الاحتجاجات في تونس؛ عفوية أم تمهد لمرحلة جديدة؟

16
تساؤلات بشأن الاحتجاجات في تونس: عفوية أم تمهد لمرحلة جديدة
تساؤلات بشأن الاحتجاجات في تونس: عفوية أم تمهد لمرحلة جديدة

أفريقيا برس – تونس. تثير الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها تونس بشكل متواتر في الآونة الأخيرة تساؤلات مقلقة عن تداعياتها على مستقبل البلاد، وما إذا كانت عفوية نتيجة التردي الاقتصادي أم تقف ورائها جهات بعينها بدأت التحضير لمرحلة جديدة.

وشهدت تونس مؤخرا احتجاجات أغلبها ليلية في مناطق متفرقة بالبلاد رفضا لأسلوب تعامل الأمن مع الشباب وللزيادات في الأسعار ولندرة مواد غذائية، كما نظمت حركات احتجاجية في مدينة جرجيس تنديدا بصمت الحكومة بعد أن لقي مهاجرين غير شرعيين حتفهم في حادثة أخرى أثارت استياء وحزن الرأي العام.

وبموازاة الاحتجاجات الاجتماعية، اختارت المعارضة أيضا الشارع للتعبير عن رفضها إجراءات 25 جويلية- تموز والدستور الجديد والبرلمان المرتقب مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في ديسمبر القادم.

وتزيد الاحتجاجات الضغوط على الرئيس قيس سعيد، حيث تحرج مسار 25 جويلية الذي يراهن عليه لبناء ما أسماه “جمهورية جديدة“ أمام تراجع الالتفاف الشعبي حول مشروعه. وأمام توسع دائرة معارضيه، لا يستبعد متابعون أن يتراجع الدعم الذي حظي به سعيد في بداية مسار 25 جويلية من جهات وازنة ومؤسسات ذات ثقل (المؤسسة العسكرية والأمنية ورجال الأعمال) بسبب سوء استثماره لهذا المسار، وهذا الأمر يتقاطع مع رغبة جهات خارجية التي تعتقد أن دور سعيد قد بدأ في التلاشي.

مأزق اقتصادي

بينما يرجح متابعون أن تزيد الاحتجاجات الضغوط على الرئاسة، حيث ستواصل قطاعات كالإعلام والتعليم إضافة إلى الشارع ومواقف الخارج والمعارضة التصعيد ضدها، ما يعني الدفع في اتجاه 25 جويلية جديد، إلا أنه في المقابل يخفف آخرون من وطأتها لافتين أنها نتيجة طبيعية لما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة خاصة مع ارتفاع البطالة والهجرة الغير شرعية.

ولم تنجح حكومة نجلاء بودن في مواجهة أزمات البطالة والهجرة الغير الشرعية، حيث بلغ معدل البطالة في تونس خلال الربع الثالث من العام الجاري 3ر15 بالمئة وهي ظاهرة تتوسع في صفوف الشباب خاصة، كما بلغت ظاهرة الهجرة الغير شرعية مستويات غير مسبوقة مع وصول أكثر من 16 ألف تونسي عبر البحر إلى السواحل الإيطالية هذا العام، حسب بيانات حديثة للمعهد الوطني للإحصاء.

يأتي ذلك فيما اختارت الحكومة الاستجابة لشروط المانحين الدوليين، فيما يحذر سياسيون معارضون واتحاد الشغل من انفجار اجتماعي وشيك قد يحصل إذا تم تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي المؤلمة، والتي ستكون كلفتها على حساب الطبقة المتوسطة والفقيرة.

محمد العربي الجلاصي، قيادي في حزب التيار الديمقراطي

ويلفت محمد العربي الجلاصي، القيادي في حزب التيار الديمقراطي في حديثه لـ“أفريقيا برس“ إلى أن“الاحتجاجات في تونس لها أسباب موضوعية، منها لعنف البوليسي وبصفة عامة القمع والتهميش الذي يعانيه الشباب في الملاعب والأحياء. وفاة عمر العبيدي ليست حالة معزولة ومن الصعب إقناعنا أنها على وجه الخطأ في حسن تتحدث التقارير الحقوقية عن 28 وفاة جراء العنف البوليسي منذ 2011“.

