بعد اصدار الحكم في قضية شكري بلعيد..النهضة بريئة أم مسؤولة؟

10
بعد اصدار الحكم في قضية شكري بلعيد..النهضة بريئة أم مسؤولة؟
بعد اصدار الحكم في قضية شكري بلعيد..النهضة بريئة أم مسؤولة؟

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. بعد ليلة سيطر عليها الانتظار، حكم القضاء التونسي، فجر الأربعاء 27 مارس 2024، بالإعدام على أربعة مدانين في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في فبراير/شباط 2013، بينما تتمسّك هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومعها أغلبية الشارع التونسي بوجوب معرفة من دبرّ عمليتي الاغتيال ومن یقف وراءها.

وقضت المحكمة بإعدام 4 أشخاص وبالسجن المؤبد لاثنين آخرين بتهمة المشاركة في عملية اغتيال بلعيد الذي كان أول اغتيال سياسي تشهده البلاد بعد الثورة في 2011. وقد أدخل اغتياله البلاد في أزمة سياسية أسفرت حينها عن استقالة رئيس الحكومة حمادي الجبالي.

ويعتبر هذا الحكم أول حكم يصدر في هذه القضية التي أثارت صدمة شعبية وتسببت في أزمة سياسية عميقة زادت حدّتها باغتيال النائب في المجلس التأسيسي ومؤسس حركة التيار الشعبي محمد البراهمي في 25 يوليو من نفس العام. وأحدث الاغتيالان اضطرابات كبرى في تونس أدت في نهاية المطاف إلى تنحية حركة النهضة من الحكم وتنصيب حكومة جديدة تولت تنظيم انتخابات 2014، وأسفرت عن وصول حركة نداء تونس بقيادة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إلى الحكم.

وكان التلفزيون الوطني التونسي، فاجأ التونسيين خلال وقت الإفطار بإعلان يفيد أنه سيقدم على الساعة التاسعة ليلا، نقطة إعلامية من قصر العدالة بتونس، وذلك بعد التصريح بالحكم في قضية اغتيال شكري بلعيد أمام منزله في ولاية أريانة بالعاصمة بإطلاق أربعة رصاصات عليه. وطال الانتظار ساعات وساعات قبل النطق بالحكم عجّت فيها مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات والتكهنات.

وبعد 15 ساعة من المداولات أعلن مساعد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية أيمن شطيبة عبر التلفزيون عن صدور الحكم، لافتا إلى التأخير الحاصل أمر طبيعي في مثل هذه القضايا المتشعبة والحساسة. وإلى جانب المتهمين الأربعة الرئيسيين الذين نالوا أحكاما بالإعدام شنقا حتّى الموت، تراوحت الأحكام على بقية المتهمين، وعددهم الجملي 23 متهما، السجن من سنتين إلى 120 سنة، فيما تمت تبرئة خمسة أشخاص لا يزالون ملاحقين في قضايا أخرى.

ولم تعد تونس تنفذ أحكام الإعدام منذ العام 1991.

وبمجرّد صدور الحكم سارعت حركة النهضة، التي يقبع رئيسها راشد الغنوشي في السجن بالإضافة إلى أنصار آخرين لها، باصدار بيان اعتبرت فيه أن الأحكام الصادرة تبرّئها من كل ما تردّد عن علاقتها باغتيال شكري بلعيد. وقالت الحركة في البيان الذي حمل توقيع أمين عام النهضة العجمي الوريمي “إن ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكل تخصصاتها وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل تعد بشكل يقيني أدلة براءة لحركة النهضة وأدلة قطعية على الأجندة المشبوهة لما يسمى بهيئة الدفاع المتمثلة في استهداف طرف سياسي ظلما وعدوانا وكذبا وبهتانا”.

وجاء في بيان الحركة أن “أطرافا معادية ومغرضة أصرت على تلبيس حركة النهضة مسؤولية هذا الاغتيال السياسي الأثيم وتلويث مسارها وصورتها بلون الدم واستغلال أي مناسبة لتكرار أسطوانة الاتهام بالباطل حتى يبقى الجرح نازفا والوصم راسخا، تغطية على العجز عن المواجهة الفكرية والمنافسة السياسية في إطار ديمقراطي وحضاري سليم”.

وقالت إن صدور الأحكام في قضية الاغتيال “ينبغي أن ينهي المتاجرة بدم الشهيد بلعيد وأن يعيد الاعتبار لمن طالته الاتهامات السياسية الباطلة والقاتلة، وخاصة رئيس الحركة راشد الغنوشي”.

