هل ستنجح خطة سعيد في إنعاش الاقتصاد التونسي؟

14
هل ستنجح خطة سعيد في إنعاش الاقتصاد التونسي؟
هل ستنجح خطة سعيد في إنعاش الاقتصاد التونسي؟

أفريقيا برس – تونس. حول المشهد الاقتصادي في تونس، قال الخبير الاقتصادي التونسي، الدكتور سامي لعرفاوي لـ “راديو سبوتنيك”: “لابد من التّذكير، بأن المخاض السّياسي الحالي جعل تونس تعيش مرحلة عسيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ومنذ تاريخ 25 يوليو/ تموز الماضي الذي أصبح تاريخا مفصليا، بدأ الرئيس سعيّد بتحمل أعباء تسيير الدولة بشكل كلّي باعتباره جمع بين كل السلطات، وإذا ما تحدثنا عن الجانب الاقتصادي، فإنه طالما أن الوضع فيه العديد من الإخلالات خاصة في المالية العمومية وعلى مستوى ميزانية الدولة، فالرئيس يجد نفسه أمام خيار وحيد وهو التعامل مع المؤسسات النقدية الدولية خاصة صندوق النقد الدولي”.

وذكّر لعرفاوي بجملة الشروط التي أملاها صندوق النقد الدولي على الحكومات التونسية المتعاقدة وخاصة فيما يتعلق بالتخفيف من كتلة الأجور التي أصبحت تمثل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة، والتزام البنك المركزي بعدم تمويل ميزانية البلاد وغيرها من الشروط التي تعتبر ربّما مجحفة على الاقتصاد التونسي الذي هو في حالة غير مرضية، لهذا لم يتبق أمام الرئيس سعيّد سوى الدخول في مفاوضات ربما مطوّلة نوعا ما، لتخفيف هذه الشروط من ناحية الثقل على ميزانية الدولة وعلى الوضع الاجتماعي الذي تشهده تونس من بطالة وخاصة أصحاب الشهادات العليا وغيرها من متطلبات المواطن التونسي العادي”.

وأضاف: “يمكن القول أن تونس تسير في طريق القبول لشروط صندوق النقد الدولي خاصة فيما يتعلق بسياسة الدّعم للمواد الأساسية وللمحروقات وغيرها، وفي هذا الصدد، ربما تسعى الحكومة التونسية للتخفيف من تدخلها من حيث الدعم في هذه المواد بشيء من البطء، كذلك في عملية استقطاب العمال الجدد في الوظائف العامة، وفي سنة 2021، لم يقع حل الفرص للانتداب في الوظائف الحكومية وهذا نوع من الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، وأعتقد أنه لا مفر من الاستجابة لهذه الشروط”.

عجز في الميزانية

أما فيما يتعلق بعجز ميزانية بلاده، أوضح لعرفاوي” بأن الميزانية حاليا تشكو من عجز مالي في حدود 10 مليار دينار تونسي، بما يعادل تقريبا 4 مليارات دولار أو أكثر، لكن المشكلة في تونس ليست في ميزانية الدولة، إنما في عدة جوانب، وخاصة المرتبطة بالشأن الاجتماعي كمعدّلات البطالة المرتفعة عند حاملي الشهادات العليا، وهذا يتطلب استثمارات على مستوى البنية التحتية في مشاريع ضخمة لاستقطاب هذه الكفاءات والتي شهدت هجرة لم يسبق لها مثيل خاصة من الأطباء والمهندسين”.

وتابع قائلا: “وبالتالي يمكننا القول أن تونس حاليا في حاجة إلى ضخ مالي في حدود نصف الميزانية المالية الحالية والمقدرة بـ 52 مليار دينار تونسي، يمكن أن يضفي هذا نوعا من الأريحية في توسيع مجالات الاستثمار الحكومي والتعاون مع الاستثمار الخاص في استقطاب هذا الكم الهائل من الكفاءات وأصحاب الشهادات العليا، لأن الاقتصاد التونسي حاليا يشهد ركودا كبيرا لا يقتصر على تمويل ميزانية الدولة فقط، بل في عملية استثمارية كبرى لابد أن تجمع بين الجانبين الحكومي والخاص، وهذا التنشيط لا بد أن يتطلب تحريك كتلة من التمويل التي لا تقل عن نصف قيمة الميزانية الحالية”.

مطالب الشعب التونسي

وأضاف الخبير قائلا: “بالتأكيد، هناك علاقة جدلية بين الوضع السّياسي والاقتصادي، وما فعله الرئيس سعيّد كان مفاجأة سارّة لكمّ كبير من الشعب، لكن في الآونة الأخيرة لاحظنا بعض التذمر في العديد من شرائح المجتمع التونسي، باعتبار أن النتائج كانت دون المأمول في تنفيذ ربما ما وعد به الرئيس فيما يتعلّق بمقاومة الفساد، خاصة المواجهة الصريحة التي وقعت بينه وبين “حزب النهضة”، لذلك فهناك خيبة أمل، وقد خلقت نوعا من الجرأة عند المواطنين للانخراط في مطالب ذات طابع اجتماعي بحت ردا على هذا “التقصير” من سعيّد الذي يمتلك حاليا جميع السلطات حتى النيابة العمومية، وهو قادر على تنفيذ ما وعد به في محاسبة الفاسدين كما قال في العديد من المناسبات”.

وأردف قائلا: “أعتقد أنه ما لم يتم محاسبة قيادات ورموز الأحزاب فإن الشرائح المجتمعية ستزداد في طلباتها وشعاراتها ذات الطابع الاجتماعي، ولكن هي مبطنة بغليان وعدم رضى على المردود السّياسي لقيس سعيّد”.

من يتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي؟

خبير الاقتصاد التونسي يرى بأن الانحدار الاقتصادي الذي تمر به البلاد، هو نتيجة العبث وانعدام روح المسؤولية في تسيير الوضع الاقتصادي. وأوضح لعرفاوي بأن “الأحزاب التي اعتلت السلطة ومسكت بزمامها منذ ثورة 2010، هي التي تتحمل مسؤولية هذا الانحدار الاقتصادي، لأن جميع المؤشرات كانت شبه إيجابية في أواخر سلطة بن علي، ولكن عقب اعتلاء حزب “النهضة” وغيرها من الأحزاب (وهذا لا يعني أنني شخصيا ضد هذا الحزب)، ولأكون موضوعيا لابد من تحليل الأرقام، فقد كان هناك انتهاج لسياسة توسعية في ميزانية لدولة بالرغم من الشحِ على مستوى الموارد، وإغلاق عدد كبير من المؤسسات ذات الطابع الحكومي، بالإضافة إلى امتداد أفواج من الوظيفة العمومية، من الأشخاص الذين كانوا في بطالة مطولة والذين لم يمروا بتكوين وإعادة تأهيل”.

وتابع: “وهذا يعني أن هناك تشتتا على مستوى تسيير الشأن الاقتصادي في تونس، وهذا ما يرجّح انحدار جميع المؤشرات والعناصر الهيكيلية للاقتصاد الوطني، حيث نرى انحدارا على مستوى النمو وعلى المداخيل المتأتية من المؤسسات العمومية، وارتفاعا في الضغط الجبائي وأيضا على مستوى التّضخم المالي، وكل هذه المؤشرات تؤكد أنه لم تكن هناك منهجية في تسيير الوضع الاقتصادي وبالتالي تشتت الوضع الاجتماعي”.

وأكّد لعرفاوي بأنه “لا بد أن نقر بأن حزب “النهضة” لم يكن على قدر كاف ولم يكن له من الكفاءات القادرة على التخطيط على مستوى خمس أو عشر سنوات للمستقبل الاقتصادي التونسي وكانت هناك مفاجآت غير سارة نهائيا في أكثر من مرة، ومناقشات لم تكن على مستوى من الحرفية، بل كان هناك أسلوب للهواة في مناقشة العديد من الإشكاليات مع صندوق النقد الدولي، ومع غيرها من المؤسسات الدولية المموّلة، وخاصة فيما يتعلّق بالتّرقيم السيادي حيث لم تكن هناك كفاءات قادرة على توفير المعلومة وفي محاورة هذه المؤسسات التي لها دور كبير في تلميع الصورة الاقتصادية لأي بلد”.

خطابات سعيّد… بين الواقع و الأوهام

قال لعرفاوي: “إن ما أقدم عليه الرئيس يعتبر مجازفة وهي عملية شبه انتحارية باعتبار أن تجميد نشاط البرلمان والآلة التشريعية في بلاد تعيش في حالة بحث عن حلول ربما يكون فيها الوزن التشريعي مهمّا، لا يمكن أن يتفق عليه أهل الرأي خاصة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا، والرئيس اليوم وجد نفسه في ضبابية على مستوى التصريح بحلول عملية واقعية وتطبيقية”.

وتابع: “كل ما نراه حاليا هو خطابات ربما قد تقنع شريحة معينة من الشعب لكن أهل الخبرة والأكاديميّين والمهتمين بالشأن الاقتصادي فهم غير مقتنعين، لأنه عمليا لم نر أي إجراء من شأنه أن يحل عقدة الإنتاج، أو يستقطب مستثمرين من الخارج، بالعكس هناك وضع متوتر يعكس قلقا كبيرا للمستثمر التونسي الداخلي والخارجي على الرغم من الفرص المتاحة، خاصة في القطاعات الفلاحية والصناعية وتدنّي أجور اليد العاملة والكفاءة المشهود بها للفنيين والمهندسين التونسيين ورجال التسيير والاقتصاد الوطني، ولكن إلى حد الساعة لم نر إجراء كفيلا بإحداث شبه معجزة في تحريك وتنشيط الاقتصاد التونسي”.

وطالب الدكتور لعرفاوي الرئيس سعيّد بأن “يراجع جميع خطاباته ويتحلّى بالواقعية وأن يسير نحو تجسيد كلامه ويترك هذا العمل لأخصائيين من مستشاريه ليكون عملهم على أرض الواقع”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here