اللجوء إلى المدارس الخاصة في ظل أزمة التعليم الحكومي

5
اللجوء إلى المدارس الخاصة في ظل أزمة التعليم الحكومي
اللجوء إلى المدارس الخاصة في ظل أزمة التعليم الحكومي

أفريقيا برس – تونس. شهد قطاع التعليم الحكومي في تونس أزمات عدة على مدى أكثر من ست سنوات. وبات تعطيل الدراسة وسيلة ضغط من قبل نقابات التعليم، في ظل احتجاجات المعلمين لتحقيق مطالبهم، وخصوصاً تلك المادية، بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد. اقتصر شكل الاعتراض خلال السنوات الماضية على بعض الوقفات الاحتجاجية أمام مندوبيات التربية أو مقاطعة الدروس في فترات عدة. لكن خلال العام الدراسي الماضي، انتهج المعلمون أسلوباً جديداً تمثل باللجوء إلى حجب نتائج التلاميذ وعدم تمكينهم من الحصول عليها، بعدما فشلت كل محاولاتهم السابقة في الضغط على وزارة التربية.

في المقابل، لم ترضخ الوزارة لأي ضغط، بل واجهت الأمر بإعفاء 350 مدير مدرسة وتجميد رواتب 17 ألف مدرس.

واقع دفع أولياء الأمور إلى نقل أولادهم إلى التعليم الخاص، على الرغم من المصاريف الإضافية، تفادياً لانقطاع الدروس وتراجع مستوى أبنائهم في مواد عدة.

يقول عبد الرحمن علي إنه اضطر هذا العام إلى نقل ابنه الذي يدرس في الصف الخامس إلى التعليم الخاص. ويوضح أنه اعتاد أن يكون من بين الثلاثة الأوائل في كل مرحلة تعليمية، لكن معدلاته ومجموعه السنوي بات أقل بسبب تعطيل الدروس وعدم توافر معلمين لمواد عدة. وحتى الدروس الخصوصية، سواء خلال العام الدراسي أو العطلة الصيفية، لم تكن حلاً لتحسين مستواه من جديد وتدارك العديد من المواد. يضيف: “صحيح أن التعليم الخاص مكلف نوعاً ما، لكن ما باليد حيلة، لأن الأزمة في ما يبدو ما زالت مستمرة، ولا سيما أن نقابات التعليم تهدد بمواصلة الاحتجاجات ومقاطعة الدروس خلال هذا العام الدراسي أيضاً”.

الواقع نفسه دفع رقية محجوبي إلى نقل ابنيها إلى التعليم الخاص، أحدهما في المرحلة الثالثة والثاني في المرحلة السادسة. وتشير إلى أنهما “لم يدرسا مواد عدة خلال العام الماضي بسبب عدم توافر المعلمين، وعدم انتداب مدرسين جدد، بالإضافة إلى مقاطعة المعلمين النواب (أي المعلمين المساعدين ممن يعملون بعقود هشّة) الدروس، واستمرار الاحتجاجات على مدى العام. هذا الوضع لم يعد يُحتمل، والضحية الأولى هو التلميذ”. تضيف: “لجأت أيضاً إلى الدروس الخصوصية خلال فترة الصيف لتدارك كل ما فاتهم خلال العام الماضي، ما كلفني الكثير من المصاريف. وأضطر اليوم إلى نقلهما إلى التعليم الخاص والاستدانة من المصرف. لكن ما من حل أمامنا”.

وسبق أن احتج الأهالي أمام المندوبيات الجهوية للتربية في محافظات عدة، مطالبين بحلول لإصلاح التعليم وحل الأزمة بين الوزارة والنقابة. ولكن تواصل المشاكل بين الطرفين سبّب تعطيل الدروس وحجب أعداد آخر السنة الدراسية.

في هذا السياق، يقول رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، رضا الزهروني، إنّ الجمعية لطالما نددت بالضرر الكبير الذي يتعرض له التلميذ على مدى السنوات الأخيرة بسبب تلك الاحتجاجات وانقطاع الدروس، وعدم تمكين التلاميذ من مواد أساسية عدة، الأمر الذي أثّر بمستوى التلاميذ عموماً، عدا عن حرمانهم تقييماتهم لمعرفة مستوياتهم التعليمية. ويؤكد على “ضرورة فتح باب الحوار من جديد قبل أي تصعيد من قبل النقابة والمعلمين لإيجاد حلول”، مضيفاً: “على النقابة أيضاً أن تقتنع بإمكانات الدولة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، وإن العديد من المطالب يجب أن تتحقق على مراحل حتى تستمر الأمور من دون أي أزمات”. ويشير إلى أن “الأزمة بين النقابة والوزارة تُعَدّ من بين أبرز الأسباب التي دفعت العديد من أولياء الأمور للجوء إلى التعليم الخاص لتسجيل أبنائهم”.

وبحسب وزارة التربية، فإنّ عدد التلاميذ هذا العام يبلغ مليونين و356 ألفاً و630 تلميذاً، بزيادة تفوق 63 ألف تلميذ عن العام الدراسي الماضي. وسبق أن نشرت وزارة التربية قائمة المدارس الابتدائية والإعدادية والمعاهد الثانوية الخاصة المتحصّلة على ترخيص، وبلغ مجموعها 1242 مؤسسة، منها 736 مؤسسة للتعليم الإبتدائي.

وتضم المدارس الابتدائية الخاصة أكثر من 100 ألف تلميذ من إجمالي أكثر من 1.3 مليون تلميذ مسجلين في المرحلة الابتدائية، وهو ما يمثّل حوالى 8 بالمائة من إجمالي التلاميذ المسجلين في المرحلة الإبتدائية. وبحسب دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن خيار اللجوء إلى المدارس الإبتدائية الخاصة لم يعد حكراً على الأسر الميسورة. بل حتى الأسر البسيطة باتت تستدين لتعليم أبنائها في المدارس الخاصة بسبب أزمة التعليم الحكومي المستمرة منذ سنوات. ولفت إلى أنّ المنظومة التعليمية العمومية أظهرت فشلاً ذريعاً على المستويين الكمي والنوعي، ما أدى إلى زيادة إقبال التونسيين على التعليم الخاص.

وعلى مدى السنوات الماضية، طالبت العديد من الجمعيات والأهالي بضرورة إصلاح المنظومة التربوية. وأطلقت وزارة التربية أخيراً استشارة وطنية لإصلاح التعليم بمشاركة المواطنين عبر منصة الكترونية يدرج فيها كل من يرغب في المشاركة ملاحظاته ومقترحاته لإصلاح القطاع.

وتشمل الاستشارة 5 محاور كبرى، هي التربية في مرحلة الطفولة المبكرة، والإحاطة بالأسرة، وبرامج التدريس ونظام التقويم والزمن المدرسي، والتنسيق بين أنظمة التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والتكامل بينها، وجودة التدريس والتكنولوجيا الرقمية، وتكافؤ الفرص والتعلّم مدى الحياة. وتستمر الاستشارة حول إصلاح التعليم على مدى شهرين بهدف سبر آراء جميع التونسييّن في رؤيتهم ومقترحاتهم لإصلاح منظومة التعليم في البلاد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here