وكانت أطراف اتهمت حركة النهضة بالتورط في عملية اغتيال بلعيد، وقد نفت الحركة تلك الاتهامات جملة وتفصيلا. كما وُجهت أصابع الاتهام أيضا في اغتياله لسلفيين متشددين، خاصة تنظيم “أنصار الشريعة” الذي رفض الاتهام وألقى باللوم على من وصفهم حينها ببقايا مخابرات الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقال التنظيم حينها إن “البوليس السياسي” اغتال بلعيد “لإدخال البلاد في حالة من الفوضى والفتنة، حتى لا تقع المحاسبة ولا تفتح الملفات الخطيرة”.

وقال حسان الغريبي، عضو هيئة الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي في ملف اغتيال شكري بلعيد لـ”أفريقيا برس”؛ “الأحكام تراوحت بيت إعدام ومؤبد وعقوبات سجنية، وتم الحكم لصالح الدعوة المدنية، لكن طبعا هناك أحكام نحن غير راضين عنها، وبالتالي فالتوجه نحو الاستئناف أمر مؤكد”.

وأضاف الغريبي “ما تم الحكم فيه هو ملف واحد من سبعة ملفات. هذا ملف من أطلق النار، مازلت هناك ملفات أخرى وسنستمر بنفس الإصرار والعزيمة في كشف من خطط وأعدّ وهو أمر لن نتراجع عنه وهذا من أجل تونس”.

وتعتبر قضية اغتيال شكري بلعيد، الذي عرفت عنه معارضته الشديدة لحركة النهضة وحذّر من التوجهات الإسلامية في حكم تونس، نقطة فاصلة في تاريخ ثورة 14 جانفي 2011 وتاريخ البلاد المعاصر. وقد شبهها البعض حين وقوعها بقضية اغتيال النقابي فرحات حشّاد. وشهدت الفترة التي سبقت اغتيال القياديان في الجبهة الشعبية (يسار) شكري بلعيد ومحمد البراهمي تصعيدا غير مسبوق في خطاب العنف والتكفير. كما كان هناك نشاط لافت للسلفيين والدعاة المتشددين في شوارع البلاد وفي المساجد وحتى في بعض المنابر الإعلامية.

واعتبر حينها أن اغتيال بلعيد، الذي تبنته عناصر من داعش، نتيجة مباشرة لهذا الخطاب التي تسبب أيضا في استهداف أمنيين وجنود. وعلى مدى 11 عاما من التحقيقات أثير الكثير من الجدل وفتحت ملفات خطيرة لذلك اعتبر بعض المتابعين أن قضية اغتيال شكري بلعيد وما صدر من أحكام سيبقى ناقصا إذا لم يتم فتح بقية الملفات على رأسها ملف الجهاز السرّي لحركة النهضة.

وقال صهيب مزريقي القيادي بحركة البعث، لـ”أفريقيا برس”، “هذه الأحكام تتعلق فقط بمنفذي عملية الاغتيال كمجرد أدوات تنفيذ لجهاز إرهابي متكامل يحمل في أبعاده التدبير والتخطيط والتمويل ثم التنفيذ وأيضا هذه الأحكام تعد بداية تعافي القضاء من براثن العشرية الأخيرة وتعد أيضا انتصار للقضاء في معركته الاستقلالية”.

ويوافقه الرأي شقيق شكري بلعيد، عبدالمجيد بلعيد، الذي وصف الحكم بأنه “مؤشر على تعافي القضاء التونسي” إلا أن ذلك ليس سوى خطوة أولى في ملف مثقل بالقضايا. وقال بلعيد، في تصريحات إذاعية، “أن الحكم الصادر متعلق بالمجموعة التي نفذت العملية لكن “المجموعة المرتبطة بالجهاز السري والتي لها علاقة بعلي العريض (وزير الداخلية في عهد حكومة الترويكا) وراشد الغنوشي مازالت لم تحاسب بعد”.

ووصف بلعيد البيان الصادر عن حركة النهضة بأنه “مغالطة للرأي العام”، مضيفا أنهم “ينتظرون أحكاما أخرى في ملف الجهاز السري ولن تكون بينا وبينهم مصالحة”. وهو ما أكّد عليه أيضا صهيب مزريقي، معتبرا أن هذه الأحكام ليست سوى شوطا أولا من أشواط معرفة الحقيقة كاملة. فمهم جدا فضح وتعرية المدبر والممول والمحرض المستفيد في اغتيال الشهيد شكري بلعيد أمام الرأي العام الوطني والدولي خاصة خصومه السياسيين ذوي المرجعية الإسلامية مهما اختلفت مسمياتهم وتشكيلاتهم السياسية والتنظيمية..

واعتبر المحلل السياسي منذر ثابت أن “الأحكام الصادرة فجر الأربعاء في حق عدد من المتهمين والمتورطين في اغتيال شكري بلعيد هي أحكام تقنيا لا تمس حركة النهضة وهذا معنى روح البيان الذي أصدرته”. ويوضح ثابت في تصريحه لأفريقيا برس: “النهضة خرجت “منتصرة” بمعنى أنها تجنبت الأسوأ وهو أن تكون متهمة بصفة مباشرة وصريحة من القضاء بكونها ضالعة في اغتيال شكري بلعيد، ويمن القول إن هذه خطوة بالنسبة للنهضة من أجل إعادة التموقع”.

وأضاف: “النهضة تراهن على أنها تستفيد من الظرف الراهن من حيث أنها تستثمر في مظلومية خدمتها السنين الطوال تحت نظامي بورقيبة وبن علي، إذن أنها تحاول أن تبرز للرأي العام على أنها ضحية مؤامرة ومستهدفة من أطراف أيديولوجية وأطراف وظيفية كما أكد على ذلك نص البيان”.

والحكم الصادر فجر الأربعاء ليس باتا ونهائيا، حيث يمكن لهيئة الدفاع عن شكري بلعيد الاستئناف، وفي هذا السياق قال محمد جمور، عضو هيئة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد، إن لجنة الدفاع ستقوم بدراسة الحكم الصادر في قضية بلعيد وبناء عليه ستتخذ قرارها بالاستئناف من عدمه”

واعتبر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن محاكمة فجر الإربعاء تناولت فقط “منفذي جريمة الاغتيال” ويبقى النظر والبحث والحكم على من “من موّل وسهّل ووضع الخطط”، بالإضافة إلى ملفات أخرى مفتوحة مثل ملف تسفير التونسيين إلى سوريا وليبيا وملف الغرفة السوداء والجهاز السري والاتهامات الموجهة لعناصر “من الصف الثاني” في حركة النهضة على غرار مصطفى خضر الذي ارتبط اسمه بقضية الجهاز السري.

وفي ذات السياق يذهب منذر ثابت مؤكدا بدوره أن “الموضوع مازال مفتوحا ومازالت ملفات الجهاز السري وملف التسفير وملفات أخرى هامة وتمس القيادة وفق المعطيات وستكون حاسمة بالنسبة لمصير النهضة”.

وظهرت قضية الجهاز السري خلال التحقيقات في وفاة شكري بلعيد حيث كشفت النيابة العمومية في أواخر العام 2018 عن فتح تحقيق في معلومات تفيد بامتلاك حركة النهضة جهازا سريا أمنيا موازيا للدولة، واتهم هذا الجهاز بضلوعه في اغتيال السياسيين المعارضين محمد البراهمي وشكري بلعيد.

وأثير جدل كبير في الشارع التونسي خاصة وأن هذا الخبر ارتبط بخبر آخر يتحدث عن العثور على مئات الوثائق الخطيرة في داخل ما وصف بـ”الغرفة السوداء”، المتواجدة بمدرسة للسياقة يديرها المدعو مصطفى خضر. ومن بين النقاط التي أثارت الجدل أيضا أثناء سير المحاكمة ما أعلنت عنه هيئة الدفاع بشأن ملابسات “تسريب محاضر” بحث استنطاق متهمين في القضية و”اختفاء محجوز من المحكمة متعلق بالقضية والمتمثل في أقراص ليزرية تتعلق بأبرز نشاطات المتهم الرئيسي في عملية الاغتيال المدعو كمال القضقاضي، الذي قتل خلال عملية أمنية في فبراير 2014′′.

رغم اختلاف المرحلة التي تمر بها تونس الآن شكلا ومضمونا مقارنة بالسنوات التي عاشت على وقعها في السنوات الأولى للثورة وخصوصا في فترة حكم “الترويكا”، فإن الملف يتطلّب الكثير من الحذر والصرامة والمتابعة الدقيقة خاصة والبلاد مقبلة على انتخابات رئاسية وأية خطوة تحسب على هذا الأساس، بل إن هناك من اعتبر أن بث التلفزة الوطنية للحكم فور صدوره، ليس سوى جزء من “مسرحية” الإعداد للانتخابات ومحاولة تسجيل نقطة انتخابية لصالح رئيس البلاد من خلال واحدة من أكثر القضايا التي يوليها الشارع التونسي اهتمام خاصة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here