وليد التليلي
أفريقيا برس – تونس. أنهت القمة الفرنكوفونية بجزيرة جربة التونسية أشغالها، مساء أمس الأحد، بنجاح تنظيمي لا شك فيه، وبمخرجات سياسية محدودة، على الرغم من الملفات الساخنة التي يشهدها الفضاء الفرنكوفوني في العالم، بينما توجه أغلب التركيز على ملفات تربوية وتعليمية واقتصادية.
وأشادت الأمينة العامة لويز موشيكيوابو بالنجاح التنظيمي للقمة، وهي التي تم انتخابها مرة أخرى للمنصب نفسه، بينما تنتظم القمة المقبلة في عام 2024 في فرنسا.
وعبّر الرئيس التونسي قيس سعيّد أيضاً عن فخره بتنظيم القمة على الرغم من كل الصعوبات، ومن محاولة البعض تغيير مكان تنظيمها من تونس إلى بلد آخر، وهو ما فهم أنه رسالة غير مباشرة للجانب الكندي، الذي أبدى تحفظات على انعقاد القمة في تونس منذ سنة.
ووجه عدد من التونسيين انتقادات لتصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقناة فرنسية، اعتُبرت داعمة لسعيّد، بينما كان الموقف الكندي أكثر وضوحاً بخصوص الأوضاع في البلاد.
وجاء تصريح ماكرون ليثير ردود فعل عدة في تونس، حيث قال لقناة “تي في 5 موند”: “ليس من دور الرئيس الفرنسي أن يضع للرئيس التونسي ما عليه أن يفعل في علاقة بدولته، وما قدمته لقيس سعيّد، الذي أعتبره صديقا لي، يتمثل في أن فرنسا ستدعم تونس، التي عاشت ثورة وانتصرت على الإرهاب، وواجهت وباء كورونا كما حدث في جميع بلدان العالم”، وأضاف “أظن أن رجل قانون دستوري كبير مثل قيس سعيّد منتبه لمثل هذه الأشياء وهذا كان محور لقائي به منذ قليل”.
وأكد ماكرون أن تونس “تعيش اليوم تغيراً في المشهد السياسي”، قائلاً: “أتمنى أن يكون هذا التغيير في الساحة السياسية له نتائج، وأن تضم الانتخابات التشريعية المقبلة كل الأحزاب والقوى السياسية في تونس بهدف استكمال المسار”.
وبيّن الرئيس الفرنسي في هذا الإطار أنه دعا “سعيّد لدرس إمكانيات التعاون الفرنسي التونسي لدعم تونس، بهدف استكمال هذا المسار على المستويين الاقتصادي والسياسي”.
وقال ماكرون إن “فرنسا، كما الاتحاد الأوروبي، تحافظ على الموقف نفسه الداعم على طريق الحريات وحقوق الإنسان، ولا مجال للانحراف عن ذلك لأي سبب”، وأوضح أن “الدعم الذي قدمته فرنسا لتونس بمناسبة هذه القمة، والمقدّر بـ200 مليون يورو، ليس شيكاً على بياض بخصوص الحريات الأساسية والمبادئ الديمقراطية”.
من جهتها، أبدت كندا تحفّظها على “إعلان جربة” في الفقرة المتعلّقة بالشرق الأوسط، بحسب ما أعلنه الرئيس سعيّد في اختتام القمة، قائلا إنّه سيتم تضمين ذلك في نصّ البيان.
وقال الوزير الأول لمقاطعة الكيبك بكندا فرانسوا ليغو في ندوة صحافية، مساء أمس الأحد، انعقدت في المركز الإعلامي بالقمة الفرنكوفونية، إنه عبّر لرئيس الجمهورية قيس سعيّد عن قلق الكيبك بخصوص الديمقراطية في تونس، وذلك خلال لقائه على هامش القمة الفرنكوفونية. وأضاف ليغو في تصريحات نقلتها إذاعة “موزاييك”: “من المهم أن تكون تونس مثالاً في الديمقراطية”.
وتعليقاً على القمة، قال الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، إنها شهدت بروداً واضحاً، والنجاح التنظيمي ليس مسألة جديدة، لأن تونس معتادة على ذلك، ولنا تجارب ناجحة كثيرة في تنظيم القمم والاجتماعات الدوليّة، ولكن المهم هي مضامين هذه الاجتماعات ونتائجها ومخرجاتها”.
ولفت العبيدي إلى أن “القمة الفرنكوفونية هي في الحقيقة نادٍ يجتمع أعضاؤه بشكل دوري، وليست تكتلاً كبيراً فاعلاً، وهي لا تلتقي بالضرورة على ملفات معينة، والأعضاء بحاجة إلى التشاور، وخلال هذه الفترة تفرض الأحداث نفسها، فالحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأزمة الطاقة والغذاء لا يمكن تجاهلها، وحتماً تلقي بظلالها عليها”، مشيراً إلى أن “الأعمال التي تطرح لا يمكن أن تكون بمنأى عن الأحداث، ولكن برأيي لم يحدث إعداد جيد لهذه القمة، وماكرون تحدث عن مشاكل تهمّه مثل مشكلة التأشيرة التي تعاني منها البلدان الفرنكوفونية، واستبدال الإنكليزية بالفرنسية، ولم تكن هناك مواقف مهمة كثيرة، كما أن تونس لم تُعدّ ملفاتها بشكل جيد”.
وأوضح العبيدي أن “تصريح ماكرون حول الانتخابات ومشاركة الأحزاب ليس غريباً، ويُفهم بوضوح أنه يريد الحفاظ على المصالح والاتفاقيات وتماسك حديقته الخلفية، أي الدول الفرنكوفونية، حتى تبقى لغتهم متداولة ومصالحهم مستقرة، وخصوصاً أن دولاً كثيرة تغير وجهتها نحو خيارات أخرى”، منبّهاً في المقابل إلى أن “رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو رفض لقاء سعيّد”.
أداة سياسية واقتصادية لفرنسا
بدوره، لفت عضو تنفيذية “مواطنون ضد الانقلاب” أحمد الغيلوفي، إلى أن “الفرنكوفونية هي في الحقيقة أداة وذراع سياسية أولاً، واقتصادية ثانياً، لفرنسا، وهي مختبر فرنسا في أفريقيا التي يتنافس عليها الروس والصينيون والأتراك وغيرهم، بحسب ما ذكره الفيلسوف جاك أتالي في تقريره حول الفرنكوفونية الذي أعده بطلب من الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند”.
وقال: “أن تتكلم لغة بعينها، يعني أن تستهلك البضاعة التي أنتجتها تلك اللغة، فأن تتكلم الفرنسية يقودك لاستهلاك البضاعة الفرنسية بالضرورة”، موضحاً أن “تاريخ فرنسا منذ الاستقلال عرف بالتدخل السافر في أفريقيا، فالصراع البورقيبي اليوسفي حسمته فرنسا لصالح بورقيبة، وكل الانقلابات في المنطقة، نحو 200 انقلاب حتى سنة 2000 في أفريقيا، كلها كانت بتدخل فرنسي ما، وآخرها الانقلاب الغريب في تشاد”.
وعلّق الغيلوفي على تصريح ماكرون بشأن تونس بأنه “لا تعنيه الديمقراطية، ولا حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحتى حقوق الأقليات هي وسائل ضغط، تستعملها فرنسا إذا كان الحكم في ذلك البلد ضد مصالحها”، وشدد على أن “قيس سعيّد قام بانقلاب سافر بشهادة كل العالم، وقد جاء ماكرون ليُعمِّده وينقذه ويفك عزلته، ويقول إن هناك تحولاً كبيراً في تونس، وكذب عندما قال إن الأحزاب تستطيع المشاركة في الانتخابات، فالحال أن غالبية الأحزاب ترفض المشاركة، بما فيها حتى الأحزاب التي ساندت سعيّد في البداية”.
وأشار إلى أن “فرنسا تعرف جيداً أن الأحزاب ترفض المشاركة في هذه الانتخابات، وهي تعرف أن سعيّد ضعيف ومهتز الشرعية، ولذلك تضغط عليه لتأخذ منه ما تريد”.
ورأى أن “الفرنكوفونية تلقت ضربة في الجزائر التي عاشت 130 سنة من الاستعمار، وتوجهت أخيراً إلى اللغة الإنكليزية، وكذلك التوتر مع المغرب وليبيا، وتشاد، ومالي، والساحل الأفريقي، كلها انتفضت ضد فرنسا، وبالتالي بقيت لفرنسا الحديقة الخلفية المسمّاة تونس”.
وتابع الغيلوفي: “وجد ماكرون في الانقلاب ضالته، فالمهم (لا للإسلام السياسي)، لأنه يعرف أن ما يسمّيه هو بالإسلام السياسي سوف يلتف شرقاً نحو ليبيا وتركيا، وهذا لا يناسبه، لأنه يريد أن يحافظ على معاملته وشراكته مع فرنسا”.
ولفت إلى أن “الدول الفرنكوفونية التي احتلتها فرنسا هي الأكثر فقراً، وهي التي عاشت انقلابات أكثر، وهي الأقل استقراراً، امّا وضع الدول الناطقة بالإنكليزية فهو أفضل حالاً”.
أمّا الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، فاعتبر أن تصريح الرئيس ماكرون “لا يليق إلا بدولة كانت تدعم، إلى آخر لحظة، نظام (الرئيس السابق زين العابدين) بن علي أيام الثورة، بتزويده بما يحتاجه من قنابل مسيلة للدموع في مواجهة انتفاضة شعبه”.
وقال “فرنسا التي خسرت مواقع كثيرة في أفريقيا، تواصل توخي سياسة خارجية ضد اتجاه التاريخ”، وأضاف في تدوينة على صفحته في “فسيبوك”: “إن كان الرئيس ماكرون لا يعلم أن الأغلبية العظمى من القوى السياسية والمدنية في تونس تقاطع الانتخابات المهزلة فتلك مصيبة، وإن كان يعلم فالمصيبة أعظم”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس