الرئيس التونسي يعد بخطة إصلاحية تحصّن الخطوط الجوية من لوبيات التفويت

9
الرئيس التونسي يعد بخطة إصلاحية تحصّن الخطوط الجوية من لوبيات التفويت
الرئيس التونسي يعد بخطة إصلاحية تحصّن الخطوط الجوية من لوبيات التفويت

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. قطع الرئيس التونسي قيس سعيد مجدّدا الطريق أمام أي محاولة لخصخصة مؤسسة الخطوط الجوية التونسية (تونيسار)، معتبرا أن حالة التراجع التي تسجّلها هذه المؤسسة العريقة الغاية منها الدفع نحو تفويتها للقطاع الخاص، وهو أمر “لن يتمّ” ولا توجد نية للإقدام على هذه الخطوة مهما كانت التحديّات، في المقابل سيكون هناك تدخل عاجل لتطهير هذه الشركة، الغارقة في الديون، حتى يعود إليها بريقها وإشعاعها.

وقال سعيّد، خلال لقاء جمعه بسارة الزعفراني الزنزري، وزيرة التجهيز والإسكان والمكلفة بتسيير وزارة النقل، “أن عملية ضرب الخطوط الجوية التونسية لا يقتصر على الفساد الذي استشرى داخلها والانتدابات غير القانونية التي عرفتها خاصة منذ سنة 2011 بل يهدف إلى التفويت فيها”، مؤكدا أنه “لن تكون هناك خصخصة لا للخدمات البرية ولا للخدمات الجوية”.

وشدد الرئيس التونسي على أنه سيتمّ العمل على أن تعود هذه المؤسسة، التي كانت في وقت من الأوقات مفخرة لتونس على الصعيد العالمي، للتحليق عاليا، كما “سيتم تطهيرها من الذين لا همّ لهم سوى التفريط في مكتسبات البلاد والانصياع المخزي للتعليمات التي يتلقونها من الخارج ومن ارتمى في أحضانهم من اللوبيات في الداخل”.

وشمل اللقاء الحديث في ملفات أخرى تهمّ النقل في تونس وضرورة الإسراع بوضع إستراتيجية وطنية لتطوير النقل العمومي، إلا أن ملف الخطوط الجوية التونسية كان النقطة الأبرز التي ركّز عليها المتابعون سواء في الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي، نظرا للحالة المتردية التي أصبحت عليها هذه المؤسسة وتصاعد الانتقادات وتراجع مردوديّتها مقابل تصاعد الحديث عن أن إنقاذ الشركة لن يكون إلا ببيع أصول فيها، لشركات أجنبية على الأغلب.

أيضا يحظى ملف الخطوط الجوية التونسية بكثير من الاهتمام ويشكل تحديا للمضي في عمليات الإصلاح الهيكلي لعدد من المؤسسات العمومية ومواجهة لوبيات داعمة لمسار الخوصصة كحلّ للتحديات التي توجهها المؤسسات العمومية في البلاد، ومنها الخطوط الجوية التونسية.

وفي السنوات الأخيرة شهدت وضعية الشركة الحكومية أزمة مالية خانقة انعكست بشكل مباشر على جودة الخدمات بدءا من التأخير المستمر في مواعيد الرحلات مرورا بالصيانة والأعطاب التي تسببت في أكثر من مناسبة في عودة الطائرة بعد إقلاعها، بالإضافة إلى ضعف الخدمات المقدمة على مستوى الأكل، وتشكّيات المسافرين من سرقة أمتعتهم. كما تعجز الشركة عن توفير الضمانات الكافية من الدولة لتجديد أسطولها.

وبذريعة تعرضها لمصاعب مالية أو إمكانية الإفلاس تعالت أصوات كثيرة للتفويت في الخطوط الجوية التونسية، لكن في كل مرة تتعالى الأصوات الرافضة لهذا “العلاج” الذي يأتي ضمن شروط صندوق النقد الدولي لخوصصة المؤسسات العمومية. وتصدت النقابات والاتحاد العام التونسي للشغل لهذه الدعوات، بالإضافة إلى الشارع التونسي الذي يعتبر أن المساس بـ”الغزالة” (شعار الخطوط الجوية التونسية) مساس بالسيدة الوطنية، فيما يخشى آخرون من أن ترتفع أسعار الرحالات الجوية أكثر مما عليه اليوم في حال تمت خوصصة الشركة الوطنية.

ويقول المحلل السياسي باسل الترجمان لـ “أفريقيا برس”؛ “قضية تصريحات قيس سعيد هي تأكيد على سياسة الرئيس مقتنع ومصر على تطبيقها بعدم التفويت في المؤسسات العمومية، نعلم أن قضية إفلاس الخطوط التونسية والتفويت فيها ليست قضية جديدة تعود إلى زمن بن علي حيث حاولت أطراف من عائلته إفلاس الشركة من أجل شرائها بالمليم الرمزي”.

