أفريقيا برس – السودان. بدا يوم الخامس عشر من أبريل/ نيسان الماضي يوما اعتياديا في السودان، ولكن مع ارتفاع الشمس في السماء، بدأت التوترات تملأ الأجواء إثر تفجر الخلاف بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” إلى مستوى نزاع مسلح.
الشاب التركي أحمد طيب أوكسوز، قال في مقابلة مع الأناضول، إنه أدرك وجود التوترات عندما اتصل به مديره ليخبره بصوت مرتجف أن البلد يشهد اشتباكات عنيفة.
كان أوكسوز يعمل نائبا للمدير في شركة تركية قبل اندلاع الصراع في السودان، حيث بدأ حبه لثقافة وشعب البلاد ينمو منذ وصوله قبل نحو عام ونصف، ولكن تصاعد العنف أجبره على المغادرة حفاظا على سلامته.
وقال: “في اليوم الأول للنزاع، خيم صمت لا يصدق على مدينة الخرطوم. وكانت أصوات الاشتباكات والقنابل هي الأصوات الوحيدة المسموعة. بقي الناس في منازلهم وحاولوا متابعة التطورات عبر الإنترنت”.
ولفت إلى أنه توقع قطع الإنترنت في البلاد، على غرار ما حصل خلال أحداث سابقة مماثلة شهدتها البلاد “لكن من الغريب أنه ظل متاحا خلال أعمال العنف الأخيرة”، على حد قوله.
ووصف أوكسوز صعوبة تجربته قائلا: “بصفتي مواطنا تركيا، لم أر مثل هذا الأمر في حياتي. إنه وضع محبط للغاية نفسيا”.
وأضاف: “عمري 25 سنة، ولم أر قط طائرة ميغ 29 أو إف 16 وهي تقلع وتضرب هدفا على بعد كيلومتر واحد في الجو، ولم أر صاروخا محلقا من قبل”.
وذكر أن “الأتراك في السودان ظلوا على اتصال فيما بينهم لتبادل المعلومات بشأن محلات البقالة المفتوحة والطرق الآمنة، ومن هي القوات المسيطرة على الشوارع”.
** التعاطف السوداني في الشدائد
وشرح الشاب التركي قصته قائلا: “أولاً، حاولنا على الفور الاتصال بأصدقائنا ومعرفة كيف يمكننا إيجاد طريق للفرار”.
وأضاف أنه “في اليوم الأول لم تفتح المتاجر، ولم يتمكنوا من العثور على متجر قريب سوى إمدادات محدودة في اليومين الثاني والثالث”.
وتابع أنه إضافة إلى تلبية احتياجاته الخاصة، فقد حرص أيضا على مراعاة احتياجات الآخرين وشراء ما يلزمه فقط، بما في ذلك الدقيق.
وأكد أن “أكثر ما أذهله هو اللطف الكبير وتعاطف الشعب السوداني في مواجهة الشدائد”.
ومضى قائلا: “أقدر شعب السودان. ففي الأيام الأولى وعندما ذهبت إلى البقالة، كان الجميع يحرص على ترك شيء للآخرين قدر الإمكان”.
** “الشعب يريد السلام”
وقال أوكسوز إن “الشعب السوداني يعيش حالة من اليأس، ويعتقد أن من سيتولى السلطة لن يحسن من وضعه الحالي”.
وأضاف: “عانى الناس بالفعل مثل هذه الظروف، لذا سئموا الوضع وأصبحوا في حالة يأس”.
وأردف: “الشيء الوحيد الذي يريده الشعب السوداني هو السلام. فهم يتوقون إلى وسائل الراحة الأساسية ومتع الحياة البسيطة التي يستحقونها مثل القهوة والإنترنت”.
وأشاد أوكسوز بكرم الضيافة الذي أبداه الشعب السوداني في وقت الشدة، قائلا: “فتح الناس أبوابهم وقدموا وجبات الطعام المجانية وساعدوا بعضهم”.
وأضاف: “دائما يعاملني بلطف الشعب السوداني الذي يحب الأتراك كثيرا بسبب رئيسنا (رجب طيب أردوغان) والاستثمارات التي قامت بها بلادنا هناك”.
وأعرب عن “الشعور بالحزن لأنه لم يستطع توديع أصدقائه السودانيين قبل مغادرته البلاد”.
** بر الأمان
أجبر الصراع أوكسوز على مغادرة السودان، مدركا أنه ترك وراءه مكانا أصبح يشعر به وكأنه “وطني الثاني”.
تدخلت تركيا لإجلاء مواطنيها من السودان، ومنهم أوكسوز الذي أكد أن ذكرياته ستبقى في السودان لفترة طويلة بعد رحيله من البلاد.
وقال إن عملية الإجلاء استمرت نحو خمسة أيام، فبعد مغادرتهم السودان سافروا أولاً إلى إثيوبيا قبل وصولهم في نهاية المطاف إلى إسطنبول، صباح الخميس الماضي.
وبمجرد وصوله بأمان إلى تركيا، كان لدى أوكسوز شعور مختلط بالراحة والحزن، فقد شعر بالارتياح لكونه “أصبحت بعيدا عن الأذى وعدت لأسرتي”، لكنه شعر أيضا بـ”إحساس عميق بالخسارة” تجاه الشعب والبلد الذي تركه.
وعبر أوكسوز عن سعادته بالعودة إلى الوطن قائلاً: “عندما وصلنا إلى بلادنا، أردت تقبيل الأرض في المطار”.
وأضاف: “من الجميل جدا أن نعود إلى وطننا وعائلاتنا. عندما وصلت كان أول ما نظرت إليه هو السماء ولونها الأزرق”.
وتابع: “أجسادنا هنا الآن، لكن قلوبنا هناك، فأصدقاؤنا (السودانيون) هناك، ولن نتركهم أبدا”.
ومنذ اندلاع أعمال العنف في السودان، فر آلاف الأشخاص من المواطنين ورعايا دول أجنبية إلى بلدانهم أو إلى دول مجاورة.
والاثنين، أعلنت الخارجية التركية استكمال عمليات إجلاء المواطنين الأتراك من السودان بعد أن انطلقت في 23 أبريل الماضي.
وأضافت الخارجية في بيان أن “أكثر من 1700 مواطن تركي ونحو 300 مواطن من 22 دولة تم إجلاؤهم بأمان من السودان”.
ومنذ 15 أبريل الماضي، تشهد ولايات بالسودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة البرهان، و”الدعم السريع” بقيادة “حميدتي”، يتبادل فيها الجانبان الاتهامات بالمسؤولية عن اندلاعها عقب توجه قوات تابعة لكل منهما للسيطرة على مراكز تابعة للآخر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس