أجواء انتخابية فاترة في تونس تنبئ بصعوبة إنجاح الدور الثاني

18
أجواء انتخابية فاترة في تونس تنبئ بصعوبة إنجاح الدور الثاني
أجواء انتخابية فاترة في تونس تنبئ بصعوبة إنجاح الدور الثاني

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. تعيش تونس أجواء انتخابية فاترة وباهتة منذ تحديد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأحد القادم الموافق ل20 يناير/جانفي، موعدا للجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة، وسط استمرار لا مبالاة الشارع بالاقتراع المقترب، ما ينبئ بصعوبة رفع سقف التصويت وإنجاح الدور الثاني.

وحسب هيئة الانتخابات فإن جولة الإعادة ستشمل131 دائرة انتخابية من بين 161 بعد فوز 23 نائبا فقط في الجولة الأولى. وسيشارك في الدور الثاني 262 مترشحا من بينهم 34 فقط من النساء أي بنسبة 13 بالمائة من مجموع المترشحين.

وأوضحت الهيئة أنه سيقع الإعلان عن النتائج الأولية الأربعاء 1 فبراير المقبل، والنتائج النهائية للدور الثاني ستكون إثر انقضاء الطعون في أجل لا يتجاوز السبت 4 مارس المقبل.

وبشأن الهوية السياسية للمترشحين المتنافسين في الدور الثاني، بينت الهيئة بأنهم “12 عن حركة الشعب و8 لحزب صوت الجمهورية و3 لحراك 25 جويلية ومرشح واحد عن حركة تونس إلى الأمام، فيما بقية المترشحين من المستقلين”.

وبلغت نسبة المشاركة في الدور الأول 22ر11 في المائة وهي الأدنى منذ بدء الانتقال الديمقراطي في البلاد في 2011، في خطوة أثارت تساؤلات عن مستقبل المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد بعد أن تراجع الرهان الشعبي بشأنه وزادت حدة الأصوات المشككة في قدرة مسار 25 جويلية في وضع البلاد على سكة صحيحة.

ولاحظ متابعون بداية متعثرة للحملات الدعائية للمترشحين للبرلمان الجديد حيث لم تشهد تنافسا انتخابيا كما هو الحال في الدور الأول، بعكس الأجواء الانتخابية في السنوات السابقة التي اتسمت بتنافس محموم وعلى أوجه بين الأحزاب.

وسجل مرصد” الشاهد” التونسي غياب أنشطة دعائية في عديد الولايات، في خطوة تعكس ضعفا في حملات المرشحين، ما يعني صعوبة إقناعهم للشارع الذي لم يعد يشغله غير وضعه الاقتصادي، وأن الآمال في ذهاب أكثر عدد من التونسيين للتصويت لبرلمانهم الجديد تبدو ضعيفة.

عبث انتخابي

ترى أوساط سياسية تونسية أن توقيت الانتخابات لا يتلائم وأوضاع البلد الاقتصادية الصعبة، كما يشكك هؤلاء في قدرة الانتخابات على إنقاذ المشهد الذي يزداد تعقيدا بسبب إصرار الرئاسة على المنهج الإقصائي من جهة، وتمسك المعارضة على التصعيد من جهة أخرى.

وبرأي هؤلاء فإن الانتخابات التي قاطعتها غالبية الأحزاب الوازنة حيث اعتبرتها “تزويرا لإرادة الشعب”، لن تحصل على ثقة الشارع وهو ما أثبته نتائج الدور الأول، وبالتالي سيقع التمديد في عمر الأزمة بدل احتواءها.

وفي ظل إصرار الرئيس سعيد على رفض دعوات الحوار ومبادرات المنظمات الوطنية ذات الثقل مثل اتحاد الشغل، من شأن ذلك أن يضع البلاد على شفا مواجهة جديدة سيدفع تكلفتها الشارع ككل مرة، والذي لن يبقى صامتا وسيلجأ للاحتجاج تنديدا بتجاهل مطالبه والصراع النخب على السلطة بينما أوضاعه المعيشية تتردى يوما بعد يوم.

واعتبر منجي حرباوي، القيادي في حركة نداء تونس في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن” تونس دخلت مرحلة عبثية التي لا تخدم مصالحها ولا الانتقال الديمقراطي التي طمحت إليه”.

وأردف بالقول: “نعيش مرحلة من العبث الانتخابي، وسنتحقق من ذلك من خلال النسب المحتشمة التي سنسجلها في الدور الثاني، وذلك ببساطة لأنه لا توجد حملات انتخابية بالأساس أو أجواء انتخابية أو تنافس انتخابي..كأنها مباريات مدرسية لا معنى لها”.