ويضيف الترجمان “أيضا بعد سقوط نظام بن علي كان هناك توجه واضح وجلي في فترة من الفترات بعد 2017 حيث حاولت أطراف لها ارتباطات سياسية خارجية إفلاس الشركة من أجل أن يكون هنالك بيع لكي تكون تابعة لإحدى الشركات الكبرى من أجل تخفيض خسائر تلك الشركات التي كانت تعاني منها بتخفيض كلفة النقل لدول أوروبا وتحويل تونس إلى محطة لهاته الشركة الكبرى وهي خليجية تحديدا”.

وكان الرئيس قيس سعيدّ سبق أن شدّد في تصريحات سابقة (في أغسطس سنة 2021) خلال زيارة مفاجئة إلى مطار تونس قرطاج الدولي على أن “الدولة لن تبيع الشركة ولن تفرط فيها”. وفي ذات السياق كرّر مسؤولون تونسيون على امتداد السنوات الأخيرة رفض التفويت في شركة الخطوط الجوية التونسية، أو جزء منها، للخواص.

ويلفت باسل الترجمان إلى أن الأطراف التي تسعي لإفلاس وإغراق الشركة وتعميق أزماتها هي أطراف لديها مصالح خاصة على حساب المصلحة الوطنية وهذا آمر مرفوض تماما في ظل رؤية الرئيس قيس سعيد وحرصه على استعادة المؤسسات الوطنية التي قدمت خدمات جليلة للشعب التونسي على بقائها واستمرارها وعودتها من شركات خاسرة ومفلسة إلى شركات قادرة على الإنتاج والعمل وتحقيق مكاسب للشعب”.

وكان وزير النقل السابق ربيع المجدي نفى في سنة 2023 بيع الناقلة الجوية الوطنية أو جزء من أسهمها سواء لشركات أو مؤسسات خاصة في الداخل أو الخارج مشيرا بأن شركة الخطوط التونسية بدأت تتعافى، وذلك ردا على تقارير راجت بشأن تدهور الوضعية المالية للشركة بما قد يدفع لتسريح عدد من الموظفين، وهو أمر أثار حفيظة النقابات والاتحاد العام التونسي للشغل حينها. وفي ذات الرد أعلن المجدي، حينها، عن فتح خط جديد هو خط تونس بكين وبرمجة خطوط نحو العمق الإفريقي.

وفي سنة 2020، حذّر الرئيس والمدير العام السابق للشركة إلياس المنكبي في تصريحات إعلامية من أن وضع الشركة سيزداد صعوبة وتعقيدا في حال لم تتدخل الدولة لاتخاذ قرارات مهمة لإنقاذ الشركة التي تكابد لسنوات خسائر لم تعهدها منذ تأسيسها، في ديسمبر 1948. ويؤكد خبراء أن الشركة تحتاج معالجة هيكلية وعملية إصلاح جذرية حتى تتجاوز عنق الزجاجة خاصة بعد الضغط الذي تعرّضت له منذ سنة 2011 نتيجة التوظيف العشوائي، الذي تم خلال فترة حكم الترويكا، ما تسبب في ارتفاع الأجور وأثقل كاهل الشركة.

وتعاني الشركة من ضعف الإمكانيات المالية مقابل ارتفاع كلفة شراء الطائرات أو صيانتها في وقت تسعى فيه الحكومة لإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، وحوكمة التصرف في عائداتها.

وفي سنة 2023، تحدثت تقارير عن تعافي تدريجي للخطوط التونسية من حيث جهود تسريع إعادة الهيكلة. وقال الرئيس التنفيذي للشركة خالد الشلي حين كشف عن تحقيق تحسّن في نشاط الشركة بتسجيل زيادة في عدد المسافرين على متن الخطوط التونسية بـ 19.5 في المئة على أساس سنوي. وتسلمت الشركة أواخر أغسطس 2023 الطائرة الأخيرة من طراز أيرباص أي 320 نيو، والتي تستوعب 150 مسافرا باستثناء الطاقم، ضمن برنامج لتطوير الأسطول من خلال خدمة التأجير والذي يتضمن عقدا للحصول على 5 طائرات.

فشلت أغلب خطط إعادة هيكلة الشركة، ولم يتمكن أي مسؤول استلم دفة قيادتها من تقديم حلّ جذري لإخراجها من أزمتها. وعجزت الخطط الحكومية عن إنقاذ الشركة. فولا يتوقع أنه يتحقق الكثير على الأقل على المدى القصير في خطة الإصلاح التي تحدث عنها قيس سعيد، إلا أن الأكيد هو “الغزالة” ستبقى شركة وطنية تحت ضغط الشارع قبل كل شي.

ويؤكد ذلك باسل ترجمان في ختام تصريحه بقوله “قضية الدفاع عن الناقلة الوطنية والحفاظ عليها هي قضية لها علاقة باحترام إرث بنته دولة الاستقلال في تونس والخطوط الجوية التونسية هي أحد رموز تلك الحقبة وبالتالي الحفاظ عليها هو حفاظ على مكسب وطني”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here