الجدل حول شكل العلاقات التونسية الجزائرية

9
الجدل حول شكل العلاقات التونسية الجزائرية
الجدل حول شكل العلاقات التونسية الجزائرية

نزار بولحية

أفريقيا برس – تونس. هل ستكون تونس ولاية جزائرية؟ وما العيب في ذلك؟ قد يردد البعض، ثم ما الداعي أصلا لأن يثار النقاش حول المسألة، أو أن ينظر بنوع من الشك والريبة، أو يتعامل بحساسية شديدة مع ما قد يعتبره البعض مجرد تعبير عن أمل، أو تطلع شعبي حقيقي، لتحقيق تقارب عادي وطبيعي، بل حتى مشروع بين بلدين عربيين شقيقين وجارين؟ فهل بات قدرا لا مفر منه أن تطمر وتدفن كل الأحلام والآمال الوحدوية وإلى الأبد باسم الوطنية والاستقلال والسيادة المزعومة؟ مثلما قد يضيف آخر.

وفي الظاهر قد يبدو وجيها جدا ومقنعا وإلى حد كبير ما قد يقوله هؤلاء، لكن تأمل بعض فصول التاريخ القريب ورؤية الواقع المشوش والكئيب، خصوصا في تعامل الدول المغاربية مع بعضها بعضا، يدل على أن الأمور لا تجري دائما بطريقة هينة وسلسة ووردية، وعلى النحو الذي يقدم به الرسميون في البلدين عادة تلك العلاقات والروابط العميقة والضاربة في جذور التاريخ كما يرددون.

ومع أن معظم التونسيين قد لا يعرفون جيدا الهواري تيغرسي، الذي تداولوا اسمه بكثرة بعد أن ظهر الأحد الماضي على شاشة قناة «سكاي نيوز» الإماراتية ليقول في سياق تعليقه على إعادة فتح الحدود التونسية الجزائرية، الذي جرى قبلها بيومين إن «تونس مهما كانت هي أخت صغرى للجزائر»، ثم يضيف «لنقلها بصراحة تونس هي ولاية من ولايات الجزائر المهمة جدا».

فإن الثابت هو أنهم يدركون تماما أن ما صرح به الرجل الذي قدم كخبير اقتصادي جزائري، وبغض النظر عما إذا كان سوء تقدير، أو اختيارا غير موفق للعبارات، أو انسيابا لفظيا عفويا أخرج عن سياقه مثلما برره البعض، فإنه كان في الواقع نقلا حرفيا وأمينا لما فكر فيه بالأمس، ويفكر فيه اليوم كثيرون غيره في مواقع القرار في الجزائر.

ورغم أن السياسيين التونسيين بالخصوص دأبوا في السنوات الأخيرة في الحديث، كلما تعلق الأمر بعلاقاتهم بجارتهم الغربية، عن شعب واحد في بلدين اثنين.

غير أن معظمهم لم يكن قادرا على شرح ما بقي من معنى من ذلك الشعار، أو أن يفسره أو يحدد المقصود به اليوم بالضبط.

فإذا كان الشعبان التونسي والجزائري بالفعل شعبا واحدا، فما الذي يجعلهما يستمران إذن في العيش في بلدين مختلفين، لا يمكن لأحد منهم أن يتنقل أو يعمل أو يمتلك أو حتى يقترع في أي انتخابات محلية في البلد الآخر بحرية؟

لقد ظلت العقدة الأساسية في علاقة الجارتين هي رغبة الجزائر، خصوصا في عهد الرئيس الراحل بومدين وطموحها الجارف في أن تكون تونس جزءا من ترابها، ضمن أي صيغة من الصيغ الاندماجية المعروفة، بشكل فاق في بعض المرات رغبة وطموح العقيد الراحل القذافي، في السعي لتحقيق الهدف نفسه.

ومثلما قال الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي في كتابه «الحبيب بورقيبة المهم والأهم» فقد ظلت «العلاقات متوترة في أغلب الأحيان، وحتى عندما كنا نمر بفترات هدوء أحيانا، يستمر جزء من المواجهة قائما.

وعلى هذه الخلفية يبقى التجاذب المتبادل هو الثابت وانشغال كلا الجانبين لا ينقطع أبدا».

ولعل ذلك ما جعل الرئيس التونسي الراحل بورقيبة وهو الذي كان يعتز دوما بما كان يطلق عليها «الأمة التونسية» يناور على أكثر من محور واتجاه، وينسج علاقات وتحالفات خارجية بما فيها مع المستعمر السابق، حتى يحول دون نجاح ما كان يعتبرها محاولات جدية لابتلاع تونس الصغيرة من إحدى جارتيها الكبيرتين، أي ليبيا والجزائر، أو هما معا باسم الوحدة، لكنه كان حريصا في كل مرة على تجنب الاصطدام المباشر مع الجزائريين، والدخول معهم في مواجهة مفتوحة، حتى حين بلغ التوتر في علاقاته بهم مدى واسعا، لما طالب التونسيون بما اعتبروه تقاسما عادلا لما كانت تعرف بالصحراء الفرنسية، بين كل الدول المحيطة بها، رافضين فكرة تبعيتها في المطلق للدولة الجزائرية المستقلة وحدها، واختلفوا أيضا مع قادة الثورة الجزائرية حول السيطرة على بعض المناطق الحدودية الغنية بالبترول.

وكان يدرك تماما أن اختلال موازين القوى بين الجارتين، خصوصا من الناحية الديمغرافية والجغرافية، سوف لن يكون عاملا مساعدا على إقامة علاقات متوازنة بينهما.

ولأجل ذلك فإنه عمل في فترات متقطعة على كسب الليبيين، أو محاولة تحييدهم على الأقل في أي خلاف مع الجزائر، وفي مراحل أطول من ذلك نسبيا على إقامة تحالف استراتيجي عميق مع الجارة المغربية، رغم ما شهدته العلاقات معها من فتور في أعقاب الخطوة المفاجئة التي أخذتها تونس مطلع الستينيات بالاعتراف باستقلال موريتانيا.

وفي مطلع الثمانينيات تطلع التونسيون لطي صفحة وفتح أخرى في علاقتهم بالجزائر بعد التوقيع على معاهدة الإخاء والتعاون بين الرئيسين الراحلين بورقيبة وبن جديد.

ولكن الأمور ظلت حتى مع الآمال الواسعة التي فتحها الإعلان عن تأسيس الاتحاد المغاربي في مراكش تراوح تقريبا مكانها، رغم تجاوز التونسيين، لما اعتبره البعض منهم ضيما وحيفا لحقوقهم عند ترسيم الحدود بين البلدين.

لقد بقي الارتياب واضحا بين نظامين أحدهما ليبرالي منفتح على الغرب، والآخر اشتراكي يرفع شعارات ثورية معادية للإمبريالية، ولم تفلح التطورات الإقليمية والعالمية، التي حصلت في العقود الأخيرة في التخلص النهائي من تلك الحالة، أو تبديد المخاوف والهواجس المتبادلة بينهما.

وفيما واصلا الإشادة بعلاقاتهما مقدمينها دائما على أنها نموذج يحتذى في منطقة ظلت تعيش على وقع التوترات، وحتى الصدامات والمواجهات الدائمة بين أنظمتها، فإنهما لم يمضيا بها بعيدا، أي إلى الدرجة التي كان شعباهما يأملان الوصول إليها.

لقد ظلت تلك العلاقة في السنوات الأخيرة أشبه ما تكون بعلاقة راع برعيته، أو مانح بمحتاج، واستمر تصوير الجزائر في الإعلام التونسي على أنها المنقذ والمخلص الحقيقي لتونس، كلما ضاقت بها السبل وانفض من حولها الداعمون والمساندون، فيما بقي شق كبير من الإعلام الجزائري يكرس بشكل أو بآخر، وفي أذهان الجزائريين، نوعا من عقدة التفوق على جيرانهم، من خلال تضخيم بعض صور الكرم والسخاء في التعامل معهم في بعض الفترات الحرجة التي مروا بها، ولأجل ذلك فإن الساحة باتت مهيئة تماما وفي الجانبين لتقبل تصريحات من قبيل تلك التي قالها الخبير الاقتصادي الجزائري على شاشة قناة «سكاي نيوز»، بل الدفاع عنها واعتبار أي انتقاد لها على أنه «اصطياد في المياه العكرة» يراد منه «تعكير صفو العلاقات الجزائرية التونسية» مثلما دوّن الهواري على صفحته في فيسبوك في ما قدمه على أنه اعتذار «لكل تونسي اعتبر كلامه إهانة ومسا بسيادة تونس الشقيقة».

غير أن السؤال الذي يبقى عالقا بعدها هو، هل آن الأوان الآن ليعاد بناء العلاقات التونسية الجزائرية على أسس جديدة وصلبة، وضمن رؤية مغاربية أشمل وأوسع؟ أم أن تكون تونس بالفعل ولاية جزائرية حتى لو حافظت على استقلالها وحدودها الموروثة عن الاستعمار؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here