أفريقيا برس – السودان. بعد خسارتها ولاية الخرطوم، قبل نحو أسبوع، إلى جانب عدد من الولايات وسط السودان، أطلقت مليشيات الدعم السريع تهديداً باجتياح الولايات الشمالية التي ظلت نسبياً بمنأى عن العمليات العسكرية البرية منذ بدء الحرب بين “الدعم” والجيش، منتصف إبريل/ نيسان 2023 باستثناء تعرضها لهجمات متكررة بطائرات مسيّرة استهدفت محطات الكهرباء ومقرات الجيش. وأثارت هذه التهديدات موجة من الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي للتسليح والاستنفار لمواجهة الهجوم المتوقع. إلا أن مراقبين استبعدوا نجاح هذه المليشيات بتوسيع العمليات العسكرية إلى ولايات أخرى، بعد فقدانها معظم ولاية الخرطوم، الخرطوم العاصمة والخرطوم بحري وأغلب أحياء أم درمان.
مواجهة تهديدات “الدعم السريع”
وفي وقت اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أول من أمس الجمعة، في مناطق جنوبي وغربي أم درمان، فإن انكفاء “الدعم” من الخرطوم باتجاه معقلها في إقليم دارفور غربي البلاد، ينبئ أيضاً بمعركة مرتقبة هناك. وفي هذا السياق دعت قيادة الفرقة السادسة مشاة (تابعة للجيش) بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المدينة الوحيدة التي لم تسيطر عليها “الدعم” ضمن ولايات الإقليم الخمس، المواطنين إلى “عدم الالتفات للرسائل المضللة، والشائعات التي تروجها مليشيا الدعم السريع هذه الأيام حول هجوم وشيك على المدينة أو ادعاءاتها بتطويقها من عدة اتجاهات”. وأكدت في بيان أن هذه “الادعاءات ما هي إلا أكاذيب تهدف إلى بث الذعر والتشريد بين السكان”. كما أعلنت الفرقة نجاحها في تدمير عربتين “محملتين بالأسلحة والذخائر، باستخدام طائرات مسيّرة”، كانتا في طريقهما “إلى مواقع تخطط المليشيات لتحويلها إلى نقاط ارتكاز وإمداد لقواتها المهاجمة”. وأشارت إلى أن “الدعم السريع” أطلقت “عدداً من الطائرات المسيّرة مستهدفة مناطق متفرقة داخل الفاشر، لكنها فشلت في إصابة أي أهداف ذات قيمة”.
ويشهد السودان منذ 15 إبريل 2023، حرباً بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو الشهير باسم (حميدتي)، فيما خلفت الحرب التي تدخل عامها الثالث بعد أيام، دماراً هائلاً بالمدن والقرى والبنية التحتية للبلاد. وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين، وفق بيانات الأمم المتحدة. وظهر نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في خطابات على مواقع تواصل اجتماعي متعددة خلال الأيام الماضية مهدداً بتصعيد الحرب. وقال في خطاب يوم الثاني من إبريل الحالي، أمام مجموعة من المقاتلين في مكان غير محدد بدارفور، إنهم في “الدعم” كانوا “مخطئين حول مكان المعركة، ولكن الآن سيصححون الخطأ لتكون المعركة في (ولايتي) الشمالية ونهر النيل”. وأضاف أنه تم تجهيز ألفي سيارة عسكرية عبر الصحراء لأجل ذلك، مهدداً في الخطاب نفسه الضباط المتقاعسين عن القتال بالفصل والمحاكمة إذا لم يبلغوا المقدمة خلال ساعات.
في خطاب آخر أمام عدد من قواته في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، في الثالث من إبريل الحالي، قال عبد الرحيم دقلو إنه سيهاجم مدن عطبرة ودنقلا والقرير والدبة ومروي وشندي والقولد في ولايتي الشمالية ونهر النيل، واحدة تلو الأخرى. وأضاف: “لكن المواطنين العزل أهلنا ونحن حريصون عليهم”. من جهتها نشرت “الدعم السريع” في اليوم ذاته على تطبيق تليغرام فيديو يظهر مجموعة من المقاتلين يستقلون سيارات عسكرية معلنين جاهزيتهم لمهاجمة ولاية الشمالية. وأضافت أن ما أسمتها قوات “فرسان البوادي” تستعد لتحرير “الشمالية” مما وصفتها بـ”مليشيا البرهان ومرتزقة الحركات المسلحة (المساندة للجيش)”. سبق لعبد الرحيم دقلو وهو شقيق قائد “الدعم”، محمد حمدان دقلو، الإعلان في خطاب أمام سياسيين وقادة محليين موالين له في العاصمة الكينية نيروبي، يوم السادس من مارس/ آذار الماضي، أنه “سيتخلى عن الملابس المدنية” بعد ثلاثة أيام. وأوضح أنّ الهدف هو التوجه إلى الميدان لقيادة العمليات العسكرية، وتحرير الولاية الشمالية ونهر النيل، ومدينتي كسلا وبورتسودان شرقي البلاد.
وجاءت تهديدات “الدعم السريع” بعد هزائم مُنيت بها في الأشهر الماضية، سبّبت إبعادها عن ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض وغالب ولاية الخرطوم، لكنها سيطرت في أواخر مارس الماضي، على بلدة المالحة بولاية شمال دارفور، المحاذية لولاية الشمالية، بعد معارك ضارية مع الجيش والقوات المساندة له. دأبت “الدعم السريع” طوال الأشهر الماضية، على مهاجمة ولاية الشمالية بالمسيّرات مستهدفة مدينة مروي حيث قيادة الفرقة 19 مشاة التابعة للجيش. وضربت مسيّراتها أكثر من مرة محطة الكهرباء الملحقة بسد مروي. آخر هذه الهجمات على المحطة كانت في الساعات الأولى، من يوم أمس السبت، والتي سبّبت انقطاع التيار عن الولاية. وقالت قيادة الفرقة 19، في بيان أمس، إن الدفاعات الأرضية التابعة لها تمكنت من إسقاط عدد من المسيّرات التي أطلقتها مليشيا الدعم السريع. من جهتها أعلنت شركة كهرباء السودان، في بيان أمس، أن “قوات الدعم السريع استهدفت محطة مروي للكهرباء بطائرات مسيّرة وأصابت المحطة”، مضيفة أن “الاستهداف أدى إلى تضرر المحول المغذي للولاية الشمالية، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي”.
ولم يرد الجيش رسمياً على تهديدات “الدعم السريع” حول نقل المعارك إلى الشمال. لكن في رد على تلك التهديدات نشر عناصر من “لواء البراء بن مالك” (تشكيل شعبي مساند للجيش)، أول من أمس الجمعة، مقطعاً يتوعدون فيه عبد الرحيم دقلو بالتصدي له، والقدوم إليه في دارفور قبل وصوله إلى ولايتي الشمالية ونهر النيل. وكانت سلطات محلية الدبة بولاية الشمالية، ذكرت في بيان يوم 31 مارس الماضي، أن هناك شائعات تتحدث عن تحركات المتمردين (الدعم) في صحراء الولاية الشمالية لمهاجمة محلية الدبة، مبينة أن “القوات المسلحة والقوات النظامية والقوات الأخرى من الكتائب المساندة والمستنفرين على أهبة الاستعداد لرد أي عدوان والتعامل مع أي طارئ”. وأضافت: “ننبه المواطنين أن لا يلتفتوا إلى مثل هذه الشائعات التي تبثها غرف المليشيا عبر الميديا”.
تحشيد قبلي
رأى الصحافي السوداني، ياسر جبارة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه على الرغم من ضعف الموقف العسكري لمليشيات الدعم السريع كانت تصريحات عبد الرحيم دقلو بخصوص استهداف الإقليم الشمالي تؤكد أمرين اثنين. أولهما أن “استهداف المواطنين لم يعد أمراً موارباً كما كان يزعم قبل ذلك بأن الانتهاكات ينفذها متفلتون”، وثانيهما أن “حرب المليشيا تقوم بدوافع جهوية وإثنية، وهو أمر لم يعد مجال إنكار ما يضطره (دقلو) لإعلان ذلك لرفع حماسة التحشيد القبلي وسط محيطه المؤيد لهذه النزاعات رغبة أو رهبة”. ووصف “اختزال عبد الرحيم دقلو لمسألة عامين من الحرب باعتبارها خطأ في اختيار الميدان الصحيح، ألا وهو الإقليم الشمالي” بأنه “حديث صادم ويوضح مدى فقر التفكير وعدم الاكتراث بالمأساة الأشمل في تاريخ البلاد والتي طاولت كل السودانيين بلا استثناء”. وأوضح أنه “في الوقت الذي يشكو قلة الجنود، يهدد بغزو الإقليم الشمالي، وقوات الجيش بمنطقة أم درمان العسكرية تطارد قواته المتراجعة”. ويبدو أن دقلو، وفق جبارة، “يريد المساومة السياسية بفاتورة الانتهاكات ضد المدنيين العزل استباقاً لهزيمة عسكرية، حتى يجد موطئ قدم في معادلات التفاوض تمكنه من الحصول على نصيب في السلطة والإفلات من العقاب، وهو أمر ليس مستبعداً في تاريخ السياسة السودانية”.
في المقابل، اعتبر مستشار القائد العام لـ”الدعم السريع”، إبراهيم مخير، أن الصراع اندلع أساساً بين “من يودون تغيير النظام والتخلي عن السياسات التي كانت متبعة في إدارة شؤون السودان والمضي نحو المشاركة والديمقراطية وتوسيع قاعدة اتخاذ القرار السياسي، وبين من يودون أن تظل الأمور كما هي عليه، أي سيطرة سياسية واقتصادية للجيش على مصير السودانيين”. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذا الانقسام أدى إلى استقطاب شديد “حاولنا نحن قيادة قوات الدعم السريع تجنبه عبر الاستجابة المتكررة للمبادرات الوطنية والدولية لإعمال التفاوض كآلية لوقف الحرب”. إلا أن هذه المبادرات فشلت، وفق مخير، “لتعنت الجيش الذي تسيطر عليه الحركة الإسلامية العالمية المتمسكة بالسودان لأنه يمثل آخر قواعد نفوذها الجغرافية وتمثيلها الحكومي في العالم”. وأضاف أن “الدعم نفذت عدداً من الخطوات، من إعلان حكومة تقدم الخدمات للمواطنين (حكومة موازية من نيروبي في المناطق التي تسيطر عليها الدعم أي في دارفور) وفتح المفاوضات للمدنيين، لكن رد الجيش كان عنيفاً وتمثل في قصف مناطق طرة والكومة (شمال دارفور) وزيادة التحريض والاستقطاب، فيما انتهى الأمر بالمذابح في الخرطوم”. وذكر مخير أنه “أمام هذا التعنت لم تجد قيادة الدعم السريع خياراً سوى مواصلة التصدي”، مشيراً إلى “حديث القائد عبد الرحيم دقلو الذي جاء في هذا السياق. وقال إن “الدعم” تأمل في أن “يخضع البرهان للإرادة المحلية والدولية ويوقف الحرب، أو نتخلص منه ومن شروره إلى الأبد”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس