المستمر الذي بات جزءاً من الحياة اليومية.

السيدة أم شطة محمد التي كانت تقيم في حي الذاكرين بمدينة الفاشر، اضطرت إلى النزوح وأطفالها أربع مرات فراراً من الاشتباكات المتواصلة نتيجة الهجمات التي تشنّها “الدعم السريع” على المدينة منذ بداية الحرب، كما قالت. وأضافت في حديث لـ”العربي الجديد” أنهم عانوا وتعبوا كثيراً من النزوح المتواصل، وأنهم حالياً يقيمون في مدرسة تم تحويلها إلى مركز إيواء في معسكر نيفاشا للنازحين غرب الفاشر.

وأشارت أم شطة إلى أنهم هربوا وتركوا ممتلكاتهم ووسائل معيشتهم وهم في حاجة حاليا لمساعدات ويعانون من شح المياه والمأوى ولديهم مشكلة في توفر الحمامات، مضيفة “لقد زرعنا أرضنا لكننا لم نتمكن من أخذ محاصيلنا وهربنا بسبب الهجمات والمعارك”. وذكرت أنهم يواجهون مشكلة أخرى وهي القصف الذي يطاول المعسكر، وقد حفر لهم المتطوعون حفرة لتكون خندق مع سقف للاختباء داخلها عند القصف، ولكنهم في حاجة لزيادة هذه الخنادق نسبة لعددهم، لأن معهم أطفالاً وأشخاصاً مصابين برصاص وشظايا وكبارا في السن. وأضافت: “معنا أطفال أيتام مات ذووهم في الحرب وهم يعيشون معنا، ونحتاج إلى هذه الخنادق لحمايتنا من القذائف التي تضرب المعسكرات”.

من جهتها، قالت السيدة سهام مصطفى، لـ”العربي الجديد”، إنهم فروا من حي الذاكرين في الفاشر إلى مركز إيواء في معسكر نيفاشا شمال غرب المدينة هرباً من المعارك بين الجيش والدعم السريع، مضيفة: “لقد تعبنا جداً في الطريق لأننا نزحنا سيراً على الأقدام ولم نحمل معنا شيئاً، والآن نحتاج إلى الكثير من المساعدات على رأسها الطعام والماء”. وقالت إنهم وصلوا إلى المعسكر ولكن بسبب القصف المدفعي الذي يتعرض له المكان حفر لهم المتطوعون حفرة تحت الأرض لتكون خندقا، وفّرت لهم الحماية من القذائف والشظايا، إذ يركضون إليها عند حصول هجوم، لكنهم يحتاجون إلى زيادة الخنادق وأيضاً إلى مكان اضافي للسكن فوق الأرض لأن سكنهم الحالي لا يوفر ظلاً كافياً من أشعة الشمس.

بدوره، قال النازح مصطفى آدم إبراهيم، لـ”العربي الجديد”، إنه جاء إلى معسكر أبو شوك للنازحين شمال مدينة الفاشر من حي البراري في المدينة هرباً من المعارك وبرفقته عدد كبير من النازحين، مضيفاً أنهم عندما وصلوا إلى المعسكر واجهتهم مشكلة القذائف المتساقطة فلجأوا إلى حفر الخنادق بمساعدة المتطوعين. وأشار إبراهيم إلى أن عددهم في المجموعة معاً كبير ويحتاجون إلى ستة خنادق، وجزء منها تم حفره بالفعل لكنها تفتقر إلى السقف ويعملون حالياً على توفير المواد اللازمة لذلك.

