أفريقيا برس – السودان. يتنافس اللاجئون السودانيون مع سكان المناطق الحدودية في تشاد على موارد شحيحة، ما يؤدي إلى حوادث عنف وصراع بين الجانبين الفقيرين، في ظاهرة تتنامى بسبب تدفق الفارين من الحرب بين الجيش ومليشيات الدعم السريع.
– تتحاشى اللاجئة السودانية فاطمة بخيت هارون، الخروج من مخيم كوكو أنغرانا Koukou Angarana الواقع في إقليم سيلا جنوب شرقي تشاد على الحدود مع السودان، بعد تعرضها للضرب من أحد الأهالي المحليين خلال محاولتها الحصول على مياه الشرب من بئر تبعد عن مكان إقامتها ثمانية كيلومترات، إذ يتنافس اللاجئون والأهالي على مياه البئر ضمن صراعات لا تنتهي على الموارد تقع بسببها حوادث عنف متكررة، وفق ما تؤكده إفادات خمس لاجئات سودانيات، تعرضن للاعتداء من قبل سكان محليين شرق تشاد.
ومنذ وصول هارون وهي أم لستة أطفال إلى المخيم في عام 2013، تواجه مشاكل مع السكان المحليين خلال البحث عن المياه والحطب خارج المخيم، كما تقول بحزن :”في إحدى المرات تعرضت للضرب من قبل فتاتين عند ذهابي للحصول على المياه، ما جعلني أحاول التعامل مع احتياجاتنا عبر ما توزعه المنظمات الإغاثية رغم أنه لا يكفي”.
ويحدث الصراع بين اللاجئين والأهالي بسبب الموارد الشحيحة، وتحديدا المياه والحطب (يستخدم في طهي الطعام) في أقاليم ودايي وسيلا وفيرا (يبلغ عدد سكانها مليون نسمة من إجمالي سكان تشاد البالغ 17.1 مليونا حتى عام 2021)، كما يقول أحمد يعقوب دابيو، مدير مركز الدراسات للتنمية والوقاية من التطرف CEDPE (غير حكومي)، مؤكدا لـ”العربي الجديد” أن التشاديين يعانون من الفقر، ولا يحصلون على مساعدات إغاثية كما هو الحال مع اللاجئين وبالتالي تنفجر الصراعات.
متى وكيف بدأ الصراع؟
“يعاني 2.1 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في تشاد”، بحسب إحصاء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الصادر في 15 يوليو/تموز 2022، والذي لفت إلى أن إنتاج الحبوب في 2021 و2022 المقدر بـ 2.6 طن انخفض بنسبة 9% مقارنة بالعام 2020″.
وبينما يستضيف شرق تشاد 400 ألف لاجئ سوداني منذ اندلاع الصراع في إقليم دارفور قبل 20 عاما، يفرض الوافدون الجدد جراء الحرب التي اندلعت بالسودان في أبريل/نيسان 2023 ضغوطًا إضافية على الخدمات العامة والموارد في البلاد، كما يؤكد الموقع الرسمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 20 أبريل 2023.
ومع بداية الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي دخل 20 ألف لاجئ من السودان إلى تشاد، ليزيد هذا العدد حتى الأسبوع الثالث من مايو/أيار الماضي إلى 60 ألف لاجئ، حسب إدريس محمد نصر، مدير اللجنة الوطنية التشادية لاستقبال وإعادة دمج اللاجئين والعائدين (CNARR – حكومية)، مؤكدا لـ”العربي الجديد” أن المركز طالب الجهات الحكومية والشركاء مثل برنامج الأغذية العالمي بمساعدة اللاجئين ودعمهم.
تستضيف تشاد 460 ألف لاجئ من السودان منذ 2003 حتى مايو 2023
وبدأ الصراع بين اللاجئين الذين يتوزعون على 14 مخيما في أقاليم ودايي وسيلا وفيرا، على الحدود السودانية التشادية والسكان المحليين بعد أشهر من وصول اللاجئين في أبريل 2003، وتحديدا في أغسطس/آب من ذات العام، وفق ما يؤكده لـ”العربي الجديد” أحمد اللمين بكر، مسؤول الطوارئ في الصليب الأحمر التشادي، معيدا الأمر إلى شح الموارد وعجز سيارات الأمم المتحدة عن إيصال الدعم إلى مخيمات اللاجئين بسبب وعورة الطرقات.
و”يؤدي الضغط على الموارد الطبيعية المحدودة في المنطقة إلى استنزافها. كما يؤدي إلى توتر العلاقة بين بعض السكان المحليين واللاجئين”، وفق تقرير “تدفق اللاجئين من السودان”، الصادر عن acaps (مشروع غير حكومي يدعم عمال الإغاثة الإنسانية) في الرابع من مايو 2023.
ما سبق تؤكده اللاجئات السودانيات ومن بينهن الثلاثينية عرجون بابكر، التي تعرضت لضربة بالرأس من أحد السكان المحليين في أبريل 2020، بعد مطالبته بتعويضها عن الزرع الذي أتت عليه ماشيته في أرض صغيرة زرعتها بجانب مخيم كوكو أنغرانا في إقليم سيلا، و”حتى اليوم أعاني بسبب الضربة من صداع مستمر”، كما تقول لـ”العربي الجديد”، وتضيف: “ما يحزنني هو أنني شكوت المعتدي عند مسؤولي الأمن لكن أحدا لم يعتقله أو يحقق معه”، وتضيف: “منذ وصولنا في عام 2013 ونحن نواجه مشاكل مع سكان المنطقة”.
وتكرر العنف مع الأربعينية حكمة آدم التي تقول: “المياه هي سبب الصراع مع السكان المحليين”، مضيفة أن الشاحنات التي تنقل المياه من مدينة إريبا Iriba في إقليم فيرا، تقدم لنا يوميا أقل من الحاجة الأساسية، إذ يحصل اللاجئ الواحد يوميا على 10 لترات من الماء فقط وهذا لا يكفي”. ووصلت آدم إلى مخيم أم نبق Amnaback قرب مدينة أريبا في عام 2013، كما تقول لـ”العربي الجديد”.
وتواجه العشرينية فائزة عبدالله تكين والتي وصلت إلى مخيم كونوقو Kounougou في إقليم فيرا، في عام 2004، مشاكل هي الأخرى عند ذهابها إلى خارج المخيم بحثا عن الحطب، كما تقول:” في عام 2010 كسرت يدي بسبب ضربة بالعصا تلقيتها من أحد السكان”، وتضيف لـ”العربي الجديد”: “نحن الكبار نتعرض للضرب، أما الفتيات فيمكن أن يتعرضن للتحرش والاغتصاب”.
و”تواجه النساء والفتيات عوامل الخطر الجدي مثل الاغتصاب وغيره من ضروب العنف لدى مغادرتهن المخيمات والسير لمسافات تصل إلى 10 كيلومترات، بحثا عن الحطب بعد استنفاده من المناطق القريبة من المخيمات”، حسب تقرير “لا مكان لنا هنا”: العنف ضد اللاجئات في شرق تشاد”، الصادر في عام 2009، موضحا أن 11 امرأة تعرضن للاغتصاب، عشر منهن اغتصبن لدى مغادرتهن مخيم فرشانا (شرق تشاد) للاجئين للقيام بأعمال، مثل البحث عن الحطب”.
مساعدات شحيحة
“يعيش 42% من التشاديين تحت خط الفقر الوطني المقدر بـ 1.90 دولار في اليوم”، حسب تقرير “تدفق اللاجئين من السودان”، موضحا أن “تشاد واجهت حالات طوارئ إنسانية متكررة بسبب الفيضانات والحصبة وتفشي الكوليرا، والتدفقات الدورية للاجئين والعائدين والمشردين داخليا بسبب الصراع في الدول المجاورة، بما في ذلك السودان.
%42 من التشاديين تحت خط الفقر الوطني المقدر بـ 1.90 دولار
و”قد شكلت حالات الطوارئ هذه ضغطا بالفعل على موارد البلد الشحيحة”، ويشير التقرير إلى أن “سكان الحضر يعيشون بشكل رئيسي على الزراعة البسيطة أو تربية الحيوانات، والتي من المرجح أن تتأثر خلال موسم الأمطار، مما يؤثر على المجتمعات المضيفة واللاجئين”، موضحا أنه “لا يوجد سوى القليل من فرص الحصول على سبل العيش في مخيمات اللاجئين، ما يتركهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم بأنفسهم”.
وقد تؤدي الموجة الجديدة من الوافدين إلى زيادة الضغط على الموارد وبالتالي التوترات بين اللاجئين والسكان المحليين، حسب المصدر السابق، وتعيش 95% من الأسر التشادية في إقليمي سيلا وفيرا على الزراعة الموسمية التي بالكاد تكفيهم حصيلتها لأشهر، حسب نصر، مشيرا إلى أن هذه المناطق فقيرة بالموارد التي يتقاسمها السكان مع اللاجئين الذين يحصلون على مساعدات لا يحصل عليها السكان، مستطردا: “نتيجة لذلك نمت العداوة والكراهية بين السكان واللاجئين”.
لكن دابيو يقول، إن ما تقدمه الأمم المتحدة ليس كافيا، كما أن المساعدات تصل متأخرة أحيانا بسبب وعورة الطرقات المؤدية إلى المخيمات، ما يدفع اللاجئين إلى الخروج بحثا عن الماء والحطب فيتعرضون لمشاكل مع السكان المحليين، وهو ما تعاني منه اللاجئة نحلة عمر أبكر (48 عاما) والتي وصلت إلى مخيم كوكو أنغرانا في مارس/آذار 2004، كما تقول لـ”العربي الجديد”، مضيفة أن برنامج الأغذية العالمي وفر مادة الغاز لثلث سكان المخيم ممن يمتلكون أسطوانات غاز، وتردف: “لم أحصل على الغاز، لعدم وجود أسطوانة معي، وأضطر للخروج من المخيم بحثا عن الحطب وتحدث المشاكل مع السكان المحليين الذين يطلبون منا البقاء داخل المخيمات وعدم الخروج”.
و”أُجبر برنامج الأغذية العالمي على خفض المساعدات الغذائية في الأشهر الماضية بفعل النقص الكبير في التمويل، إذ يمكن للبرنامج مساعدة حوالي 270 ألف شخص فقط من أصل 600 ألف لاجئ في البلاد حتى أبريل الماضي”، بحسب ما يوثقه موقع الأمم المتحدة في بيان منشور في 14 أبريل 2023، موضحا أن “البرنامج بحاجة إلى 142.7 مليون دولار أميركي بشكل عاجل على مدى الأشهر الستة المقبلة لمواصلة برنامجه لمساعدة اللاجئين وتقديم المساعدة الغذائية المنقذة للحياة للمجتمعات التي تواجه الأزمات”.
عجز حكومي عن إيقاف العنف
“ارتفعت الميزانية السنوية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين من مليار دولار أميركي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، إلى مستوى سنوي بلغ 9.15 مليارات دولار أميركي في عام 2021″، وفق موقعها الرسمي.
وعن الدور الحكومي في وقف الصراع ووضع حد للعنف بين اللاجئين والسكان المحليين، يقول علي محمد، السكرتير الدائم للجنة الوطنية لاستقبال وإعادة دمج اللاجئين والعائدين لـ”العربي الجديد” إن “الحكومة التشادية طلبت من الأمم المتحدة مساعدة السكان المحليين وتقديم بعض العون كي لا يشعروا بالغيرة من اللاجئين وتندلع الصراعات بينهم”.
“ومن غير المنطقي تقديم الرعاية للاجئين دون الاهتمام بسكان البلد المضيف، علما بأن تدفق اللاجئين بهذا الحجم ينعكس سلبا على الحياة العامة للسكان”، كما قال رئيس الفترة الانتقالية رئيس الجمهورية، الفريق أول محمد إدريس ديبي إتنو، لدى استقباله وفدا من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، برئاسة رؤوف مازو، مساعد المكلف بالعمليات في المفوضية في 22 مايو 2023.
لكن أريستوفال نغارغون، المسؤول الإعلامي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يرد على ما سبق قائلا لـ”العربي الجديد” أن 2.5% من ميزانيتها الإجمالية تذهب لصالح تطوير البنية التحتية وتحسين حياة سكان المناطق التي استضافت اللاجئين.
و”أطلقت الحكومة التشادية وشركاؤها خطة الاستجابة الإنسانية (HRP) لعام 2023، ومُنحت 670 مليون دولار أميركي لتلبية الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد. لكن ما تلقته الخطة يشكل 5% فقط من متطلباتها المالية حتى الآن، وفق موقع الأمم المتحدة، ويعني هذا بحسب دميان ليلي، نائبة المدير المساعد لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنساني (أوشا) في تشاد، أن الدولة لا تستطيع تحمل تكاليف اللاجئين والمفوضية عليها أن تجد حلولا من أجل مساعدتهم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس