أفريقيا برس – السودان. في تطور يعيد رسم خرائط الصراع في ولاية غرب كردفان جنوبي السودان، فرضت “قوات الدعم السريع” سيطرتها على حقل هجليج النفطي، أحد أكثر المواقع حساسية في ميزان القوة والاقتصاد.
استهداف “الدعم السريع” للحقل النفطي يتجاوز حدود المعارك الميدانية إلى مستقبل البلاد الاقتصادي، لا سيما أنه يشكل موردا مهما للجيش مكنه من التحكم بمسارات الحرب.
والاثنين، أعلنت “قوات الدعم السريع” في بيان، عن سيطرتها على الحقل النفطي، وادعت أن قواتها “تؤمن وتحمي المنشآت النفطية الحيوية بالمنطقة، لضمان مصالح جمهورية جنوب السودان التي تعتمد بشكل كبير على تدفق النفط السوداني للأسواق العالمي عبر أراضيها”.
كما ادعت “توفير الحماية اللازمة لجميع الفرق الهندسية والفنية والعاملين في المنشآت النفطية، بما يوفر البيئة الملائمة لهم لأداء أعمالهم”.
** خسارة مزدوجة
بحسب مراقبين، فإن توقف الإنتاج بحقل هجليج، يعني خروج البلاد من قائمة الدول المنتجة للنفط.
ويعد “هجليج” أكبر حقول النفط في البلاد، ويحتوي على أنابيب ناقلة ومحطة ضح لدولة جنوب السودان، بغرض تصديره عبر ميناء بشائر شرقي السودان.
وكان إنتاج الحقل قبل الحرب نحو 80 ألف برميل يوميا، إلا أن الانتاج تدنى إلى ما دون النصف مؤخرا، بسبب الأعطال الفنية بالحقل، وعدم وجود موارد مالية لإصلاحها.
وعن ذلك، قال مهندس بالحقل للأناضول، مفضلا عدم الكشف عن هويته، إن الإنتاج انخفض إلى 22 ألف برميل يوميا في الأسابيع الأخيرة.
وتضم منطقة هجليج مطارا مدنيا ومستشفى ميدانيا، وقد شهد الحقل عدة توقفات جراء استمرار النزاع بين الجيش السوداني و”الدعم السريع منذ 15 أبريل/ نيسان 2023.
ويمثل توقف الحقل خسارة دولة جنوب السودان إيرادات من العملات الأجنبية، إذ يشكل النفط 90 بالمئة من الإيرادات.
وتعتمد دولة جنوب السودان على “هجليج” في سياقين، الأول تصدير نفطه عبر أراضيها للعالم الخارجي، فضلا عن تكرير نفطها الخام في محطة المعالجة الموجودة بالحقل بالسياق الثاني.
أما السودان نفسه، فسوف يتكبد خسارة رسوم العبور والتصدير التي تقدر بأكثر من مليون دولار يوميا.
وحتى الساعة 7:00 (ت.غ)، لم يصدر عن السلطات السودانية أي تعليق بشأن هذه التطورات.
لكن صحفا محلية في دولة جنوب السودان بينها صحيفة “الموقف”، نقلت تصريحات عن مساعد رئيس هيئة الأركان جونسون أولونج قال فيها: “استقبلنا ضباطا وجنودا من الجيش السوداني الذين وصلوا من هجليج إلى إدارية رووينق”.
وأضاف أولونج أن” قوات من الجيش السوداني بكافة عتادهم العسكري واللوجستي تم استقبالهم بتوجيهات من الرئيس سلفاكير ميارديت”.
وأشار إلى أن “كل هذه الإجراءات تمت بعد اتصالات وتفاهمات بين ميارديت، ورئيس مجلس السيادة في السودان عبدالفتاح البرهان”.
**هجوم رغم “الهدنة”
ويأتي هجوم “قوات الدعم السريع” على الحقل النفطي رغم إعلانها القبول بهدنة إنسانية لمدة 3 أشهر من طرف واحد منذ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها “قوات الدعم السريع” حقولا نفطية، إذ سبق أن اتهمتها السلطات السودانية بشن هجوم بطائرات مسيّرة على محطة معالجة بترول جوبا في الجبلين بولاية النيل الأبيض (جنوب) في 15 نوفمبر الماضي، ما أدى إلى توقف مؤقت لتصدير النفط.
