أزمة المثقف في تونس

25
أزمة المثقف في تونس
أزمة المثقف في تونس

افريقيا برستونس. رضا حرشاني يرى أنطونيو غرامشي أن ما يميز المثقف أو ما أطلق عليه اسم ” المثقف العضوي” هو ما يمتلكه من علم ومعرفة ولذلك هو دائما أمام مسؤولية تجديد الفكر بما يخدم تقدم ونهضة المجتمع الذي يعيش فيه دون القطيعة مع موروثه. فإذا لم يحقق المثقف هذه المعادلة الدقيقة فإن النتيجة هي إنكفاءه وعزلته وتشرنقه في برجه العالي بعيداً عن مجتمعه وآماله ولن تحقق أفكاره أي تغيير كمن ينفخ في الرماد. غرامشي لا يحدد فحسب تعريفا للمثقف بقدر ما هي دعوة له للتواضع وألا يعتقد أن ما يمتلكه من علم ومعرفة يمنحه الأفضلية على بقية أفراد المجتمع وتجعله ينظر إليهم بدونية ومنة. فأي ثقافة تخرج عن دائرة الالتزام بقضايا المجتمع والانشغال بتفاصيله هي ترف فكري لا يلزم المجتمع في شيء فالمثقف هو أولا وقبل كل شيء نتاج المجتمع الذي يعيش فيه وليس العكس بحسب كارل ماركس.

في تعريف آخر يرى إدوارد سعيد بأن المثقف لا يمكن أن يكون صديقا للسلطة وهو ما يتماهى تمتما مع المفهوم الذي وضعه نعوم تشومسكي للمثقف باعتباره عدوا للسلطة، ومعارضا لها. وإذا ما تبنينا هذا المفهوم فإننا سنلاحظ تجليه في التراث العربي في عديد المعارك السياسية والفكرية على غرار معارك الإمام مالك وابو حنيفة مع الحكام العباسيين والأمويين وكذلك معركة أحمد بن حنبل مع المعتزلة والأمثلة في ذلك عديدة. ولكيلا نذهب بعيدا في متاهات المفاهيم فإن المثقف وباختصار هو المدافع عن أفراد المجتمع من الظلم والحامي لقيم العدل والمساواة والحرية والديمقراطية. صورة المثقف في المجتمع العربي اليوم مشوهة. مثقف يعيش حالة خواء قيمي وأخلاقي ولا يحمل من الثقافة سوى اسمها أو مازال حبيس جدران اليوتوبيا الافتراضية. كثيرا ممن يعتبرون أنفسهم مثقفين إما لحفظهم أشياء يرددونها أو بما تحصلوا عليه من شهادات علمية والتي لا تجعل من حاملها مثقفا بالضرورة، بقدر ما تجعله مصابا بمرض “التَعالُم” كما أسماه مالك بن نبي.

الأزمة التي تعيشها تونس اليوم كشفت عن الكثير من أدعياء الثقافة ورموزها وتناقضاتهم مع أبسط المسلمات. ناضل البعض منهم طويلا من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وهم اليوم يقفون ضدها لأنها لم تأت بفرقهم للسلطة. نرى كيف كفر البعض منهم بالثورة لأنها أتت بالإسلاميين للسلطة، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك بالتحالف مع الأنظمة المنحلة للتخلص من الديمقراطية الموعودة وإلى الأبد، في واحدة من أسوء حالات السقوط الأخلاقي على الإطلاق. حالة السقوط هذه كشفت مدى العزلة التي يعيشها المثقف بعيدا عن هموم وقضايا المجتمع وارتهانه لحاجاته المادية والأيديولوجية. بيد أنه ليس من المنطق التعميم فمازال هناك مثقفون انبهروا بهذا الجيل الذي تمرد على الأنظمة واقتلعها من جذورها فتجرأوا على سرقة شعلة من نار “برومثيوس” المقدّسة ليعطوها له ويساندوه في كل تحركاته. ويبقى المثقف هو حبل النجاة الذي ينتشل المجتمع من ازماته المتراكمة ولا يمكن ان يحدث التغيير بدون اخذ المثقفين لدورهم بعيدا عن التفكير بمدينة افلاطون التي تنصبهم حكاما على المجتمع. في المجتمعات الغربية تجاوز المثقف دوره المتمثل في نشر الوعي بين إلى إقرار القواعد التي يدبر بها أمر الحقيقة في المجتمع فلم تعد مهمة المثقف تنحصر في وضع معايير الصدق والصلاح، ولا في دور الإيديولوجي ولا في دور الأخلاقي الذي ينصح بتجنب الأكاذيب، وإنما تجاوزه لمفهوم أشمل لإنتاج الحقائق بدل من الدفاع عنها.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here