أي مستقبل لليسار في تونس؟

61
أي مستقبل لليسار في تونس؟
أي مستقبل لليسار في تونس؟

أفريقيا برس – تونس. كشف مسار 25 جويلية الذي فرضه الرئيس قيس سعيد استنادا للقانون والدستور ثم نجح للمرور به نحو استفتاء ودستور جديد والتأسيس لنظام رئاسي في خضم جمهورية جديدة، عن عمق خلافات التيار اليساري في تونس بين من أبدى تأييده لهذا التحول التاريخي الذي شهدته البلاد، وآخر اعتبره انقلابا على الديمقراطية ومكاسب ثورة يناير 2011.

وبلغت الخلافات بشأن التفاعل مع لحظة 25 جويلية 2021 إلى درجة تنظيم حزب الوطنيين الديمقراطينين الموحد أو ما يعرف ب”حزب الوطد” مؤتمرين في يوم واحد، الأول يقوده منجي الرحوي النائب بالبرلمان والذي يؤيد خطوات الرئيس، ومؤتمر ثان يعلن فيه قياديون معارضون ل25 جويلية تنصل اليسار من هذا المسار لتعزيزه نهجا فرديا واقصائيا، وبرأيهم لا يمكن التغيير انطلاقا من هذه المنظومة.

وإن عمق مسار 25 جويلية خلافات اليسار التونسي، لكن اليسار في المقابل لم ينجح منذ اندلاع ثورة يناير في 2011 على توحيد صفوفه، حيث بقي مشتتا وسط اختلاف القراءات لتياراته في التعامل مع الأزمات السياسية المتعاقبة.ويتمسك التيار اليساري الراديكالي بإرثه الفكري والإيديولوجي وبشعراته الثورية، بينما تطالب أصوات يسارية أخرى بالتجديد وبخطوات أكثر جرأة في التعاطي مع المشهد التونسي.

ورغم التباينات، تذهب أصوات إلى ضرورة توظيف لحظة 25 جويلية لصالح تموقع اليسار في المشهد بعد أن نجحت الرئاسة في إزاحة أكبر خصومها من التيارات اليمينية المحافظة أي حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، ما سيسمح لليسار بتحقيق فاعلية أكثر في المشهد.

فريد العليبي، محلل سياسي

ويرى فريد العليبي المحلل سياسي وأستاذ الفلسفة في حديثه ل”أفريقيا برس” أن “مستقبل اليسار من مستقبل تونس نفسها فالأمر يتعلق بمكون رئيسي من مكونات الحياة السياسية التونسية على مدى عقود وهو يتسع ليشمل اليسار السياسي واليسار النقابي واليسار الثقافي واليسار الطلابي واليسار النسوي الخ”.

ويتابع “بالقول قد جاءت انتفاضة 17 ديسمبر وهبة 25 جويلية لتمنح اليسار حضورا لافتا في نحت ملامح تونس الجديدة ولم تكن العشرية السابقة غير قوس أغلق الآن”.

وفي تقدير العليبي فإنه “على عكس ما يروج في منابر إعلامية يمتلكها اليمين بمنوعاته المختلفة فإن اليسار حاضر بقوة في السياسة والثقافة والنقابة الخ اليوم في تونس وسياسة رئيس الجمهورية التونسية وممارساته تندرج بدورها ضمن هذا اليسار بينما يخسر اليمين مواقعه الواحدة تلوى الأخرى دون أن يفقدها كلها فهذا متعلق بطبيعة المعركة الدائرة الآن والتي يعتبرها كثيرون شكلا من أشكال حرب”.

ويعد منجي الرحوي الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد والتابع ل(مؤتمر الحمامات) مؤيدا لهذا التوجه، حيث سبق وأن أشار في تصريحات صحافية بأن “حزب الوطد الموحد لم ينقسم بل تخلّص من الكوابح التي كانت تعيق تطوره وتنظّمه السياسي”.

ونقلت مواقع محلية عن الرحوي قوله: “بأنّ مسار 25 جويلية ليس مسارا سياسيّا فحسب، بل هو في جوهره ثورة اجتماعيّة تهدف إلى تقويض الأسس الاقتصادية القائمة على القهر.. وفي حال لم يحقق المسار هذه المطالب الشعبية فإننا سنمضي في النضال بشتى الوسائل إلى أن تتحقق”.

ويتسق رأي الرحوي مع رأي عبيد البريكي، الأمين العام لحركة تونس إلى الأمام، حيث اعتبر” أن الأوان قد حان لتقاسم اليسار أهداف مسار 25 جويلية للارتقاء بصورة تونس، حسب تصريحاته لوسائل إعلامية محلية”.

