قبائل البجا تفرض ثقلها الاقتصادي… بعد عقود من التهميش

19
قبائل البجا تفرض ثقلها الاقتصادي… بعد عقود من التهميش
قبائل البجا تفرض ثقلها الاقتصادي… بعد عقود من التهميش

أفريقيا برس – السودان. يتصدر إقليم شرق السودان المشهد من جديد، بعد عقود من التهميش تخللتها محاولات لفرض السيطرة أو المطالبة ببعض الحقوق لم تسفر عن نتائج حقيقية على أرض الواقع. بل كانت النتيجة تأزم الوضع، وارتفاع سقف المطالب وصولاً إلى التلويح بالانفصال، وسط مخاوف من لحاق شرق السودان بجنوبه.

ومنذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، تصدر اسم قبائل البِجا (المكون السكاني الأكبر في الإقليم) الأحداث إثر إقدام مجموعة من المحتجين على إغلاق ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، احتجاجا على «تهميشها» من اتفاق السلام الذي وقع في جوبا في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، هذا المفصل عمق الأزمة الاقتصادية بعدما أوشك مخزون السلع الاستراتيجية كالقمح والوقود على النفاد، ما دفع التجار إلى الموانئ المصرية كبديل مكلف لحل الأزمة.

يقدر عدد سكان إقليم شرق السودان وفقا لإحصاء عام 2018 بنحو 6 ملايين نسمة. ويسكن هؤلاء ولاياته الثلاث: البحر الأحمر وكسلا والقضارف. ثم إنهم يشكلون 13 في المائة من إجمالي سكان السودان الذي يقترب من 44 مليون نسمة، وفقا لإحصاءات البنك الدولي عام 2020.

تعيش في الإقليم مجموعة من القبائل الرعوية أكبرها قبائل البِجا، التي سكنت ساحل البحر الأحمر قبل نحو 4 آلاف سنة، وفقا للمراجع التاريخية. ومن فروع البِجا: الهدندوة، والأمَرار، وبني عامر، والبشارية. وبحكم كون هذه القبائل رعوية بدوية، يمتد وجودها على ساحل البحر الأحمر إلى إريتريا، ومصر.

لهذه القبائل ثقافتها الخاصة ويتكلم معظمها لغة البداويت – وهي مرتبطة باللغة المَرَوية التي كانت مستخدمة في مملكة كوش – باستثناء بني عامر الذين يتكلمون لغة التيغراي باعتبارهم جماعة عرقية وافدة من الجزيرة العربية.

اقتصاد قبائل شرق السودان يقوم على الرعي والزراعة. وتعد منطقتهم من أكثر مناطق السودان ثراءً. إذ تضم أراضي خصبة، كما يوجد فيها ميناء بورتسودان، الميناء الرئيسي الذي يتحكم في التجارة الخارجية للبلاد، «لكنها مع ذلك، تعاني من الفقر المدقع بسبب احتكار الخرطوم جمع وإعادة توزيع الإيرادات بطريقة حرمت الشرق من الحصول على مخصصات معقولة في الصحة والتعليم»، وهذا وفقا لمقال تحليلي نشره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بداية الشهر الجاري للدكتور حمدي عبد الرحمن حسن، أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة.

وحقاً، أدى التهميش المستمر للإقليم إلى عدة أزمات. وحملت قبائل البـجا السلاح ضد نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير بين عامي 1994 و2006 حتى أن «مجموعة الأزمات الدولية» حذرت في تقريرها الصادر عام 2006 من أن «الصراع المنخفض الحدة في شرق السودان بين الحكومة والجبهة الشرقية ينذر بالتحول إلى حرب كبيرة ذات عواقب إنسانية مدمرة، حيث إن اتفاق السلام الموقع عام 2005 عالج التهميش السياسي والاقتصادي للجنوب، وتجاهل الخلل الهيكلي المماثل في بقية البلد خاصة في الشرق ودارفور».

الأزمة انتهت مؤقتاً بتوقيع اتفاق سلام في إريتريا في العام نفسه، لكن مطالب البِجا بإنهاء التهميش السياسي والاقتصادي تجددت، وشاركت القبائل في الاحتجاجات ضد نظام البشير عام 2018 والتي أدت إلى الإطاحة بنظامه عام 2019.

يومذاك دعمت قبائل البِجا الحكومة الانتقالية، غير أن هذا الدعم تلاشى بعد توقيع اتفاق جوبا. إذ اعتبر المحتجون الشرقيون أن موقعي الاتفاق نيابة عنهم لا يمثلونهم، ونتج عن ذلك موجة من الاحتجاجات المتواصلة تصاعدت وتيرتها بإغلاق الميناء، وإعلان البِجا فرض سيطرتهم على عصب التجارة في السودان.

وبالفعل، ينظر إلى البِجا وإقليمهم الآن على أنهم عامل «مؤثر على مستقبل واستقرار السودان، خاصة في ضوء انحياز الإقليم لتصدر المكون العسكري للمشهد السياسي في أعقاب الأحداث الأخيرة، حيث يهدد إغلاق الموانئ، بالتزامن مع إغلاق الشوارع المؤدية من إقليم شرق السودان إلى باقي أنحاء البلاد – وخصوصاً العاصمة الخرطوم – الأمن القومي للبلاد»، بحسب الدكتورة أماني الطويل. وتوضح الطويل أن «شرق السودان هو الإقليم المتحكم في حركة الدولة مع العالم على الصعيد الاقتصادي والتجاري، إذ يستورد السودان 70 في المائة من احتياجاته عبر ميناء بورتسودان، كما أن ميناء بشاير – المغلق أيضاً – يؤثر بفاعلية كبيرة على استقرار دولة جنوب السودان من حيث العوائد البترولية».

هذا، وأعلن «مجلس نظارات البِجا» تأييده لتحركات البرهان، معلناً أنه لن يعيد فتح الموانئ إلا بعد إلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا. وفي سياق متصل، يخشى مراقبون من أن تؤدي احتجاجات البِجا، إلى انفصال شرق السودان، على غرار ما حدث في الجنوب، أو تتحول إلى دارفور أخرى، وسط حديث عن تغذية أطراف خارجية للصراع، واتخاذ المطالب أبعاداً عرقية وقبلية وجهوية ما قد يسفر عن حرب أهلية لا يحتملها السودان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here