أفريقيا برس – السودان. -مبادرة حمدوك سلطت الضوء على مكامن الخلل في البلاد من تدهور أمني واقتصادي وصراعات قبلية، خلال الفترة الانتقالية التي قاربت من نهاية عامها الثاني.
-الحلول التي قدمها رئيس الوزراء للأزمات في البلاد جاءت ناقصة، وفق مراقبين، إذ أنها لا تعرض حلولا جذرية للقضايا والأزمات المستفحلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
بين مؤيد ومعارض ما زالت ردود الأفعال تتواتر بشأن مبادرة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، التي عدها مراقبون بمثابة توصيف لأزمات البلاد خرج من رحم والمعاناة، ورسائل للم شمل وتوحيد كافة الأطراف من أجل تسهيل الوصول إلى الحلول.
وعلى مدار نحو عامين، شهد السودان تطورات متسارعة ومتشابكة، ضمن أزمة الحكم، منذ أن عزلت قيادة الجيش عمر البشير من الرئاسة في 11 أبريل/ نيسان 2019، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر 2018، تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.
وعلى وقع تلك التطورات، طرح حمدوك الثلاثاء الماضي مبادرة، تضم 7 محاور، هي: إصلاح القطاع الأمني والعسكري، والعدالة، والاقتصاد، والسلام، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو/ حزيران (نظام البشير) ومحاربة الفساد، والسياسة الخارجية والسيادة الوطنية، وتشكيل المجلس التشريعي (البرلمان).
المبادرة وجدت تجاوبا أمريكيا لافتا، حيث بحث وزير الخارجية أنتوني بلينكن في اتصال هاتفي مع حمدوك، الأحد، المبادرة التي طرحها الأخير لحل الأزمة الوطنية والانتقال الديمقراطي.
وأكدت الخارجية الأمريكية في بيان، أن بلينكن أكد دعم بلاده لمبادرة رئيس الوزراء لتعزيز الوحدة الوطنية وتسريع خطوات تشكيل المجلس التشريعي، وإصلاح القوات المسلحة، ودمج القوى الأخرى في جيش محترف.
أما محليا فكان آخر المتفاعلين مع مبادرة حمدوك حزب الأمة القومي، والحزب الشيوعي، فالأخير والمنسحب من قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم) أعلن السبت، أنه سيقدم رد متكامل على المبادرة.
أما حزب الأمة القومي أكبر أحزاب قوى الحرية والتغيير، فأعلن عن تأييده للمبادرة.
وقال رئيس الحزب فضل الله برمه ناصر، السبت، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية الرسمية: “حزبنا (الأمة القومي) يؤيد مبادرة رئيس الوزراء لتوحيد القوى السياسية، حيث أنها تتطابق مع المبادرات التي أطلقها حزبنا في وقت سابق”.
وفي الجانب الآخر كان الرافضون للمبادرة، على رأسهم حزب المؤتمر الشعبي المعارض (حزب الراحل حسن الترابي) والذي قال القيادي فيه أبوبكر عبد الرزاق، بتصريح صحفي، إن حمدوك “لم يقدم مبادرة وإنما برنامج حصري لمعالجة مشاكل الحرية والتغيير والمكوّن المدني والعسكري”.
والخميس، أعلنت “الجبهة الثورية” (تضم حركات مسلحة) و”قوى الحرية والتغيير” (الاثنان ضمن الائتلاف الحاكم)، دعمهما مبادرة حمدوك.
حقائق الأزمة
وحسب محللين، فإن مبادرة حمدوك سلطت الضوء على مكامن الخلل في البلاد من تدهور أمني وتدهور اقتصادي وصراعات قبلي، خلال الفترة الانتقالية التي قاربت من نهاية عامها الثاني.
وفي ذات الوقت هي أوضحت التمزق الذي يضرب الكتل السياسية والنزاع بين القوى العسكرية التي تشارك في السلطة، على حد قول المتابعين.
كما أن الحلول التي قدمها رئيس الوزراء للأزمات في البلاد جاءت ناقصة، وفق مراقبين، إذا أنها لا تعرض حلولا جذرية للقضايا والأزمات المستفحلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وقال حمدوك، الثلاثاء، وهو يشرح مبادرته، إن أسس التسوية الشاملة تشمل توحيد الكتلة الانتقالية، وتحقيق أكبر إجماع ممكن داخلها حول مهام الانتقال، والشروع مباشرة وعبر جدول زمني متفق عليه في عملية الوصول لجيش واحد مهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة عبر عملية للإصلاح الشامل، وبما يعبر عن تنوع السودان الفريد، وتوحيد مراكز القرار داخل الدولة وعملها وفق رؤية مشتركة.