وفي 13 من الشهر نفسه، تعرض حقل هجليج إلى هجمات من “الدعم السريع” بطائرات مسيّرة تسببت في مقتل 3 عمال، وألحقت أضراراً بمختبر محطة المعالجة المركزية.
كما أدانت الحكومة السودانية، هجومًا شنّته “الدعم السريع” في أغسطس/ آب الماضي على هجليج، أدى إلى مقتل مدنيين، وإغلاق مؤقت للحقل.
**شركات تنهي تعاقداتها
وفي 19 نوفمبر الماضي، أرسلت شركة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة (CNPC) خطاباً إلى وزارة الطاقة والنفط السودانية، نشرته وسائل إعلام محلية، تضمن طلب اجتماع، لبحث الإنهاء المبكر لاتفاقية تقاسم الإنتاج، بولاية غرب كردفان، بسبب إعلان الخرطوم حالة “القوة القاهرة”.
و”القوة القاهرة”، هي إجراء يعفي طرفي التعاقد من أي التزامات قانونية أو مالية تترتب على عدم الوفاء بالتعاقدات النفطية الدولية، بسبب حدوث ظروف طارئة خارجة عن إرادة الطرف المصدر.
وتنص الاتفاقية الموقعة بين الشركة الصينية ووزارة النفط السودانية في 1995 على أن ينتهي التعاقد في أواخر 2026.
وبناء على ذلك، طلبت الشركة الصينية في 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري من الحكومة السودانية اجتماعًا عاجلا بعاصمة دولة جنوب السودان جوبا، خلال الشهر الحالي، لمناقشة الإنهاء المبكر لعملها.
وعزت الشركة الصينية ذلك إلى “التدهور المستمر لبيئة أمن الحقل بعد العديد من أعمال التخريب، والسرقة وانهيار سلاسل التوريد خلال الصراع، ما جعل قطع الغيار والمعدات الأساسية غير متاحة”.
وكانت جنوب السودان استأنفت تصدير النفط عبر السودان في مايو/ أيار الماضي، بعد توقف دام لأكثر من عام، بسبب الأوضاع الأمنية في إقليمي كردفان ودارفور.
وبعد انفصال جنوب السودان في عام 2011، فقد السودان ثلاثة أرباع احتياطاته النفطية تقريباً، حيث يمتلك الجنوب نحو 75 بالمئة من الاحتياطي الكلي المقدر للبلدين.
**حقول أخرى
وجدير بالذكر أن هجمات “الدعم السريع” بالسودان طالت حقل بليلة في ولاية غرب كردفان، الذي ينتج 16 ألف برميل من الخام يوميا، كما تم تدمير مرافق مطار بليلة بالكامل، ونُهبت المعسكرات السكنية و مكاتب الشركات العاملة بالحقل.
وشملت عمليات التخريب مكاتب شركة “بترو إنرجي” المالكة للحقل بالشراكة مع الشركة الوطنية الصينية، بحسب السلطات السودانية والعاملين في الحقل.
وحسب آخر تقرير رسمي، خرجت 10 حقول بولاية غرب كردفان عن الإنتاج، بينها دفرة، ونيم، وموقا، وبرصاية، وكيي، وشارف، في وقت تعرضت فيه الآبار النفطية للتخريب من قبل “الدعم السريع”.
وفي إقليم دارفور استهدفت “قوات الدعم السريع” الحقول النفطية، وهاجمت حقل سفيان وحديدة بولاية شرق دارفور، كما تم نهب مخازن الشركات، ومحطات الكهرباء، ودمرت آليات النفط في الحقول.
وتتفاقم المعاناة الإنسانية في السودان جراء حرب بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” اندلعت منذ أبريل/ نيسان 2023 بسبب خلاف بشأن توحيد المؤسسة العسكرية، ما تسبب بمقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص.