لكن قيادات يسارية بارزة مثل محمد الكيلاني مؤسس الحزب الاشتراكي في تونس، سبق وأن أشار في حواره مع موقع “أفريقيا برس” إلى أن” 25 جويلية كان تعديا صارخا على الدستور بتأويل الرئيس للفصل 80 على هواه وبالتالي تجاوز الدستور الذي أقسم على احترامه وصيانته والدفاع عنه، وهو أول من انتهك الدستور ثم إلغاءه وعوضه بدستور آخر”.

وأبرز أيمن العلوي، القيادي بحزب الوطد في حوار مع “أفريقيا برس“ أن“ 25 جويلية هي لحظة مع تقدم المسارات فيها أحدثت اختلافات في وجهات النظر في قراءة الواقع، ولا أعتقد أن الفرز فيه نهائي بشكل حاسم لأن الأحداث السياسية في تونس مازلت حبلى بالمفاجآت“.

ارتباك وتشرذم

في ظل الانقسامات العميقة في التعاطي مع أزمات البلاد، تتزايد التساؤلات بشأن مستقبل اليسار في تونس، خاصة أن مسار 25 جويلية أفقد بريق الأحزاب ولم يعد لها تأثيرا قويا كما السابق، بموازاة تراجع دور المنظمات الوطنية والأجسام الوسطية.

وفيما تفقد الأحزاب اليوم تأثيرها السابق، إلا أن عجز معسكر اليسار على التوحد يبقي دوره محدودا، كما يعيق طموحه في استعادة قاعدته الشعبية.

وتعكس تجربة الجبهة الشعبية، وهو ائتلاف يساري معارض تشكل بعد الثورة لمواجهة التيار اليميني المحافظ، عن عجز اليسار على توحيد بيته وترميم صفوفه، حيث عصفت بها الخلافات والانقسامات، ما قاد بهذه التجربة إلى الفشل.

ويستنتج متابعون أن معركة الزعامة جعلت اليسار منهمكا في صراعاته الداخلية بينما ابتعد عن مبادئه الحقيقية المنتصرة للشارع أولا، ولطالما تعرض زعيم حزب العمال حمة الهمامي لانتقادات من البيت اليساري نفسه بسبب عدم منح فرصة لجيل جديد من الشباب لقيادة الحزب.

كما يلفت هؤلاء إلى أن افتقاد اليسار التونسي إلى مشروع يزيد الغموض بشأن مستقبله، حيث ظل اليسار يتمسك بخيار النضال والاحتجاجات عبر الشارع والميدان للتعبير عن رفضه لمنظومة الحكم، دون أن يقدم بدائل حقيقية.

ويجمع المتابعون والمحللون على ضرورة قيام اليسار بمراجعات نقدية وتقييم لأدائه بجرأة حتى يتجاوز أخطائه السابقة التي أغرقته في الارتباك والتشذرم، وحتى يستطيع الحفاظ على وجوده في المشهد السياسي مستقبلا .

النضال مستمر

مع ذلك وبالرغم من الانتقادات، ترى قيادات يسارية أن المستجدات السياسية أثبتت صحة قراءات أبزر تيارات اليسار وهو حزب العمال الذي كان الحزب الأول الذي اعتبر إجراءات 25 جويلية انقلابا على الديمقراطية، وعليه سيواصل الحزب رفضه لهذه المنظومة عبر استمرار نضاله ضدها بانخراطه القوي في صف المعارضة.

ويشرح حسني الحمودي، عضو اللجنة المركزية لحزب العمال، في حديث مطول ل”أفريقيا برس” عن وجهة نظر الحزب بخصوص تموقع اليسار التونسي بعد 25 جويلية ومستقبله السياسي وفرص توحيده.

حسني الحمودي، عضو اللجنة المركزية لحزب العمال

وبقول الحمودي: “أولا لابد من تحديد المفهوم، فمن هو اليسار في تونس؟ إن ما يحدد تصنيف الأحزاب أو التنظيمات أو التيارات ليس فقط عناوينها فعلى سبيل الذكر: حكم الدكتاتور بن علي تونس لمدة 23 سنة وهو كان ممثل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، فهل هذا يعني أن بن علي كان ديمقراطيا؟.. لا بل أنه حكم تونس بالعصى الغليظة وغطرسة دولة البوليس وعليه لا يمكن تحديد أي حزب أو أي تنظيم بمجرد عنوانه بل إن تحديد توجهات الأحزاب يحدد ببرامجها وتكتيكاتها وتصنيفها للتناقضات الكبرى التي تشق البلاد. فهل يمكن اعتبار حزب يساند قيس سعيد يساريا؟ وهل يمكن اعتبار حزب يساند رئيس ضد المساواة يساري؟ وهل يمكن اعتبار حزب يساند الشعبوي قيس سعيد الذي صادق على قانون مالية 2023 الذي يقضي (قانون المالية) بتدمير الطبقات الكادحة والمفقرة يساري؟ بالطبع لا”.