وبدأ السودان، في 21 أغسطس/آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، يتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري (المنحل) و”قوى إعلان الحرية والتغيير” (قائدة الحراك الشعبي)، والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام.
مهددات الفترة الانتقالية:
المحلل السياسي عبدالله رزق، رأى أن مبادرة رئيس الوزراء استهدفت التأثير على التحديات التي تهدد المرحلة الانتقالية، بما فيها الانقسامات في الساحة السياسية، ووضح ذلك في أن قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية العمود الفقري للفترة الانتقالية أعلنت تأييدها للمبادرة، وأحبطت بذلك قوى الثورة المضادة التي سعت حثيثا للاستثمار في تلك الانقسامات.
وأضاف في حديثه للأناضول: “ما يميز الموقف المفاجئ، لما يسميه حمدوك، بالكتلة الانتقالية، هو تجديد الثقة في حمدوك نفسه، وفي حكومته، والتأييد غير المتحفظ لمبادرته، للعبور من نفق الأزمة الذي انتهت إليه الأوضاع العامة في البلاد”.
وأرجع رزق ذلك إلى أن تشريح الأزمة وتحديد طبيعتها بصورة عامة، وفق ماورد في نص المبادرة، وما تقترحه من حلول، هو من المعلوم بالضرورة.
متفقا مع سابقه، أوضح الكاتب والمحلل السياسي المعروف عبدالله على إبراهيم، في مقال نشره على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أن حديث رئيس الوزراء عن أزمة الفترة الانتقالية في مبادرته حملت رسائل عدة أولها للثورة المضادة، بأنها خاب توقعها بذهاب الثورة التي أطاحت بالبشير.
كما حملت المبادرة، وفق إبراهيم، رسائل لقوى “إعلان الحرية والتغيير” بأنها “قد أضاعت وقتا ثمينا في العمل المنفرد دون الآخرين والحكومة، وللمكون العسكري بأن عليكم ترتيب بيتكم الداخلي، و للحركات المسلحة التي جاءت باتفاق السلام، بأنها طرف في المحنة فلا تزعم أنها جاءت بالحل”.
شروط النجاح:
وفي سياق تقييم المبادرة، ذهب بعض المراقبين إلى أن مبادرة حمدوك، حاول فيها ألا يكون هو جزء من الأزمة بحيث أن كل القضايا التي طرحها هي من مسؤوليته التي كان يجب عليه تنفيذها منذ تولي السلطة في أغسطس/آب 2019.
وذهب هؤلاء إلى أن مسؤولية مراجعة الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلة وإصلاح الجيش هي من المهام التي جاءت في الوثيقة الدستورية، وكذا تكوين المجلس التشريعي، وكان يجب على رئيس حكومة الثورة أن يكون قد انتهى من تنفيذها منذ توليه السلطة.
وأقرت الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكون العسكري وقوى “إعلان الحرية والتغيير” إصلاح وهيكلة الأجهزة الأمنية والجيش وكذلك تكوين المجلس التشريعي بعد مرور 3 أشهر من التوقيع على الوثيقة في أغسطس/آب 2019 وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وفي هذا الصدد، رأى الكتاب والمحلل السياسي عثمان فضل الله أن مبادرة حمدوك جيدة لكن هناك عدة أسباب قد تمنعها من النجاح أولها ضعف الأداء الحكومي في الملفات الاقتصادية والخدمية، وثانيها البطء في ملف العدالة بالبلاد.
وأضاف فضل الله في حديثه للأناضول: “ولذلك يجب إكمال هياكل السلطة وعلى رأسها تكوين المحكمة الدستورية، تشكيل البرلمان، حتى تستطيع المبادرة التمهيد لإيجاد أرضية للنجاح”.
وأشار إلى أن المبادرة عليها أن توجه صوب مكونات المجتمع، وكذلك الكتلتين المعارضتين لسلطات الفترة الانتقالية وهما “الحزب الشيوعي” و “الإسلاميين” لأنهما الأكثر تشددا في معارضتهم للحكومة.