وبرأي الحرباوي أنه” كان من الضروري أن نراجع حساباتنا قبل المرور إلى المرحلة الثانية من الانتخابات، لأن نتائج الدور الأول أثبتت أن الشعب التونسي غير معني بهذا النظام الذي جاء به قيس سعيد والمنظومة الفردية الجديدة التي يريد أن يفرضها “.

وتوقع السياسي التونسي أن تكون” النتائج كارثية أمام عزوف شعبي كبير”، وعزا ذلك إلى” غياب الأحزاب الذي كان مؤثرا في المشهد والتي من مهامها تاريخيا الحشد والحملات الدعائية الانتخابية”.

واستبعد الحرباوي “تفاعل الرئاسة ايجابيا مع دعوات الإنقاذ والحوار الوطني أمام إصرار السلطة على أن تصم أذانها على جميع المبادرات ومنها مبادرة اتحاد الشغل ما يعني الدخول في مرحلة التصعيد”. واستنتج بالقول” افتعال المعارك مع الجميع لا يمكن أن ينتج حلول وطنية حقيقة”.

التصعيد مستمر

تأتي انتخابات الدور الثاني وسط تواصل التصعيد بين الرئيس ومعارضيه وفي ظل مساعي اتحاد الشغل فرض تموقعه في المشهد عبر إطلاقه مبادرة إنقاذ وطنية. وبينما حذر الرئيس سعيد من تآمر داخل البلاد لتعطيل مسار تنظيم الدور الثاني للانتخابات التشريعية، مشيرا إلى “تمويل خارجي” لضرب استقرار الدولة، تحاول المعارضة العودة إلى السلطة من بوابة حشدها لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، أما اتحاد الشغل يؤكد عبر إطلاقه لمبادرة الإنقاذ أنه رقم وازن يصعب تجاوزه ووجب الاعتراف به كطرف قوي.

وشكلت ذكرى ثورة يناير فرصة لحشد المعارضة الشارع ضد الرئيس، حيث خرج آلاف المتظاهرين في مسيرة مناهضة لسيطرة الرئيس سعيد شبه الكاملة على السلطة في العاصمة التونسية مطالبين بتنحيه.

واعتبر محتجون أن تونس تمر بأصعب أوقاتها في ظل ديمقراطية مهددة واقتصاد على شفا الهاوية، وهو ما يزيد الضغوط على الرئيس وحكومته الماضية في إصلاحات اقتصادية قاسية تخضع فيها لاملاءات المانحين الدوليين دون مراعاة لمتاعب التونسيين.

وانضم اتحاد الشغل إلى صوت الشارع، حيث اعتبر أمين عام الاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي كلمته اجتماع عقده لإحياء مرور 77 عاماً على تأسيس الاتحاد مؤخرا، أن ما تشهده البلاد حاليا هو “نتائج اجتماعيّة واقتصادية للتفرد بالقرار والسلطة”.

ومن شأن هذه التوترات السياسية والتصعيد المستمر أن تلقي بضلالها سلبا على الانتخابات التشريعية حسب المتابعين، حيث سيحجم الكثير من التونسيين على التصويت بسبب التهاء الرئاسة والمعارضة على حد سواء في معركة محتدمة على السلطة.

ولفت مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن” الانتخابات التشريعية حطمت كل الأرقام القياسية في الفشل ورفض الشارع التونسي لها. ”

وشرح بالقول: “اعتبارا للقانون الانتخابي والترشح على الأفراد فإن العامل القبلي والعروشي كان حاضرا في الدور الأول وسيكون حاضرا بأكثر عصبية في الدور الثاني الذي تراه بعض العروش والعائلات غنيمة خاصة وأن ابنها المظفر سيصبح نائبا ويحل جميع مشاكلها”.

وأكد عبد الكبير أن” المرصد التونسي لحقوق الإنسان يرفض هذه الانتخابات كبقية المنظمات الوطنية لأنها لن تجلب لتونس إلا العبث وستأتي بمجلس هجين عاجز وأعضاء تائهين عاجزين عن فعل شيء فالحياة السياسية لا تكون بمثل هكذا طريقة والصعوبات ستزداد عمقا على الأصعدة وستزداد الهوة عمقا بين النظام ومعارضيه”.

واعتبر في ختام حديثه أن” التصعيد الأخير للاتحاد وبعض المنظمات الوطنية وعديد القوى السياسية أمر طبيعي فرضته الظروف وأوضاع البلاد الاقتصادية خاصة والاجتماعية عامة، وأن الوضع يتجه نحو التأزم وانسداد الأفق في ظل غياب حوار حقيقي ومسار سياسي واضح يقود إلى حل الأزمة التونسية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here