ويتابع:“الوضع الاقتصادي المتأزم بعنواينه الثلاث:غلاء المعيشة حيث تشهد بعض الغذائية تضخما من رقمين وتم الترفيع في فاتورة الكهرباء، شح المواد الأساسية وما تلاه من طوابير وتعطل للحياة العادية للمواطنات والمواطنين وثالثا تعطل عجلة النمو بسبب غياب سياسات عمومية لحكومة سعيد مما تسبب في فقدان مواطن شغل في الشركات الصغرى والمتوسطة التي تمثل الجزء الأهم من نسيجنا الاقتصادي.“

وبرأي الجلاصي أن من دوافع الاحتجاجات أيضا“غياب سياسات عمومية وتجاهل حكومة سعيد للحقوق الأساسية والطبيعية للشعب التونسي كالحق في الماء (ڤفصة، زغوان، جندوبة…) والبيئة السليمة (صفاقس وعڤارب تحديدا مثلا) والتعليم والنقل.. “

توظيف سياسي

يصب توسع دائرة الاحتجاجات في صالح المعارضة التي ترفض مشروع الرئيس وتطالبه بالرحيل، وعليه يستنتج متابعون أن تحاول المعارضة توظيف الشارع بهدف تحقيق مكاسب سياسية، ولما لا الوصول إلى هدفها بالإطاحة بسعيد وتدشين مرحلة جديدة.

مع ذلك لا تشكل المعارضة المحلية خطرا على مستقبل سعيد السياسي، حيث أن زيادة الضغوط الخارجية مع تواصل الانتقادات الحقوقية التي تطاله في طريقة تعامل قوات الأمن مع الاحتجاجات أو التضييق المستمر على الحريات، تشكل تهديدا حقيقيا لطموحه في السلطة ومشروعه السياسي.

وسبق أن أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من قرار سعيد إعادة تشكيل لجنة الانتخابات. كما عبّر الاتحاد الأوروبي بدوره عن“قلقه الشديد” من مسألة حل البرلمان في تونس. كما دعا الاتحاد في بيان إلى“العودة في أقرب وقت إلى العمل الطبيعي للمؤسسات”.

وتذهب أوساط سياسية بالاستنتاج إلى أن الغرب بات ينظر إلى مشروع سعيد بقلق خاصة مع مزيد تقويض المسار الديمقراطي بالبلاد وارتفاع الأصوات المعارضة له، ما قد يجعله دعمه خيارا غير صائب بالنسبة لهم.

في حين يذهب محللون بالتوقع إلى أن تحركات المعارضة في ظل أزمة الثقة بين الشارع والطبقة السياسية لن تحقق جدواها، كما أن سعيد الذي مازال يحظى بدعم شعبي هام، مازلت أمامه الفرصة لإعادة قلب الطاولة لصالحه، وبالتالي التوظيف السياسي للاحتجاجات لن يكون إلا مجرد محاولة فاشلة.

باسل ترجمان، محلل سياسي

ويشير المحلل السياسي باسل ترجمان في تصريحه ل:“أفريقيا برس:“ إلى أن “هذه الاحتجاجات التي شهدتها في تونس سواء كانت عفوية أو جراء بعض الحوادث مثل مدينة جرجيس آو غيرها هي تعبير عن غضب شعبي جراء بعض التصرفات الغير مسؤولة قامت بها بعض الأطراف في الإدارة وتحملت مسؤولية أفعالها.“

مستدركا“ لكن في المقابل كان هناك أطراف السياسية حاولت الركوب على هذه الأحداث خاصة أنها تعيش عزلة كبيرة وقطيعة شعبية كبيرة وبالتالي حاولت استغلال هذه الأحداث من اجل تحقيق مكاسب سياسية:“

وبرأيه :“تضع هذه المحاولات كثير من إشارات الاستفهام حول هذه الاحتجاجات حين حاولت الأطراف الحزبية المناوئة للرئيس الركوب عليها واستغلال هذه الاحتجاجات العفوية من اجل تأجيج الوضع، وهو ما افقدها مصداقيتها وهو ما جعل الشارع يتراجع عن دعمها لتفطنه لاستغلالها سياسيا:“، حسب تقديره.

ويستبعد ترجمان أن:“ تحقق المعارضة مكاسب خاصة لوجود أطراف سياسية في قطيعة تامة مع الشارع التونسي وفاقدة للمصداقية أمامه ولم يعد مؤتمنة بالنسبة له“.

ويخلص إلى أن“هذه الأطراف التي كانت جزء من الأزمة وسبب الأزمة، لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تكون جزءا من الحل، حيث لن تكون لهذه التحركات أي وزن:“، حسب تعبيره.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here