استهداف متواصل من “الدعم السريع”

ويعمل متطوعون بمساعدة مجموعة من النسوة في معسكر أبو شوك على إقامة حفر في الأرض تكون غالباً بطول ثلاثة أمتار وعرض مترين وعمق متر ونصف مع مدخل صغير، ثم تُسقف الحفرة بالمواد المحلية المتوفرة من الحطب والقش وبعض قضبان الحديد القديمة، وتعبأ أكياس بالتراب لدعم السقف من الجوانب وتوفير حماية إضافية، وتمثل هذه الحفر طوق نجاة يلجأ إليها النازحون كلما تتساقط قذائف المدفعية أو تُشن الغارات الجوية. وللمفارقة تشبه حفر الحماية التي يحفرها النازحون للاحتماء من القذائف وحفظ حياتهم تلك التي يحفرونها أيضاً لمواراة قتلاهم بصورة جماعية جراء المعارك والقذائف، وتسبّب تزايد عدد الضحايا منذ اندلاع الحرب في امتلاء مقابر مدينة الفاشر، الأمر الذي دفع بعض السكان للاعتماد على مقابر جماعية خصوصاً في دفن ضحايا القصف.

وتعرّض معسكر أبو شوك لقصف نفذته “الدعم السريع” في 2 مارس/آذار الحالي أدى إلى سقوط 6 قتلى وعدد من الإصابات. وكان المعسكر قد تعرّض في 29 يناير/كانون الثاني الماضي لقصف أيضاً من “الدعم” تسبّب في مقتل 12 شخصاً. وقالت منسقية النازحين في دارفور (تنظيم أهلي) في بيان بعد يوم من قصف 29 يناير، إن “الدعم” تتعمد استهداف مخيمات النازحين والأحياء السكنية والبنية التحتية في الفاشر، واصفة الهجوم على معسكر أبو شوك بالوحشي وأسفر عن سقوط 12 قتيلاً وإصابة 11 آخرين بجروح خطيرة، فضلًا عن إحداث دمار واسع طاول الممتلكات والبنية التحتية. وأضافت أنه تم استهداف المخيم بأكثر من 88 قذيفة “في جريمة تعكس مستوى غير مسبوق من الوحشية والانحطاط الأخلاقي”.

كما تعرّض معسكر أبو شوك لغارة جوية من الطيران التابع للجيش يوم الثالث من يناير الماضي تسبّبت في سقوط قتلى وجرحى من السكان، حسبما أعلنت غرفة طوارئ المعسكر في بيان. وكان باحثون من مختبر الأبحاث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية، نشروا تقريراً مدعوماً بصور أقمار صناعية في 13 ديسمبر/كانون الأول 2024 كشف عن استخدام “الدعم السريع” مدافع ثقيلة تتوافق مع مدفع هاوتزر AH4 عيار 155 ملم صينية الصنع وهي منصوبة شرق مدينة الفاشر وتُستخدم في قصف المدينة ومعسكرات النازحين حولها. واعتمد مجلس الأمن في 13 يونيو/حزيران 2024 بتأييد 14 عضواً وامتناع روسيا عن التصويت قراراً يطالب بأن توقف قوات الدعم السريع حصارها للفاشر، وطالب القرار الذي قدمت مشروعه المملكة المتحدة بأن تكفل جميع أطراف النزاع حماية المدنيين بما في ذلك عن طريق السماح للراغبين في التنقل إلى مناطق أكثر أمناً داخل الفاشر وخارجها بالقيام بذلك، لكن لم يتم تنفيذ القرار.

وقالت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور، إن القصف الذي يطاول معسكرات النازحين وقراهم يهدف إلى تدمير حياة المدنيين بشكل انتقامي، مستهدفاً حواضن اجتماعية معينة في محاولة لمحوهم من الوجود، وهو نهج متطرف يعكس وحشية أطراف النزاع. مبينة أنه في الماضي كانت مثل هذه الجرائم تُرتكب في الخفاء، لكنها اليوم تُنفَّذ علناً دون أي رادع. وأضافت المنسقية في بيان يوم السادس من فبراير الماضي، أن هذه الممارسات، التي يرتكبها طرفا النزاع، الجيش عبر القصف الجوي والدعم السريع من خلال القصف المدفعي والهجمات المستمرة، تؤكد أن الحرب المدمرة أفرزت واقعاً مأساوياً وأدخلت مفردات جديدة في المشهد السوداني، سيكون لها تأثير سلبي على تماسك المجتمع في المستقبل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here