منصف الشريقي الأمين العام للحزب الاشتراكي التونسي
أهم ما يجب معرفته
توقفت اتفاقية الصيدليات الخاصة مع صندوق التأمين على المرض “الكنام”، مما ينذر بأزمة جديدة في قطاع الصحة. النقابة أوقفت العمل بصيغة “الطرف الدافع” للأمراض العادية، مما يهدد بتعليق خدمات الصيدليات ويجعل المواطنين بلا دواء حتى يتم تجديد الاتفاقية. هذه الأزمة تعكس تدهور الوضع الصحي في تونس وتأثيره على حياة المواطنين.
أفريقيا برس – تونس. لم يتم تجديد الاتفاقية المبرمة بين هيئة الصيادلة وصندوق التأمين على المرض للسنة القادمة (2026) بصيغتها الحالية، مما دفع النقابة لإيقاف العمل بصيغة “الطرف الدافع” للأمراض العادية ابتداءً من 27 أكتوبر 2025!
خبر تناقلته كل وسائل الإعلام بشكل برقي آخر شهر أكتوبر وكأنه خبر عادي لا يرهن حياة آلاف التونسيات والتونسيين إلى مصير معلق على إبرام اتفاقية جديدة بين الطرفين.
ماذا يعني ذلك؟
الخبر يقول “إن هيئة الصيادلة التونسيين أوقفت العمل بالاتفاقية بينها وبين “الكنام” للأمراض العادية بداية من 27 أكتوبر 2025 بعد فشل مفاوضاتها مع إدارة صندوق التأمين على المرض لتجديد الاتفاقية، وهي التي تم تجديدها للسنة الجارية (2025) التي تنتهي يوم 31 ديسمبر الحالي فقط.
والحقيقة هي أن نقابة الصيدليات الخاصة قررت إيقاف العمل بصيغة الطرف الدافع، معللة قرارها بأن إدارة الكنام امتنعت عن سداد مستحقات منظوريها، مما دفع البعض إلى إغلاق صيدلياتهم لوصولهم إلى حافة الإفلاس. مما ينجر عنه أن المواطن المنخرط في منظومة التأمين على المرض والذي يدفع مساهمته بشكل شهري وإجباري سيجد نفسه بلا دواء إلى حين تجدد المفاوضات وإبرام اتفاقية جديدة! وهو ما يجبره إن أراد شراء دواءه أن يدفع ثمنه كاملاً ويطلب استرداده لاحقاً، والجميع يعرف أن استرداد المبلغ المدفوع ليس آنياً ويستغرق ذلك أشهر عديدة!
ومما زاد الطين بلة أن نقابة الصيادلة أوقفت أيضاً العمل بصيغة الموافقة على تكفل الكنام التام بإسداء خدمات الأمراض المزمنة APCI منذ 8 ديسمبر الحالي، وأنهت بذلك كل علاقة تقريباً بمنظومة التأمين على المرض. وكانت توجهت هيئة الصيادلة تراسل رئاسة الحكومة لصرف المستحقات المالية لدى الكنام، ودفع رئيس اتحاد الصناعة إلى إبرام اتفاق اقتصادي شامل مع الصيدليات الخاصة ومرورًا بالموزعين بالجملة وصولًا إلى الصيدلية المركزية والمصنعين المحليين، ولكن هل هذا يكفي؟
لا نعتقد ذلك لأن السياسة الدوائية في تونس ارتبطت بمدى قدرة الصناديق الاجتماعية على خلاص مزوديها في ظل ندرة الأدوية وفقدانها في السوق التونسية، مثلها مثل بقية البضائع الأخرى، على الرغم من حيوية هذا المرفق وحساسية قطاع الصحة والخدمات بصفة عامة لدى المواطن التونسي.
إن قطاع الصحة الأساسية يمر منذ فترة طويلة بحالة مرضية استفحلت بقرار هيئة الصيادلة في انتظار قرارات أخرى لمزودين آخرين مثل مخابر التحاليل الخاصة التي تعرف هي أيضاً شللاً، ربما سيفجر أزمة أخرى قريبًا، وهو ما ينذر بأن هذا القطاع المهمل رغم الشعارات التي ترفعها سلطة 25 جويلية حول “الدولة الاجتماعية”، والتي انكشف زيفها بتفجر العلاقة بين الصيدليات الخاصة ومنظومة التأمين على المرض. هذا إضافة إلى أن القطاع يواجه أزمة استمرارية توزيع الأدوية، وهو يعتمد على تعاون وثيق بين الصيدليات الخاصة والموزعين، مما يشل حركة الدواء ووصوله إلى المريض.
لقد أنهك قطاع الصحة العمومي إلى درجة كبيرة تجاوزت تردي الخدمات المقدمة إلى هلاك البنية التحتية، وهروب المريض إلى القطاع الخاص الذي يفرض دفعاً مسبقاً لتكاليف علاجه، زيادة على إفلاس تجربة التأمين على المرض وعجز الصيدلية المركزية على خلاص مستحقات مزوديها من خارج البلاد وداخلها، وبالتالي توفير الكميات اللازمة من الدواء بأنواعه المختلفة، والتي تؤثر مباشرة على حياة الناس وتقليص نسبة الأمل في الحياة لدى التونسيات والتونسيين، ورغم محاولات الطواقم الطبية والشبه الطبية زراعة البسمة لدى المرضى.
إن إصلاحًا جذريًا يفرض نفسه، وهو ما يتطلب تغييرًا شاملاً في سياسات الدولة التنموية وبرامجها الخاصة بهذا القطاع الذي يهم المواطن التونسي بدرجة أساسية، مثله مثل قطاع التربية والتعليم والقطاع الخدماتي بصفة عامة.
لقد عجزت سلطة 25 جويلية وفشلت حين اعتمدت على نفس الخيارات السابقة بمنوال تنمية ليبرالي يقصي الفقراء والكادحين من دورة الإنتاج، ويجعلهم على الهامش، ويقسم الخدمات العمومية بينهم وبين من يملكون المال والثروة. فنجد الصحة لمن يتوفر على ثمنها، وصحة أخرى في المستشفيات العمومية لمن لا يملكه، مثلما نجد تعليماً برأسين، تعليم للفقراء وتعليم آخر له مزايا كبيرة للأغنياء.
هكذا تخلت السلطة الحالية عن دورها في إيجاد الحلول للقضايا المتشعبة التي يواجهها التونسي والتونسية كل يوم، وجعلتهم يواجهون مصائرهم دون أي حماية اجتماعية لهم ولعائلاتهم.
إن الدواء مثل التعليم، إذا تخلت الدولة عن دورها الأساسي فيهما، سيتحولان إلى قطاعين تتوفران لمن يدفع أكثر، وهذا ينذر بتدهور الخدمات العمومية وتقلصها لصالح فئة دون أخرى.
فهل تجد الأزمة التي تفجرت بين نقابة الصيادلة وصندوق التأمين على المرض طريقها إلى الحل بما يرضي الطرفين، أم أن الأزمة التي انفجرت ستكون بداية الانهيار لقطاع الصحة وقطاع التأمين على المرض على حد السواء في تونس؟