وزاد بالقول: “وعليه فلنتفق أولا من هم اليسار في تونس اليوم؟ إن تاريخ 25 جويلية 2021 هو تاريخ فارق في الحياة السياسية للشعب التونسي وأصبحنا اليوم نتحدث على تونس ما قبل 25 جويلية وما بعد 25 جويلة، حيث أن الانقلاب الذي قام به قيس سعيد كان منعرجا كبيرا في التاريخ الحديث لتونس وحينها تباينت المواقف والآراء والتوجهات من واقعة الحال. وحينها تباينت المواقف حتى صلب طائفة اليسار في تونس بين الرافض والقابل والمتحفظ وبتقدم التاريخ والأحداث تباينت المسافات أكثر فأكثر حتى بين مكونات الجبهة الشعبية سابقا (تجمع أحزاب اليسار)، وهذا المنعرج أثر أيما تأثير على هذه المكونات ففيها من انشطر وفيها من اضمحل وفيها من تراجع وفيها من بقي ثابتا “.

وأردف: ” إننا نعتقد في حزب العمال أن الأيام بتقدمها مرة أخرى بينت سلامة تحليلنا لما قام به قيس سعيد في 25 جويلية 2021 حيث اعتبرناه انقلاب جزء من منظومة الحكم على جزء آخر من نفس المنظومة من أجل إنقاذ خيارات نفس المنظومة الرأسمالية العميلة، وعليه لم نتوانا لحظة في فضح السياسات الشعبوية لقيس سعيد الذي يؤسس لفاشية جديدة، وها أننا اليوم أما تشكل 80 بالمئة من معالم حكمه الفاشي الجديد الذي لن يقدم شيئا للشعب التونسي ومفقريه بل سيحاول جاهدا تنفيذ املاءات الدوائر المالية المانحة بالحديد والنار وهذا ما نعيشه اليوم فعلا، وفي ظل هذا أي دور لليسار اذا؟.

وحسب الحمودي إن ” لم يكن دور اليسار النضال ضد الاستغلال بكل أشكاله وضد الميز الجنسي والجهوي و ضد رهن البلاد وبيع مقدرات شعبها للدول الاستعمارية والنضال من أجل الشغل والحرية والكرامة الوطنية فأي دور لليسار؟ إن اليسار في تونس ورغم تشتته وتشرذمه إلا أننا نعتبر أن اليسار مكون ضروري ورئيسي صلب الحياة السياسية بتونس وأن هذا اليسار هو مكون رئيسي في المخيال الشعبي النضالي التونسي، ولذلك نؤكد للجميع أن اليسار وعلى عكس ما تروج له ماكينات البرجوازية بأنواعها المختلفة (اخوانية، دستورية أو شعبوية) لن ينتهي أبدا وسيظل راسخا متجذرا صلب حياة الشعب التونسي. ”

وخلص بالقول: “إننا في حزب العمال وَاعُون بهذا جيدا ونطالب كل من يدعي أنه يساريا أن يعي هذا جيدا، كما أن اليسار لن يتوحد مادامت بعض مكوناته تعتقد أن عملية التغيير يمكن أن تكون من داخل هذه المنظومة وفي تواصل معها تحت أي مسمى (وحدة وطنية، المصلحة العليا…) لا من خارجها وعلى أنقاضها، كما أنه لن يتوحد مادام لم يطرح مسألة السلطة كمهمة مباشرة ممكنة للانجاز، ولن يتوحد مادام يفتقد للإرادة في التغيير الفعلي.. نحن في حزب العمال فاتحين أيدينا لكن من يريد أن يناضل ضد الاستبداد والشعبوية والرجعيات المختلفة، فاتحين لكل من يناضل من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل، وفاتحين أيدينا لكل من يناضل من أجل استقلال القرار الوطني السيادي تنفيذا وبرامج لا شعارات رنانة. كما أننا نعتبر أن كل ما سبق ذكره لن يكون إلا عن طريق إسقاط منظومة الحكم الشعبوية المتوارثة وإرساء منظومة السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الشعبية التي تعتبر صمام الأمان الوحيد لإسقاط الشعبوية وسد الباب أمام عدوة الرجعيات المختلفة “.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here