الغضب الذي يسبق العاصفة في تونس

9
الغضب الذي يسبق العاصفة في تونس
الغضب الذي يسبق العاصفة في تونس

صلاح الدين الجورشي

أفريقيا برس – تونس. لن تختلف السنة الجديدة في تونس عن سابقتها إلا في درجة الاحتقان والقلق السياسي والاجتماعي، فالأوضاع تتجه بنسق أسرع نحو الأسوأ، حيث أعلنت عديد المنظمات والأطراف عن أيام غضب. يقرّ الجميع، بمن فيهم مسؤولون، بأن الأزمة أصبحت خانقة، وإن اختلفوا في الأسلوب والعبارة، فهل تكون السنة الجارية حاسمة؟ وفي أي اتجاه؟. .. ثلاث فرضيات موزعة بين المؤثرين في المشهد السياسي:

هناك من لا يزالون متمسّكين بولائهم للرئيس قيس سعيّد. تقلص عددهم، وضاقت دائرتهم، لكنهم يتفقون على نفي الأزمة أو التخفيف من حجمها ومن شأنها، يعتبرون الأمر قد حُسم لصالحهم، وأن الرجوع إلى الوراء وهم، وأن البلاد بصدد التغيّر نحو الأفضل. المهم أن يصبر التونسيون قليلا، حتى قال أحدهم “امنحوا الرئيس عشر سنوات كما منحتم سابقيه للحكم عليه أو له”.

قسم آخر من السياسيين ومنظمات المجتمع المدني يعتقدون أن سعيّد أثبت عجزه وعدم قدرته على إدارة شؤون الدولة، ويطالبونه صراحةً بالتخلي والاستقالة. أصحاب هذا الرأي هم أغلب القيادات الحزبية والسياسية. سينزل هؤلاء إلى الشارع يوم 14 يناير/ كانون الثاني الحالي في ذكرى انتصار الثورة، رغم أن كل طرفٍ متمسّك برايته، لأن الخلافات بينهم لا تزال قوية وحادّة. يعتقد هؤلاء أن الحلول الوسطى لم تعد واردة، وأن تكثيف الضغط الميداني هو الوسيلة الوحيدة لإجبار الرئيس سعيّد على الرحيل.

يتمثل القسم الأخير في بعض الأطراف المدنية المتعاونة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، والتي تعمل حاليا على بلورة مبادرة جديدة. ورغم الغموض الذي لا يزال يكتنف هذه الخطوة، إلا أن أصحابها يؤكّدون على أن الأحزاب لن تكون طرفا فيها. ورغم أن اتحاد الشغل ينفي ما يُشاع إن الهدف من هذه الخطوة الدفاع عن مسار 25 جويلية (يوليو/ تموز)، وإنما غايتها هي “إنقاذ البلاد”، إلا أن هناك من يتّهم القيادة النقابية بأنها تعمل في هذا الظرف الدقيق على إنقاذ سعيّد من خلال تمكينه من قارب نجاة وإسعافه بهذه المبادرة التي ستعرض عليه بعد اكتمالها، بحكم أنه “الرئيس الشرعي المنتخب”. وهو ما أكّده بوضوح عميد المحامين، عندما عبر عن تمسّكه بصندوق الاقتراع وبالمؤسّسات الدستورية، فأصحاب هذا التوجّه يرفضون الانخراط في مغامرة سحب الشرعية من قيس سعيّد قبل الموعد المحدّد للانتخابات الرئاسية، وما قد ينجر عن ذلك من فوضى، نظرا إلى غياب بديل جاهز ومتفق عليه.

تونس في مأزق. لهذا السبب تتعدّد المبادرات والمحاولات من أجل منع الانهيار الكبير، فالسلطة تحاول إنقاذ السفينة من الغرق، ليس عبر الانفتاح ومراجعة سياساتها واختياراتها، وإنما من خلال ملاحقة معارضيها، وإحالتهم إلى المحاكم استنادا إلى المرسوم عدد 54 بتهمتي التآمر والخيانة، وهو ما من شأنه أن يقرّب موعد الانهيار بدل تجنّب وقوعه، كما أنها مصرّة على استكمال الجولة الثانية من الانتخابات لإقامة برلمانٍ صوريٍّ وفاقد الصلاحيات. وهي بذلك تدفع بنفسها وبالبلاد نحو الموت السياسي والتجويع الاقتصادي والتفتت الاجتماعي.

يجري الحديث عن تغيير الحكومة ورئيستها الذي يعتبر من بين المطالب الأكثر إلحاحا، وترى فيه حركة الشعب شرطا عاجلا لكي تستمر في دعمها قيس سعيّد، حتى قال أحد أكثر قادتها ولاء له “إن لم يتم تشكيل حكومة سياسية سيكون لنا شأن آخر معه”. وبعدما سبق له القول إن حبّه للرئيس “أزاح زوجته من قلبه”، عاد ليعتبر أن الرئيس “ليس جمال عبد الناصر او ماو تسي تونغ أو لينين لندافع عنه”.

ما الجدوى من حكومة سياسية بدون صلاحيات؟ لن يحصل ذلك من دون أن يتخلى الرئيس عن صلاحياته المطلقة، وفي ذلك إقرارٌ بفشل المنهج والمشروع. لهذا زعم بعض أنصاره أنه “يجب إنقاذ قيس سعيّد من نفسه”، وهي رؤية طوباوية غير قابلة للتنفيذ. إذ لم يعد ممكنا الفصل بين الرجل وأسلوبه في الحكم القائم على عدم الشراكة في السلطة. لهذا انفضّ كثيرون من حوله عندما “اكتشفوا” هذه الحقيقة البديهية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here